آراء

كُتِبَ عَلَيْنا الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَنا!

محمود محمد عليلو قرأ المتآمرون والغزاة والطامعون بعضاً من تاريخنا المصري، لأدركوا معنى أن تغضب الدولة المصرية التي جاءت أولاً ثم جاء بعدها التاريخ،  لأدركوا أن لمصر نصف آخر متجهم .. شديد البأس. وقاس على أعداءها الجهلة فقط هم من لا يقرأون،  وهم من ينطبق عليهم قول أبو الطيب المتنبي "إذا رأيت أنياب الليث بارزة فلا تحسبن  أن الليث يبتسم".. فالليث يصبر ويتريث ويتعقل، لكنه حينما يغضب لن ترى منه إلا لهيب يشوى ونيران تحرق دفاعاً عن أرضه وعرضه وعروبته وأمنه القومي.. وهذا هو قدر الليث المصري طوال تاريخه .

قصدت أن أفتتح مقالي بهذه العبارة لأقول: في الوقت الذي تواجه فيه البشرية هذا الاجتياح المدمر لحرب الفيروسات التي اتضح أنها بدأت بغية استهداف الاقتصاد الغربي وتدميره في الأساس؛ هذه الفيروسات التي يُقال إنها أفلتت من عقالها في معامل العلماء؛ وصارت كالمارد الذي خرج من "القمقم"، ويبدو أنه لا سبيل إلى إعادته والسيطرة عليه في الوقت الراهن، يخرج علينا الصائدون في الماء العكِر من ورثة ما يسمى بالخلافة العثمانية التي اندثرت منذ زمنٍ سحيق؛ ليقوموا- بمعاونة خوارج العصر ومن حلفائهم من مرتزقة تنظيم إخوان سوريا الممزقة- بالغزو لدولة ليبيا الشقيقة الواقعة على خريطة حدودنا المصرية الغربية؛ والهدف المُعلن هو الاستيلاء على حقول البترول وتدعيم ميليشيات المرتزقة المسلحة غير الشرعية التي تحاول الاستيلاء على الحكم في ليبيا؛ ومناهضة الحكومة الشرعية التي يدعمها التأييد الشعبي في طول البلاد وعرضها.

لم تقف مصر مكتوفة الأيدي فقد قالت في اليومين الماضيين كلمتها التى انطلقت كالسهام الحمراء فى كل اتجاه ليفهم كل ذي عقل إشارة تلك السهام.. كلمات قوية وواضحة على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ذلك الرجل الذي لم تهتز ثقتي أبداً في شخصه، وفي القوات المصرية المسلحة بالقرار السياسي والقرار الاستراتيجي فيما يختص بأي عدائيات يمكن أن تقابلها الدولة المصرية، وأرجو أن ننظر إلي هذا الموضوع في أنه يتم في ظل ثلاث تحديات رئيسية ألا وهي : جائحة كورونا، وتهديدي الحياة والموت بالنسبة لسد النهضة، ثم الجنون التركي والمرتزقة المتواجدين عند الجبهة أو الحدود الغربية لمصر ..

ثلاث تهديدات وجودية تمس الحدود والداخل المصري، هنا علينا أن نتأمل : كيف أدار السيسي هذه الأمور، وهذه الملفات في أنا واحد بقدر هائل من المهنية والاحترافية بشكل فيه إدارة عظيمة للأزمة وفهم واعي لطبيعة التحديات ..

وهنا يمكننا أن نتحدث مباشرة فيما يتعلق بالشأن الليبي، فنقول بأن ما يحدث في ليبيا اليوم يجب النظر إليه علي أنه لا يمثل فقط مجرد زيارة السيسي للمنطقة الغربية للقوات المسلحة بقاعدة جرجوب العسكرية (غرب مرسى مطروح قرب حدود ليبيا) صباح السبت الماضي الموافق العشرين من شهر حزيران الحالي، وذلك علي خلفية التوترات الموجودة في ليبيا الشقيقة، حيث يجب النظر إلي ما قاله السيسي، في الكلمات التالية : "الصبر ليس تردد أو ضعف بل حكمة وتروى وقرار .. من سوف يقترب من أمن مصر القومي فليجرب .. فلن يعبر للشرق ولن يعود الى الغرب.. نحن دعاة سلام وأمن واستقرار ولكننا أقوياء برشد وعقل .. ومن يستفز الليث عليه أن يتحمل غضبه".

في تلك الكلمات حدد بشكل استراتيجي قاعدة الحرب والسلام.. قاعدة الحرب والمفاوضات، ورسم الخط الأحمر عند أية نقطة يصبح من حق مصر التدخل في هذه المعركة وفي هذه الأراضي، وتصبح الحالة المصرية حالة شرعية في التدخل، ليس هذا فقط بل وحدد السيسي بهذا الخط الأحمر إنذار واضح وصريح لحالة الهيستريا الأردوغانية الممولة من قطر والمدعومة بالمرتزقة والتي ترعي ميلشيات مارقة.

والسؤال الآن : لماذا قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه في المنطقة الغربية العسكرية بمرسي مطروح،  أن سيرت وقاعدة الجفرة يمثلان الخط الأحمر لمصر داخل العمق الليبي؟

من المعروف أن الدولة الليبية تشغل أولوية لدى القيادة السياسية المصرية من جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والجغرافية التي تربط  الشعبين الشقيقين والتي تحمل قواسم حضارية ومصالح استراتيجية مشتركة، أيضاً كونها دولة ذات حدود مشتركة تقدر بحوالي 1200كم، حيث تمثل حالة السيولة الأمنية في ليبيا عدة تحديات للدولة المصرية، كتسلل العناصر الإرهابية والقيام بعمليات تخريبية بمصر فضلاً عن عمليات التهريب المختلفة، وتعد الأزمة الليبية قضية أمن قومي مصري، حيث تعتبر ليبيا العمق الاستراتيجي لمصر في الاتجاه الغربي، كما تدير مصر علاقاتها الخارجية وفقًا لمبادئ احترام سيادة الدول الأخرى، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، ولم تتدخل مصر فى مجريات الصراع حتى الآن.

وبالتالي حين ننظر إلي خليج سيرت نجده يتبعد نحو ألف كيلومتر عن الحدود المصرية، ويقع فى منتصف المسافة بين طرابلس وبنغازى تقريبا. فهو يبعد 450 كيلومترا من العاصمة طرابلس، و600 كلم من بنغازى.. والسيطرة على سرت تعنى تعني كما يقول عماد الدين حسين : السيطرة على الموانئ النفطية، إذ لا يبعد أقرب ميناء نفطى (السدرة) عنها سوى 150 كلم. وهى البوابة الغربية لمنطقة «الهلال النفطى» أو الطريق الذى يجب على أى طرف السيطرة عليه للوصول لموانئ زويتينة ورأس لانوف والسدرة والبريقة، حيث يوجد 11 خط نفط و3 قنوات غاز، وتمثل أكثر من 60 % من صادرات ليبيا النفطية..

ومن جهة أخري فإن السيطرة على سرت، تعنى السيطرة بسهولة على امتداد ساحلى بطول 350 كيلومترا حتى بنغازى، حيث تكثر خطوط الأنابيب والمصافى والمحطات ومرافق التخزين. وكانت سرت دوما القاعدة الخلفية لأى هجوم على الموانئ النفطية من الغرب. وتوجد فى سرت قواعد مهمة مثل قاعدة القرضابية الجوية.

أما مدينة الجفرة فهى ذات موقع استراتيجي حيث تقع وسط ليبيا. وبقربها تقع حقول نفطية وبمسافة ليست ببعيدة منظومة النهر الصناعي، وهى تعتبر كما يقول عماد الدين حسين : العاصمة العسكرية للقذافى. وقاعدة الجفرة الجوية تقع شمال سرت بحوالي 300 كيلومتر، وتبعد بنحو 650 كيلومترا جنوب شرقى طرابلس. وهى من أكبر القواعد العسكرية الليبية، وتتميز ببنيتها التحتية القوية، التى تم تحديثها، لتستوعب أحدث الأسلحة. كما تشكل القاعدة غرفة عمليات رئيسة لقوات الجيش الوطني الليبي، والقاعدة محور ربط بين الشرق والغرب والجنوب، والسيطرة عليها تعنى تقريبا السيطرة على النصف الليبى بالكامل. ما يشغل القاهرة أن تتمدد الميليشيات وتصل قرب الحدود المصرية، وبالتالي تتحول الحدود إلى بوابة يدخل منها الإرهابيون والمتطرفون، وهو ما حدث بالفعل أكثر من مرة، بل وأدى إلى عمليات إرهابية دموية فى الواحات، وبالتالي فالهاجس المصري هو أن وجود نظام معاد فى ليبيا خطر جسيم على الأمن القومي المصري خصوصا التهديد الأمني .

ومن هنا وكما قلت من قبل انتفضت مصر يوم السبت الماضي لتعلن للعالم كله علي لسان الرئيس السيسي  إن لبلاده حقا شرعياً في التدخل في ليبيا المجاورة وأمر الجيش بالاستعداد لتنفيذ أي عملية خارج البلاد إذا دعت الحاجة لذلك.. وأضاف السيسي : "إن لمصر الحق في الدفاع عن نفسها بعد مواجهة "تهديدات مباشرة" ممن وصفها "بالميليشيات الارهابية والمرتزقة" المدعومين من قوى خارجية"، وذلك في إشارة واضحة إلى بعض المجموعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق الوطني وتدعمها تركيا.. وقال :" إن الأهداف الأساسية لأي تدخل ستتضمن حماية الحدود الغربية لمصر والتي تمتد لمسافة 1200 كيلومتر والمساعدة في حماية الاستقرار والسلام في ليببا".. وقبل كلمته وجه السيسي كلامه لعدد من الطيارين من القوات الجوية والقوات الخاصة في القاعدة قائلا "كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة هنا داخل حدودنا أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا".

ولأن مصر لا تدافع فقط عن أمنها ولكن أيضاً عن أمن آمتها العربية فقد سارعت الدول العربية الى دعم مصر ومساندتها في حقها في الدفاع عن أمنها وأمن عروبتها .. فالسعودية أعلنت أن أمن مصر جزءاً لا يتجزأ من أمن المملكة وأيدت الإمارات والبحرين . وفى الداخل الليبي كان رد الفعل المبتهج لحديث الرئيس وتأثيره في رفع الروح المعنوية للشعب الليبي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

........................

المراجع

1- عادل السنهوري: بعنوان مصر عندما تغضب.. لا تحسبن الليث يبتسم (مقال).

2- الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان :مصر ومقاود النصر.. على بقايا ورثة الخلافة العثمانية (مقال).

3- عماد الدين حسين : مصر تعلن خطوطها الحمراء بليبيا (مقال).

4- كل يوم - لقاء مع الكاتب والمفكر عماد الدين أديب حول رسائل خطاب الرئيس السيسي اليوم (يوتيوب).

5- محمد السيد سالم : جهود مصرية فى وجه الأطماع التركية (مقال).

 

 

في المثقف اليوم