آراء

لماذا يتطاول ماكرون على النبي محمد والإسلام؟

محمود محمد عليأعلن الموقع الإلكترونى لشبكة (يورونيوز) ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة الماضية في خطاب ألقاه في "ليه موروه" بضواحي باريس، عقب مقتل مدرس في مدرسة في مكان خارج باريس؛ حيث كان يعرض الرسوم المسيئة للرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه على تلاميذه فقتله مهاجر شيشاني مسلم، حيث ذبحه في الشارع، وهذا الشاب الشيشاني لم يكن من بين طلاب المدرس المذبوح، وأنه دفع ثلاثمائة يورو لطالبين من تلاميذه كى يدلاه عليه. هو لم يتأكد بالضبط مما قاله المدرس لتلاميذه ولأى غرض كان يعرض عليهم الرسوم؟.. هو لا يعرفه أساساً، ومع ذلك ذبحه.

وبعد الذبح صرح الرئيس الفرنسي تصريحات قيل إنها ضد الإسلام.. وهنا قال ماكرون حرفياً وفق الموقع السابق): إن الدين الإسلامي يمر بأزمة في كل مكان بالعالم (مرتبطة بالتوترات مع الأصوليين).. هل لاحظت ما بين القوسين.. إنه يقول إن الأزمة بتأثير الأصوليين.. قد يقصد مثلاً أن هناك تنازعاً على الإسلام بين المتطرفين وبين المعتدلين.. بعدها ينتقل ماكرون للحديث عن الوضع في بلده.. التي هو رئيس جمهوريتها ويقول: (على الدولة مقاومة الانعزالية الإسلاميوية التي تؤدى في نهاية المطاف إلى تأسيس مجتمع مضاد.. هناك في هذا الإسلام الراديكالي الذى هو صلب موضوعنا.. إرادة علنية لإظهار تنظيم منهجي يهدف إلى الالتفاف على قوانين الجمهورية وخلق قانون مواز له قيم أخرى.. وتطوير تنظيم آخر للمجتمع).. وقال "قمنا بتجميع السكان بموجب أصولهم، لم نعمد إلى إحلال ما يكفي من الاختلاط، ولا ما يكفي من تمكينهم من التدرج الاقتصادي والاجتماعي"، مشددا أنهم (الإسلاميين) "بنوا مشروعهم على تراجعنا وتخاذلنا".

ألقى ماكرون هذا الخطاب الذي كان منتظرا بترقب شديد وأرجئ مرارا، في ظل ظروف ضاغطة بعد الاعتداء بالساطور الذي نفذه شاب باكستاني قبل أسبوع في باريس والمحاكمة الجارية في قضية الهجوم على شارلي إيبدو عام 2015 والذي أودى بحياة عدد من موظفيها.

ويأتي هذا الخطاب المناهض للنزعة الانفصالية في سياق حساس في فرنسا حيث تعد العلمانية قيمة أساسية ويمثل الإسلام الديانة الثانية في البلاد. كما يتزامن مع تعرض ماكرون لنيران اليمين واليمين المتطرف اللذين يتهمانه بالتراخي، واليسار الذي يندد بوصم المسلمين لأسباب انتخابية.

وعقب الخطاب تراجع الاهتمام بحثيات ودلالات مقتل المدرس الفرنسي لينصب الاهتمام أكثر فأكثر علي تصاعد الغضب في دول إسلامية بشأن تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون والطريقة التي اختارت بها حكومته أن تعالج الأزمة وارتداداتها .. منسوب غصب متصاعد دفع الخارجية الفرنسية إلي دعوة رعايا باريس كي يتوخوا الحذر لتحسبا لردود  فعل محتملة من الغاضبين، وبين مناصري مقاربة الإليزية والمعترضين عليها داخل البلاد وخارجها أصوات تخشي الأسوأ في حال سادت لغة المغالبة بدل الاحتواء في التعاطي مع مجريات الأمور . 

وهنا مكمن خلل شديد، استناداً إلى مبادئ العلمانية الفرنسية نفسها، وما يرتبط بها من حرية التعبير والمساواة والإخاء. فبدلاً من مراعاة حريات الآخرين وقناعاتهم رأينا أن الأولوية هى الإساءة تحت شعار حرية التعبير، والذم والخروج عن أبسط المبادئ المتعلقة بحماية حريات الآخرين وقناعاتهم كمكون أساسى من مبدأ الحرية نفسه. وفى هذا تناقض كبير ما كان لمسئول فرنسى أو غير فرنسى يؤمن بالحرية كمبدأ جوهرى فى الحياة وفى النظام السياسى أن يقع فيه.

وهنا نتساءل : ألا تشكل تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بأن الإسلام يمر في أزمة عميقة نموذجا صارخا للإسلام فوبيا؟ .. أليست باطلة وعنصرية وتؤجج مشاعر المسلمين في العالم ؟ .. كيف يختلف ماركون عن رسام الكاريكاتير الفرنسي في صحيفة شارل إبدوا الذي يتطاول علي المقدسات الإسلامية بطريقة قذرة واستفزازية ؟ .. ألا يعلم ماكرون أن الإسلام الراديكالي صناعة غربية ومخابراتية مفضوحة ؟.. ألم يسمع بما قاله رئيس الاستخبارات الأمريكية قبل سنوات نحن نصنع الإسلام الذي نريد ؟ .. لماذا غاب عن ذهن ماكرون أن الجماعات التي يسمونها إرهابية الآن صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة السوفييت في يوم من الأيام في أفغانستان وغيرها ؟ .. لكن في المقابل أليس كثيرون في الشرق والغرب يتفقون مع ماكرون في نظرتهم للإسلام؟ .. ألم يطلق الرئيس الأمريكي ترامب تصريحات أقسي بكثير بحق الإسلام والمسلمين؟ .. أليس من حق القادة الغربيين بأن ينتقدوا العقلية الإسلامية المتقوقعة؟.. لماذا يلجا المسلمون إلي الغرب ثم يمارسون الإنعزالية والانفصالية عن المجتمعات التي استقبلتهم وأكرمتهم؟ .. ألا ينعكس الواقع الإسلامي السياسي المرير سلبا علي الدين الإسلامي؟

وهنا نقول بأن الغضب الشعبي أخذ يتصاعد ضد فرنسا ورئيسها ماكرون في شوارع مدنا عربية وإسلامية، وتتمدد معه مساحة التفاعل مع الحملات الداعية إلي مقاطعة المنتجات الفرنسية، احتجاجا علي الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، وسط مطالبات للحكومة الفرنسية بالاعتذار وسن القوانين التي تجرم التعرض للرموز الدينية، وهنا وجدنا  العالَم الإسلامي ومؤسساته الدينيَّة وفي مقدمتها: الأزهر الشريف قد سارع إلى إدانة حادث القتل البغيض للمدرس الفرنسي في باريس، وهو حادث مؤسف ومؤلم، لكن من المؤسفِ أشدَّ الأسفِ ومن المؤلم غاية الألم أيضًا أن نرى الإساءةَ للإسلام والمسلمين في عالمنا اليوم وقد أصبحت أداةً لحشدِ الأصوات والمضاربةِ بها في أسواقِ الانتخابات، وهذه الرسومُ المسيئةُ لنبيِّنا العظيم والتي تتبنَّاها بعضُ الصُّحف والمجلات، بل بعضُ السياسات هي عبثٌ وتهريجٌ وانفلاتٌ من كلِّ قيود المسؤوليَّة والالتزام الخُلُقي والعرف الدولي والقانون العام، وهو عداءٌ صريحٌ لهذا الدِّين الحنيف، ولنبيِّه الذي بعَثَه الله رحمةً للعالَمين.

ولهذا فقد أدان العالم العربى والإسلامى جريمة قتل المعلم الفرنسى على يد شاب يعيش فى فرنسا محسوب على المتطرّفين من الإسلامويين، وهى إدانة عبّرت عن اتجاهيْن رئيسيين فى العالم الإسلامي شرقاً وغرباً؛ أولهما اتجاه التسامح الإسلامى المناهض لكل ما هو عنيف ومتطرف، وهو الاتجاه الغالب والساحق، والثانى اتجاه التطرّف والعنف والمواجهة الدائم مع الغير المختلف وهو الاتجاه الأقلوى والمنبوذ عربياً وإسلامياً. بيد أن الرسالة الجوهرية فى إدانة العرب والمسلمين لحادثة المعلم الفرنسى المغدور لم توضع فى الاعتبار الفرنسى، وكأنها لا تمثل شيئاً حين تقرر على أعلى المستويات نشر كل ما هو مسىء إلى النبى محمد وعلى نطاق أوسع. ولا شك فقد أعطى هذا التصرّف حجة للمتطرفين، وخصماً من الموقف الإسلامى العقلانى، مما شكل دافعاً لتحرك المشاعر الشعبية الغاضبة، فكانت دعوة المقاطعة للمنتجات الفرنسية، وليس لفرنسا.

وهنا انقسم الناس فى الدفاع عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ضد الصور المسيئة له فى فرنسا وتصريحات الرئيس الفرنسى إلى عدة أصناف، كل صنف يَغار على الرسول الكريم، لكن هذه الغيرة منها ما كان محموداً حكيماً منضبطاً، ومنها ما كان حماسياً أهوج منبوذاً، ومنها ما لم يكن موجوداً أصلاً.

الصنف الأول: أولئك الذين يحبون رسول الله، ويغضبهم هذا التصرّف الخارج، وهؤلاء لم يجدوا دفاعاً عنه إلا أن تلهج ألسنتهم بالصلاة والسلام عليه، وذكر المدائح النبوية الشريفة، التى تصف الرسول ومكانته وأخلاقه، وهؤلاء أحسنوا فى ما فعلوا، وقاموا بواجبهم تجاه النبى الأعظم.

الصنف الثانى: قابلوا الإساءة بالإساءة، والبذاءة بالبذاءة، وهؤلاء ساعدوا فى تشويه صور نبيهم، لأنهم ظنوا أنهم بهذا يدافعون عنه، لكنهم ينتقمون لأنفسهم، والغيرة على الرسول إنما تكون فى اتباع أخلاقه فى الدفاع عنه، وحين سخر المشركون منه وشوهوه بالشعر استخدم الشاعر حسان بن ثابت الوسيلة نفسها لتوضيح الصورة، وإظهار مكارم أخلاقه، وغاب عن هؤلاء: (فاصبر على ما يقولون، فقولا له قولاً ليناً، وأعرض عن الجاهلين).

الصنف الثالث: أهم الأصناف، ولكنه الصنف الغائب، ليس فى خطابنا الديني الموجّه للغرب ولغير المسلمين، ولكنه الغائب فى الخطاب الديني الموجه للمسلمين أنفسهم، هؤلاء هم الدعاة والخطباء والوعاظ وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات والأقسام الدينية الذين قصَّروا فى تقديم الصورة الحقيقية عن النبي الأعظم، حتى وقف البعض عن اختصار رسالة الرسول ودعوته فى إطلاق اللحية، وتقصير الثوب، ومحاربة المقامات، وتحريم الغناء والموسيقى، وكأن رسالته هى هذا.

وفي نهاية هذا المقال نقول مع الدكتور أحمد الطيب (شيخ الجامع الأزهر): إننا نرفضُ وبقوة مع كلِّ دول العالَم الإسلامي وبقوَّةٍ هذه البذاءات التي لا تُسيء في الحقيقة إلى المسلمين ونبيِّ المسلمين، بقدر ما تسيء إلى هؤلاء الذين يجهلون عظمة هذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نحن إذ نفعل ذلك فإننا ندعو المجتمع الدولي لإقرار تشريع عالمي يجرم معاداة المسلمين والتفرقة بينهم وبين غيرهم في الحقوق والواجبات والاحترام الكامل المتبادل، كما أنَّنا ندعو المواطنين المسلمين في الدولِ الغربيةِ إلى الاندماجِ الإيجابيِّ الواعي في هذه المجتمعات، والذي يحفظ عليهم هُويَّاتهم الدينيةِ والثقافيةِ، ويحول دون انجرارهم وراءَ استفزازاتِ اليمينِ المتطرف، والعنصرية الكريهة، واستقطابات جماعاتِ الإسلام السياسيِّ، وعلى المسلمين المواطنين أن يتقيدوا بالتزام الطرقِ السِّلميةِ والقانونيةِ والعقلانيةِ في مقاومةِ خطابِ الكراهيةِ، وفي الحصولِ على حقوقِهم المشروعة؛ اقتداءً بأخلاق نبيهم الكريم ﷺ.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

..................

المراجع

1-الاتجاه المعاكس - لماذا يتطاول ماكرون على الإسلام.. (يوتيوب).

2- الحصاد - فرنسا.. ارتدادات أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد .. (يوتيوب).

3- حسن أبوطالب: مقاطعة المنتجات الفرنسية.. ما لها وما عليها.. (مقال).

4-خطاب كلمة شيخ الأزهر في احتفالية المولد النبوي الشريف..

5- حسين القاضى: الخطابُ الغائب فى دفاعنا عن رسول الله! .. (مقال).

 

في المثقف اليوم