آراء

الفتى كيم جونغ أون.. وفِتْيَةٌ العرب والنظام العالمي الجديد

محمد سعد عبداللطيفهل تشجع الصين وروسيا الغلام كيم على تحدي ترامب والنظام العالمي؟ بعد جائحة فيروس كورونا في ظل تكهنات بولادة نظام عالمي جديد  من رحم الوباء العالمي؟ إذا كانت هاتان الدولتان تفعلان ذلك، فهما تلعبان بالنار النووية. فقد تضطران إلى الدفاع عن كيم، إذا استغنى ترامب عن مدينة بحجم شيكاغو. أو هوليوود. في مقابل تدمير كوريا الشمالية. أين العرب في هذه اللعبة الخطيرة؟  وأين فِتْيَةٌ أل ملوك ومشايخ  العرب من تهديد ترامب للخليج بدفع الأموال مقابل الحماية.وأين فِتْيَةٌ في قرار الضم  أجزاء من الضفة الغربية وأعلان القدس عاصمة لاسرائيل  وضم الجولان .وأين فِتْيَةٌ في مصير شعب مصر والسودان . من تهديد الأمن الغذائي والقومي من سد النهضة  للاسف لا هم في العير. ولا هم في النفير. هم أشبه بالأيتام على مائدة اللئام. نظام عالمي يولد من رحم كورونا ومازال العرب يبحثون عن موعد اعلان وفاة العرب .في خطوة ثانية بعد أعلان القدس عاصمة للكيان وضم الجولان في خضم الحرب المشتعلة في سوريا .كانت التغريدة عن ضم كل الاردن في ساعات .أن النظام الدولي سيكون مجاملاً لإسرائيل، الذي صنعه. وفرضه على العالم. وما الفوضى الدولية الراهنة إلا تعبير عن فرص للكيان فلايستطيع شعب تم تهجيرة قسرا وأحتلال أرضة أن يتمرد على هذا النظام الذي كان مجحفاً بحقوقه ومصالحه، بقدر ما كان مجاملاً لأصحابه المستعمرين.لقد وقف المستعمر القديم ضد إرادة دول

بحقهم في الوحدة القومية. فكان العرب الأمة الكبيرة الوحيدة في العالم التي لم تتمكن من تحقيق وحدتها. ومن أسباب هذا العجز ترسخ الخصوصيات المحلية في المجتمعات العربية المنفصلة عن بعضها بحواجز السيادة والحدود. ووصلت الخصوصية المحلية السورية إلى ضرب وإسقاط الوحدة الثنائية مع مصر! في أوائل ستينيات القرن المنصرم إن النظام العالمي لا يتحدث عن أمة عربية ووطن عربي. إنما عن «شرق أوسط» و«شمال أفريقيا». ويحاريه الإعلام، بترداد ببغاوي للتوصيفات الجغرافية، متجاهلاً التوصيفات العربية. وهكذا أيضاً وأيضاً يخضع العرب لتناقضات النظام العالمي، في موافقته في السبعينيات على أسلمة النظام العربي والمجتمعات العربية، متجاوزاً الوحدة القومية. في عام 1958 م كذلك الخروج علي النظام العالمي من الزعيم (جمال عبد الناصر) بتأميم القناة .واجلاء الانجليز لكن اعتبر  ذلك خارجاً على النظام العالمي، بتأميمه شركة قناة السويس الأنجلو - فرنسية. هنا تدخلت أميركا ، لإحباط المؤامرة الثلاثية (بريطانيا. فرنسا. إسرائيل) للقضاء على نظامه. وإجبار إسرائيل على الانسحاب من القناة وسيناء.ولكن لم تفعل امريكا هذا حبا في عبدالناصر ولكن لخروج فرنسا وبريطانيا من نفوذهم في الشرق

أستطيع الحديث عن نظام عالمي جديد من صنع أميركا، بعد انتصارها على أوروبا في الحربين العالميتين. فقد دعا الرئيس (وودرو ولسون) بعد الحرب العالمية الأولى، أوروبا إلى تصفية نظامها العالمي الاستعماري. غير أن أميركا لم تستطع فرض نظامها، إلا بعد الحرب العالمية الثانية.لقد تطلعت أمريكا مبكرا في عشرينيات القرن الماضي أن تبني جسور علاقات استراتيجية مع السعودية .من بداية فتوي الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالاستعانة بالكفار لمساعدتهم في استخراج  البترول وعدم مهاجمتهم .وكانت بداية العلاقات مع ال عبد العزيز والتطلع الي طرد النفوذ البريطاني في السعودية .

أما الاتفاق الاستراتيجي بين أميركا والسعودية فقد تعرض في السنوات الأخيرة إلى انكسارات. والأسباب كثيرة، منها تباين المصالح النفطية أثناء وباء فيروس كورونا .وحرب الاسعار بين السعودية وروسيا والتهديدات الأمريكية بفرض حظر وتعويضات عن الاضرار نتيجة تخفيض سعر النفط . وتقاعس أميركا عن إنقاذ سوريا من التدخل الإيراني والتركي ، الأمر الذي سمح لروسيا بفرض نظامها العالمي في المشرق العربي الذي ساعد إيران على إنقاذ النظام السوري  من الانهيار.كذلك نجحت إيران بتوسيع نفوذها الجيوسياسي خارج حدودها الجغرافية بعد نجاح الثورة عام 79 تحت زريعة ثقافة المقاومة والممانعة

أثناء الحرب الأهلية اللبنانية في أنشاء «حزب الله» اللبناني لمواجهة إسرائيل. رغم صعود نجم حزب الله في حرب عام 2006  م ضد إسرائيل  فإذا بها تورطه في حرب أهلية في سوريا وأتهامة بارتكاب مجازر دموية في سوريا.  كذلك الحرب اليمنية .التي انهكت الأقتصاد السعودي .وموقف الامريكان السلبي من النظرة السعودية .ومع صعود الأسلام السياسي في تركيا وتداعيات الربيع العربي ظهر لاعبيين دوليين في الشرق الاوسط من الأتراك في الصراع الاقليمي في شمال العراق وفي شمال سوريا وفي ليبيا وفي المياة الاقتصادية شرق المتوسط في غياب تام للدور العربي .وتحالفات جديدة للصراعات في المنطقة كانت كلها تصب في صالح إسرائيل من حالة التشرزم العربي . ومع نظام الألفية الجديدة وأحداث 11من سبتمبر وحرب الخليج وظهور نظام أحادي القضب .عاش العرب بين نظام عالمي يهدد مصالحة وبين تهديد داخلي من صعود جماعات رداكالية من تنظيمات

القاعدة .وجماعات داعشية رغم القضاء علي بعضها بواسطة الغرب .مازالت تمثل تهديد مباشر علي الدول العربية .مع مولد الألفية الميلادية الثالثة، تعرض النظام الدولي إلى انشقاق خطير. فالاتحاد الأوروبي نشأ وفق المعايير الديمقراطية. والثقافية التعددية غير الرافضة للمهاجرين، بحيث استوعبت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ سوري... هذا الاتحاد يتعرض من داخله، إلى تمرد الشعبوية في أوروبا الشرقية التي تستفيد من تمويل الاتحاد لها. وترفض ثقافته الإنسانية، وذلك بتأييد مذهل من شعبوية نظام ترامب الأميركي الذي يدعو إلى التقليل من استقبال المهاجرين. والعودة إلى الإيمان بالوطن أولاً.وقد كشف فيروس كورونا هشاشة الاتحاد الاوروبي في بلدان مثل ايطاليا  واسبانيا . والأنانية .في تعرض ايطاليا للوباء من اغلاق الحدود وترك ايطاليا لمصيرها .وأخيرا -

هل النظام الدولي ضروري لهذا العالم المرهق بالقيود؟ الواقع أنه كان هناك دائماً نظام دولي منذ أن عُرف التاريخ. ولعل المصريين القدماء كانوا أصحاب أول نظام دولي - إقليمي، تعاملوا به مع أقوام الشرق الأدنى المحيطة بمصر. وعاصره أو تلاه النظام المماثل الذي فرضته دول حوض الفرات ودجلة. وقوضت بموجبه دولتي إسرائيل. وسبت اليهود، بذريعة أنهم ألحقوا الأذى بسلام المنطقة.

ثم فرضت الإمبراطورية الفارسية نظامها الدولي. فأنهت سبي اليهود. وساعدتهم في إعادة بناء هيكلهم. وأعادتهم إلى حوض نهر الأردن.هذة الزريعة تحدث بها الاسرائيليون هذا الأسبوع عن ضم أجزاء من الضفة بحجة أن النبي (يعقوب) ذكرها من المناطق المباركةوبها تم حفظ الالواح من التوراة  . لكن النظام الذي فرضته الإمبراطورية الرومانية ما لبث أن هدم الهيكل مرة أخرى. من أجل التعايش السلمي بين الإمبراطورية الأوروبية والدولة العباسية في الشرق حاولت اوروبا فرض سيطرتها بنظام من الحروب الصليبية التي روّعت مصر والمشرق العربي. ثم انحسرت، لتحل محلها الإمبراطورية (العثمانية) ونظامها الدولي الذي طرق أبواب النمسا وروما. وفرض ثقافتها المتخلفة على العرب أربعة قرون.

عادت أوروبا بنظام عالمي جديد مشبع بثقافة الاستشراق، لاستعمار المشرق العربي. هذه الثقافة أَعْلَتْ من شأن الأقليات الدينية. والطائفية. والعرقية. وجرى تقويض مملكة فيصل السورية. وتقسيمها إلى ثلاث دويلات (سنيّة). وما لبثت دولة الانتداب أن عادت إلى توحيدها، بفضل نضال السوريين الوطني والقومي. لكنها أبقت على دولتي العلويين والدروز إلى نهاية ثلاثينيات القرن العشرين. هل النظام الجديد سوف يخلق دويلات في بلاد الشام طائفية وعرقية .هل صدق مقولة تشرشل: «التاريخ سيكون مجاملاً لي، لأني أعتزم كتابته». ويقصد أن النظام الدولي سيكون مجاملاً للغرب، الذي صنعه. وفرضه على العالم. هذا ما سوف تكشفة لنا الأيام بعد الجائحة من ولادة نظام من رحم الوباء ...

 

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري  وباحث في الجغرافيا السياسية

 

في المثقف اليوم