آراء

نهر النيل ليس بحيرة إثيوبية!!

محمود محمد عليليس منطقيا أن تنطلق الحناجر بما ليس لها به علم، وتخرج علينا أبواق جهابذة «التوك شو» بأفكار ورؤى و«افتكاسات» ما أنزل الله بها من سلطان، وأن تفتح الساحة لكل من هبّ ودبّ ليدلو بدلوه فى قضايا استراتيجية تتطلب وعياً كبيراً بالأبعاد الفنية والتفاوضية، وفهماً دقيقاً للتطورات القانونية والسياسية، أو أن تتفرغ الدبلوماسية المصرية فى بلدنا لإصلاح خطايا الإعلام، ومعالجة ما أفسدته الألسنة والأقلام التى تُقحم نفسها فى قضايا شائكة مثل قضية سد النهضة الإثيوبى، دون أن يكون لديها المعلومات الصحيحة.

قصدت من هذا لأقول بأن إثيوبيا تريد أن تدير النيل وكأنها المالك الأوحد.. أثيوبيا وتزعم أن مصر والسودان يعاديان تحقيق التنمية للشعب الإثيوبي .. وسلوكها  "غير التعاوني " يمتد إلي  عدة أحواض أنهار "مشتركة " تنبع من أراضي الهضبة الأثيوبية وتجري في دول أفريقية أخري ..

إن إثيوبيا وسد النهضة.. سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب .. وزير خارجية إثيوبيا:آبي أحمد يقول: النيل لنا.. وأصبح الآن في بحيرة من جهته، كتب وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندرغاشو:"تهانينا لنهر النيل الذي أصبح بحيرة ونهرا جاريا، وسنستفيد من موارده وأنهره للتنمية، ونهر النيل أوفى بوعده وهو لنا".

وقد أفادت وكالة الأنباء الإثيوبية (إينا)، الثلاثاء الموافق 21 يوليو 2020، بإطلاق حملة إلكترونية تحت شعار "النيل لإثيوبيا"، وذلك قبل ساعات من قمة أفريقية مُصغّرة يعقدها قادة مصر والسودان وإثيوبيا عبر الدائرة التليفزيونية المُغلقة في محاولة للتوصل لاتفاق بشأن سد النهضة، بعد 11 يومًا من المباحثات الفنية والقانونية التي اختُتمت بدون اتفاق.

وفي لهجة تصعيدية، قالت (إينا) إن الإثيوبيين في جميع أنحاء العالم دشّنوا هذه الحملة الإلكترونية، المُزمع استمرارها حتى الجمعة المُقبل، بهدف رفع مستوى الوعي الدولي حول السد، والتأكيد على حق إثيوبيا في بنائه، والتصدّي لما وصفته بـ"الخطاب الخادع" لمصر.

الإعلان الإثيوبي بملء المرحلة الأولى للسد، بعد نفي سابق، يؤكد سياسة المراوغة والأمر الواقع التي تنتهجها إثيوبيا منذ بداية الأزمة؛ حيث لجأت مصر لمجلس الأمن بعد أن طرق كل أبواب التفاوض وأبدت حسن النوايا.. وأديس أبابا تواصل انتهاك الاتفاقيات الدولية بشأن الأنهار وتتمسك بنهج معاد للقاهرة والخرطوم.. أثيوبيا تريد أن تدير النيل وكأنها المالك الأوحد.. أثيوبيا وتزعم أن مصر والسودان يعاديان تحقيق التنمية للشعب الإثيوبي .. وسلوكها  "غير التعاوني " يمتد إلي  عدة أحواض أنهار "مشتركة " تنبع من أراضي الهضبة الأثيوبية وتجري في دول أفريقية أخري..

ولكن النظام الأثيوبي قد رهن هيبته وسلطته بهذا السد، وحرك جميع موارده الداخلية، وفرض المشاركة الإجبارية على السكان. ولا يبدو أن هناك ما يستطيع إيقافه. “تتصرف أثيوبيا كتركيا” باستغراب.

وهنا غرّد ناشطون بمصر والسودان عبر هاشتاغ "النيل ملك جميع شعوب النيل وليس بحيرة إثيوبية"، باللغتين العربية والإنجليزية، وأن "مصر هبة النيل" كما قال هيرودوت المؤرخ والرحالة اليوناني الكبير، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد يعرفها جميع الطلاب في جميع أنحاء العالم ممن درسوا تاريخ الفراعنة. وفي القرن الأول قبل الميلاد، نظم الشاعر الروماني تيبولوس قصيدة تبجل النيل قال فيها :"الأرض التي ترويها لا تطالب السماء بالماء، والعشب الذي جف لا يتضرع إلى جوبيتير ليوزع مياه الأمطار" ولكن هذه النعمة التي تروي مصر منذ آلاف السنين مهددة اليوم.

كما غرد المغردون أيضا بأن مياه نهر ترِدُ من أثيوبيا، حيث ينبع النيل الأزرق، ومن بوروندي، حيث ينبع النيل الأبيض. يلتقي النيلان الأزرق والأبيض في الخرطوم، حيث يزود الأول حوالي 90% من إجمالي مياه النهر. منذ بداية القرن العشرين، أعلنت مصر حقوقها في مياه النهر عبر عدة اتفاقيات، وهي مسألة جد جوهرية نظراً إلى أن البلد يعتمد بنسبة 97% على مياه النيل، على عكس بعض بلدان حوض النيل الأخرى، مثل أثيوبيا، التي تهطل فيها الأمطار بمعدلات عالية.

ومن جهة أحري أكد بعض المغردين بأن مشروع سياسي في المقام الأول، وهم يقصدون بذلك أن إثيوبيا أطلقت مشروعها لتشييد سد النهضة على النيل الأزرق. ليكون أضخم سدّ في أفريقيا بعد أن كان ذلك الموقع محجوزا للسد العالي في أسوان، والذي بنته مصر عام 1960 بمساعدة سوفييتية وأصبح واجهة النظام الناصري. يبلغ ارتفاع سد النهضة، الذي سيسمح بإنتاج 6450 ميغاواط من الكهرباء، 175 مترا، ويبلغ طوله 1800 متر، وسعة تخزينه 67 مليار متر مكعب، أي ما يعادل تقريبا التدفق السنوي للنهر. اتخذت أثيوبيا قرار بناء السد من طرف واحد، وبدأته شركة إيطالية في2013، وقد تم إنجاز ثلثيه وفق تصريحات أديس أبابا.

وأنا أؤيد ما ذهب إليه المغردون في مصر والسودان؛ حيث إن مصر والسودان يعتمدان كلياً على مياه نهر النيل، الذي يمتد لأكثر من 6 آلاف كيلومتر، وهو أطول نهر في العالم، وعلى مدى القرن الماضي قد بنيت على حد سواء في هذه الدول الصحراوية العديد من السدود والخزانات، على أمل أن يحد من ويلات الجفاف والفيضانات التي عرفتها حتى تاريخهم،  وتريد إثيوبيا بناء أكبر سد في أفريقيا على النيل الأزرق بمسافة خمسة وعشرين ميلاً من الحدود الأثيوبية مع السودان، حيث يبدأ فصل جديد في تاريخ طويل من عدوانية النقاش حول ملكية مياه النيل، وآثاره على المنطقة بأسرها.

ومن هذا المنطلق يبدو لنا هنا أن الجانب الإثيوبي في أزمة سد النهضة لا يقدم ما يدلل علي حسن النوايا، أو السير علي نفس خط الحفاظ علي العلاقات والمصالح المشتركة، وعلي العكس من ذلك تصر أديس أبابا تصر علي التمسك بنهج وسلوك يجمع الكل علي وصفه بالمعادي لمصالح كل من مصر والسودان المائية وحقوقهما التاريخية في مياه نهر النيل.

إن السياسة الأثيوبية لاستغلال مياه الأنهار "المشتركة "، تقوم على مبدأ الهيمنة والسيطرة التامة، حيث تدير أديس أبابا النهر وكأنها المالك الأوحد، وهو أمر تدلل عليه أمثلة عدة ترصد هذا السلوك "غير التعاوني " فى عدة أحواض أنهار "مشتركة " تنبع من أراضي الهضبة الأثيوبية، أولها "روافد نهر النيل" حيث قامت أثيوبيا ببناء سدود "شارا شارا وفينشا وتانا بليس والنهضة" على النيل الأزرق، وسد "تكيزى" على نهر عطبرة، بالإضافة الى سدين جارى الانتهاء من إنشاءاتهما على نهر السوباط، ولم تقم أثيوبيا بإخطار دول الحوض أو حتى المصب قبل بدء الإنشاءات، وبالمثل لم تخطر أثيوبيا دول الحوض عن عشرات الاستثمارات الأجنبية الزراعية الواقعة على الروافد الرئيسية لنهر النيل بالرغم من استنزافها مليارات كثيرة من الأمتار المكعبة من مياه هذه الأنهار، وكذلك إعلان أثيوبيا منفردة "ببدء ملء خزان سد النهضة هذا الصيف" بالرغم من عدم التوصل الى اتفاقية لملء وتشغيل السد مع دولتي المصب "مصر والسودان" وعدم موافقة الدولتين على بدء التخزين.

أرجو من الدولة الإثيوبية ألا تصب الزيت في النار بالتحريضات الإسرائيلية والتركية والقطرية ضد مصر والسودان، وإلا فلتتحمل عاقبة أمرها، لأنه في حال فشل المفاوضات، من خلال التحكيم الدولى مجلس الأمن، ومجلس الأمن الإفريقي، ومحكمة العدل الدولية لا قدر الله، فإن السيناريو المطروح ربما يكون هو لجوء مصر والسودان إلي الحل العسكري كأحد البدائل  لكون القضية هي قضة حياة أو موت للشعوب .. ونسأل الله أن تُحل القضية سلمياً خلال الأيام المقبلة.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم