آراء

كريم المظفر: حتى أنت يا كيشيدا!!

باستغراب كبير، تلقى القراء والمشاهدين تصريحات رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في الذكرى 78، لضحايا الضربة النووية الأمريكية لهيروشيما وناغازاكي، حيث ألقت الطائرات الأمريكية، قنابل ذرية على المدينة لتسريع استسلام طوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا هو المثال الوحيد للاستخدام القتالي للأسلحة النووية في تاريخ البشرية، وفي الواقع، تم اختبارها بلا رحمة على السكان المدنيين، ووفقًا لتقديرات مختلفة، فان العدد الإجمالي لضحايا هذه العملية في ذلك العام كانت 80 ألفاً، وتوفي نفس العدد لاحقًا بشكل مؤلم من مرض الإشعاع .

وكانت الولايات المتحدة الامريكية قد أجرت قبيل أرتكاب جريمتها " البشعة "، أبحاث في مجال الاستخدام العسكري للأسلحة النووية في الولايات المتحدة منذ عام 1939، وكان الأمر يتعلق بإنشاء سلاح جديد فائق القوة، والذي من شأن امتلاكه أن يسمح لواشنطن بإملاء إرادتها على العالم بأسره، وتم استثمار ما يقرب من 2 مليار دولار في ذلك الوقت في المشروع ذي الصلة، والذي يحمل الاسم الرمزي مانهاتن، وبحلول منتصف صيف عام 1945، تم إنشاء ثلاث قنابل ذرية بأسماء ساخرة "ثينج" و"كيد" و"سمين مان"، وكان يتم التحضير لانفجار تجريبي، وكانوا يأملون في "تخويف" اليابان وفي نفس الوقت إثارة إعجاب الاتحاد السوفيتي .

وتوقفت عقارب جميع الساعات في هيروشيما تقريبًا لحظة وقوع الانفجار في الساعة 08:15 صباحًا، وتم محو المدينة بالكامل من على وجه الأرض، وحولت موجة الانفجار الناس إلى رماد داخل دائرة نصف قطرها عدة كيلومترات من مركز الانفجار، وإن محاولات المؤرخين الغربيين لتبرير هذه الجريمة البشعة برغبة الولايات المتحدة في إجبار اليابان على الانسحاب من الحرب العالمية الثانية، لا تصمد أمام التدقيق، وبحلول بداية أغسطس 1945، كانت القوات العسكرية اليابانية قد استنفدت بالفعل، ولعب دخول الاتحاد السوفيتي الحرب دورًا حاسمًا في هزيمتهم.

والاستغراب هنا، هو التحذير الذي اطلقه كيشيدا من ما اسماها " بالتهديدات النووية الروسية"، متجاهلا في الوقت نفسه الدولة التي قتلت مئات الآلاف من مواطنيه بالقصف النووي ، وعوضا عن ذلك، بدأ حاكم هيروشيما حديثه خلال المراسم أيضا بذكر "التهديدات النووية من روسيا"، والتي "تهدد" حسب زعمه "بالأسلحة النووية وتجعل الطريق إلى عالم خال من الأسلحة النووية أكثر صعوبة"، والبرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، لكنه لم يذكر أو يتطرق حتى إلى الدولة التي ألقت القنبلة الذرية على مدنهم، كما تجلت المعايير المزدوجة لسياسة طوكيو، في حقيقة أنه استجابة لطلب الناجين من المأساة لإبرام اتفاق بشأن حظر الأسلحة النووية، وعد كيشيدا ببذل الجهود المناسبة فيما يتعلق بالدول الأخرى، ومع ذلك، لم يذكر الولايات المتحدة مرة أخرى.

كما وان الغريب في كلام كيشيدا، هو انه في الوقت الذي يشدد فيه على حجم المأساة بالقول " إن مئات الآلاف من الأرواح أزهقت بقنبلة ذرية واحدة في هيروشيما" وحولت المدينة إلى أرض محترقة، فإنه يتناسى السؤال الأهم، وهو من أقدم على ارتكاب هذه الجريمة ياسيد كيشيدا؟، هل هي روسيا؟، وهنا استحضرني مقطع تمثيلي للفنان الكبير محمد حسين عبد الرحيم، في برنامجه الشهير  " أستراحة الظهيرة "، عندما توعد " لعدوه "، اذا لم يكف عن ايذاءه، فانه سيضرب " صديقه " !!، فروسيا وحتى وقت قريب قطعت شوطا كبيرا في بناء علاقات متميزة مع اليابان، وكانت كل الأمور تتجه نحو التوقيع على " معاهدة سلام " مشتركة، في حين، رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن، حتى كتابة كلمة أعتذار للشعب الياباني في سجل المدينة المنكوبة عندما وصلها في اجتماع قمة السبعة الذي عقد في اليابان في مايو الماضي، و" الصلافة " الامريكية وعنجهيتها، تجسدت في تصريح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لن يعتذر عن قصف مدينة هيروشيما اليابانية.

ان ما تسمى "رؤية هيروشيما" كانت أول وثيقة للدول الأعضاء في مجموعة السبع، والتي ركزت على أهمية خفض الأسلحة النووية، لكنها في الوقت نفسه لم تؤثر على معاهدة حظر الأسلحة النووية، ولكن على العكس من ذلك، أشارت أن "الأسلحة النووية تخدم أغراض دفاعية"، واعتبر منتقدو رئيس الوزراء الياباني الوثيقة نفسها وموقف اليابان من معاهدة حظر الأسلحة النووية متناقضين للغاية، وتصر المعارضة على أن اليابان، التي تقع تحت حماية المظلة النووية الأمريكية، يجب أن تصبح مراقبًا على الأقل، ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن أي تقدم هنا، فكيشيدا يعتقد أنه نظرًا لعدم توقيع أي من دول النادي النووي على المعاهدة، فإن دور اليابان، باعتبارها الدولة الوحيدة التي تعرضت للقصف النووي، هو تقريبها من هذا القرار.

ان امتناع كيشيدا عن ذكر حقيقة أن مسؤولية قصف المدن اليابانية تقع على عاتق الولايات المتحدة، يشير لها الخبراء إلى أن محاولات إلقاء اللوم على روسيا بسبب عدم الاستقرار في المجال النووي والصمت عن تصرفات الولايات المتحدة في هذا المجال تشير إلى محاولات للحفاظ على هيمنة الأجندة الموالية للغرب على الساحة الدولية، وكعادتها، فان الأمم المتحدة لم يذكر امينها العام في الدور الأمريكي في القصف النووي لليابان وأقتصر كلام أنطونيو غوتيريس، في رسالته، على تحذير من أن "طبول الحرب النووية تدق مرة أخرى".

وهكذا، فإن القصف الذري لهيروشيما لم يكن أكثر من عرض همجي للقوة ومحاولة لتبرير التكاليف الضخمة لمشروع مانهاتن، في الوقت نفسه، لم يعتبر هاري ترومان ولا أتباعه كرئيس للولايات المتحدة أنه من الضروري الاعتذار عن المعاناة التي عانى منها سكان المدينة، وحتى يومنا هذا، لا يزال الموت المروع للمدنيين الأبرياء يتردد في قلوب الملايين من الناس على هذا الكوكب، ومن الصعب وكما يؤكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهذه المناسبة " أن نفهم تمامًا دوافع أولئك الذين خططوا ونفذوا مثل هذا العمل اللاإنساني" .

في روسيا، انتقدوا الصمت المتعمد من جانب القيادة اليابانية، والأمين العام للأمم المتحدة، لحقيقة أن مسؤولية الاستخدام القتالي للأسلحة النووية تقع على عاتق الأمريكيين، وعلى وجه الخصوص، وصف رئيس اللجنة الدولية لمجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، أنه من غير المفهوم أنه "لم يتم حتى تسمية الولايات المتحدة" في حدث الحداد الحالي، وأشار الى إن أيديولوجية النزعة الإنسانية السياسية، التي يتبناها الغرب الجماعي، تستبعد الحقائق غير المريحة من التاريخ وتبرز الحقائق المخزية، لذلك، فإن جرائم وإملاءات وضغوط الولايات المتحدة تسمى النضال من أجل السلام والديمقراطية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والإطاحة بالأنظمة المرفوضة - حماية الحقوق والحريات، وتعزيز النازية - دعم الاستقلال .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم