آراء

مرفأ لبنان وقنبلة هيروشيما اليابانية

محمود محمد عليبينما يتخبط اللبنانيون في أزمات من كل الاتجاهات أمنياً، وسياسياً، ومعيشياً، واقتصادياً، وجدنا انفجارات مدمرة وقعت يوم الثلاثاء الماضي (الموافق 4 أغسطس 2020م) علي مرفأ بيروت، كأنها قنبلة نووية ضربت بيروت .. لقد دُمر المرفأ بشكل شبه كامل وامتدت الانفجار نحو خمسة عشر ميلاً .. فهل تجاوز لبنان حيث شعر به سكان جزيرة قبرص .. إنه يشبه ما حدث في اليابان .. سحابة شبيهة بسحابة قنبلة هيروشيما فى سماء بيروت، من جراء انفجار مخزن يحتوى على مواد متفجرة شديدة الخطورة.. التحقيقات في المرفأ تنطلق وسط وعود رسمية لكشف الفاعلين؛ فأي نتائج منتظره .. وهل ستتخطى التحقيقيات عقبات المصالح السياسية .. الآن وقد وقعت الواقعة: ما حجم الخسائر البشرية؟ والمادية الناجمة عنها؟ .. هل بوسع لبنان النهوض بيسر بعد هذه الضربة القاصمة؟.. وما تأثيرها علي الاقتصاد اللبناني المتداعي أصلاً؟ .. وما مستوي التضامن الإقليمي والدولي مع البلد المنكوب؟

وقبل أن نجيب علي تلك التساؤلات نقول : مرفأ بيروت هو أحد أهم ممرات عبور السفن بين الشرق والغرب، ويقدر عدد  السفن التي ترسو به بأكثر من ثلاثة ألاف سفينة سنوية .. ويعتمد عليه لبنان في احتياجاته، حيث يستقبل نحو 70% من البضائع التي تدخل البلاد .. ما يعني أن تعطل المرفأ سيزيد من معاناة اللبنانيين الذين يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة .

إن سبب الانفجار كما قيل هو 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم، كانت مخزنة في العنبر رقم 12 بالمرفأ .. الشحنة كانت مُصادرة من عام 2014 وظلت محجوزة بمرفأ بيروت منذ ذلك  الوقت، لكن الانفجار أثار فرضيات عدة .

الرئيس الأمريكي ترامب ألمح إلي هجوم في تصريحات أثارت جدلاً؛ حيث قال "التقيت بمجموعة من جنرالاتنا .. ويبدو أنهم يشعرون أن ما حصل كان هجوماً .. تفجير قنبلة من نوع ما .. وليس نوعاً من حوادث انفجارات المستودعات .. إنه حسب ما يقولون وهم يعرفون أفضل مني.

ولكن مسؤولون عسكريون أمريكيون نفوا ما قاله ترامب وأنه لا يوجد مؤشرات علي أن الانفجار كان ناتجاً عن هجوم .. لكن أصابع الاتهام ظلت تشير إلي حزب الله .. فمادة نيترات الأمونيوم تستخدم في صناعة المتفجرات وسبق أن ضبط عناصر من الحزب في دول أوربية أُدينوا بتخزين المادة المتفجرة .. في قبرص ولندن وألمانيا .. يضاف إلي كل ذلك حديث سابق لأمين حزب الله يتحدث عن سيناريو افتراضي لاستخدام تلك المادة في إحداث انفجار هائل ..

وقد رسم زعيم ميليشيا حزب الله، حسن نصر الله، في خطاب سابق، سيناريو تفجير نووي، يتوقع أن يحدث في إسرائيل، يشبه تماماً ما حدث في مرفأ بيروت، مساء الثلاثاء الماضي، وأدى إلى تفجير كارثي غير مسبوق في الشرق الأوسط، وفقاً لمقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال نصرالله في خطاب سابق إن القنبلة النووية، التي يقصدها ستكون بإرسال صواريخ من قبل حزب الله على حاويات الأمونيا في ميناء حيفا داخل إسرائيل، مما سيؤدي إلى انفجار شبيه تماماً بالقنبلة النووية.

وتابع في رسم المشهد بالقول إن هذه الصواريخ التي سوف تسقط على هذه الحاويات في منطقة يسكنها 800 ألف نسمة، وسوف تقتل منهم عشرات الآلاف.

وبالفعل حدث هذا السيناريو حرفياً في مرفأ بيروت، وقُتل العشرات وأُصيب الآلاف في تقييمات أولية للانفجار المروع.

وسقط أكثر من 78 قتيلاً و3700 جريح على الأقلّ، الثلاثاء الماضي، في الانفجار الضخم الذي هزّ مرفأ بيروت، وتسبّب أيضاً بموجة ذعر بين السكّان، وبدمار في كلّ أنحاء العاصمة دفع السلطات إلى إعلانها "مدينة منكوبة".

وفي مرفأ بيروت، شوهدت جثث وأشلاء، وتحوّلت المستوعبات ركاماً. في شوارع العاصمة وأحيائها، كان في الإمكان رؤية سيّارات مدمّرة متروكة في الطرق، وجرحى تغطيهم دماء، وزجاج متناثر في كلّ مكان.

ما قاله حسن نصر الله كأنه يصف ما حدث في مرفأ بيروت وكان طبيعياً أن تشير أصابع الاتهام للحزب ربما ليس من باب تعمد التفجير، ولكن من باب الاستهتار بحياة اللبنانيين،وتحويل بلدهم إلي مستودع سلاح ضخم ..

والآن تدريجيا تفيق بيروت من صدمتها .. وتدريجيا تدرك هول ما حل بها من حلفاؤها كانت فيه علي موعداً مع موت كاسح ومباغت ودماراً غير مسبوق، وكارثة زادت مساحة المحن .. قد لا يجوز الحديث عن وقوع الانفجار المزلزل من دون سابق إنذار، فهناك رسائل ومكاتبات تداولها اللبنانيون علي نطاق واسع في الساعات الماضية، تحذر من خطورة تخزين الشحنة الضخمة من مادة نيرات الأمونيوم في مرفأ بيروت منذ سنوات.

بيروت المنكوبة تبحث عن ناجين تحت ركام مرفأها، أو ما بقي منه، وعن أجوبة لأسئلة كثيرة ما تزال معلقة : كيف ولماذا وقع ما وقع ؟ ومن يتحمل مسؤولية وفاة وإصابة  3778 شخصاً وتشرد مئات الآلاف ؟ .. وما حقيقة توجيه إدارة مرفأ بيروت للسلطات السياسية المتعاقبة في لبنان، ما لا يقل عن 6 رسائل تحذير من خطورة المواد المخزنة في العنبر 12 بمرفأ بيروت كما ذكرنا .. 27500 طنا من مادة نيترات الأمونيوم اهتزت علي وقع انفجارها مدينة برمتها، ووصلت ارتداداتها إلي قبرص المجاورة .

وسواء تعلق الأمر بحادث عرضي كما ترجح السلطات اللبنانية، أو بهجوم كما تروج له الشائعات المنتشرة في شوارع لبنان، فقد ضربت هذه الكارثة غير المسبوقة .. بلداً كان يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة .. انهارت خلالها الليرة اللبنانية بنحو 80% من قيمتها، وازدادت معادلات الفقر، وارتفعت أسعار سلع غذائية، وقد فاق من الأمر تفشي جائحة كورونا بحدتها، وزادها التوتر الأمني السائد علي الحدود مع إسرائيل خطورة، لتسيطر بذلك أجواء انعدام الثقة بين اللبنانيين والسلطات السياسية المتهمة بسوء الإدارة وبالتساهل مع الفساد في خضم هذه الأجواء .

ووسط ارتفاع أصوات مشككة مسبقاً بقرارات السلطات اللبنانية، سارعت الحكومة إلي إعلان سلسلة من الإجراءات العاجلة لإدارة كارثة المرفأ .. فتحت تحقيقاً وتعهدت  بإعلان نتائجه في ظرف 5 أيام، ورفضت في الوقت ذاته السماح بأي تحقيق دولي .. كما قررت وضع المسؤولين عن ملف تجزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت قيد الإقامة الجبرية، وفرضت حالة الطوارئ لمدة أسبوعين، مما يعني استلاماً للجيش اللبناني مهمة الأمن في البلاد، ويبقي تجاوز لبنان لهذه المحنة رهينا بطبيعة تداعياتها الاقتصادية والسياسية، فقد حافت الكارثة خسائر مادية، قد تصل إلي 15 مليار دولار وفق محافظي بيروت، وأتلفت جل احتياطي القمح ودمرت مؤسسة الكهرباء، وتعول السلطات اللبنانية في هذه المرحلة علي موجة التضامن الدولي التي أثارتها الفاجعة، فقد سارعت دولا مثل الكويت والأردن وفرنسا  وغيرها بإرسال مساعدات عاجلة للمنكوبين .. ورغم ذلك يبقي يوم الثلاثاء الماضي تاريخي في لبنان مفتوحاً علي كل الفرضيات وجلها قاتمة، فاللبنانيون الذين اختبروا المصائب والحروب في السابق يؤكدون أنهم لم يشعروا من قبل بهذا الكم من القنوط .. وللحديث بقية ..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

........................

المراجع:

1-  الحصاد - بيروت تحت صدمة الانفجار.. خسائر فادحة وجهود محلية ودولية لمواجهة النكبة (يوتيوب)..

2- هيروشيما بيروت.. إهمال بحجم "قنبلة نووية" يهز لبنان ويصدم العالم (يوتيوب)..

3- خالد منتصر | القنبلة الطائفية أخطر من القنبلة الذرية (مقال) ..

4- بندر الدوشي: نصر الله يرسم سيناريو تفجير يشبه ما حدث بمرفأ بيروت (مقال) ..

 

في المثقف اليوم