آراء

العراق بين بايدن وترامب

احمد الوشاحقبل التطرق للحديث عن مستقبل العراق بعد الأنتخابات الأمريكية، أحب أن أذكر حقيقتين أساسيتين هما:

 (١) امريكا وبعد مآسي حربها الأخيرة في العراق، غير مستعدة لأرسال قوات عسكرية لتغيير نظام ما أو الدخول بحرب مباشرة في المنطقة.

 (٢) بسبب تزايد أستخدام الطاقة الجديدة وأنخفاض الأعتماد على النفط، مصالح أمريكا الاقتصادية والسياسية بدأت تضمحل في منطقة الشرق الأوسط. وإذا ما أخذنا بنظر الأعتبار هاتين الحقيقتين، فأننا سوف نجد أن الخيارات والأهتمام السياسي محدود لكل من بايدن أو ترامب، وأن الحكم بتأثير أيا منهم في المشهد السياسي العراقي يتحدد بما فعلوه في السابق وبمعالم سياستهم الخارجية. بايدن له تاريخ سلبي مع الحدث العراقي في السابق، فاقتراحه المقيت والغير مدروس بتقسيم العراق لايزال في ذاكرة الكثير من العراقيين، ولكن الأسوأ من كل هذا هو جملة الخطوات المكلفة التي أتخذها كنائب في ادراة فترة حكم اوباما ومن أهمها دعمه للمالكي للرئاسة الثانية، خصوصا بعد ضغطه على الأطراف السنية والكردية لأجل تسهيل عملية أنسحاب القوات الامريكية من العراق. الفترة الرئاسية للمالكي هي من أسوأ وأقسى الفترات منذ أحتلال العراق. ففيها وصل الاحتدام الطائفي إلى أعلى مستوياته ممهدا لظهور داعش، وفيه أيضا وصل الأنفلات الأمني والفساد الأداري إلى أقصى حدوده. في تلك الفترة أيضا، تصاعد النفوذ الايراني في العراق بزعامة سليماني وخصوصا خلال الحرب المريرة مع داعش. ادراة اوباما وبايدن تغاضت عن الحد منه بحسب مبدأ الأختيار مابين الشرين، ولأنهم كانوا يسعون بحذر لأنجاز الاتفاقية النووية مع أيران في ذلك الوقت. من جانب آخر أبتهج الكثير من العراقيين بسياسة ترامب عندما قام بالغاء الأتفاقية النووية وفرض حظر أقتصادي قوي على ايران ومن ثم أعطى الأمر بقتل سليماني. ولكننا إذا ما تمعنا بعمق نرى أن سياسته كانت أكثر بشاعة في العراق وللأسباب التالية:

أولا: ترامب بقتله سليماني والمهندس دق أسفين الموت في أنتفاضة تشرين التي نجحت بشكل ملفت في توحيد كل العراقيين ضد المنظومة السياسية. فمقتل سليماني والمهندس عزز فكرة الطائفية من جديد، خصوصا أن المهندس كان له دور مهم في قتال داعش.

 ثانيا: سياسة الحصار القوي على أيران عززت لوجود أيراني أكبر سياسيا وأقتصاديا وأمنيا، فايران وجدت في العراق المخرج الوحيد لأزمتها الاقتصادية وعليه فلقد دعمت بقوة مليشياتها الحليفة في العراق وكثفت من نفوذها على الاحزاب المسيطرة على الوضع السياسي في العراق وساعدتها في الوقوف بوجه حركة التغيير والاصلاح. وفي الوقت نفسه ترامب لم يعمل على الحد من نمو النفوذ الأيراني وأكتفى بالتهديد الاعلامي الفارغ.

ثالثا: ترامب كشف عن ضعف التواجد الامريكي في المنطقة مقارنة بقوة السيطرة الأيرانية في المنطقة بشكل عام، فلأول مرة في تاريخ أمريكا المعاصر تضرب قاعدة أمريكية بالصواريخ من دولة ذات سيادة وتسقط طائرة أمريكية متطورة وأمريكا لاترد.

بعد هذا التقييم لكلا الشخصيتين ماذا سوف يكون تأثير فوز أيا منهما في الانتخابات القادمة على العراق؟

قبل أن أجيب عن هذا السؤال يجب علي التذكير أولا أن سياسة امريكا والتدخل الامريكي في العراق هو سبب تدهور وتمزق العراق ووضعه تحت السيطرة الأيرانية. اما عن أفق المستقبل، فأنه في حالة فوز أيا منهما فأنه سوف يعود لأتفاقية أيران، بايدن وعد بهذا وترامب ذكر بأن الاتفاق سيحصل بدورته الثانية لأن الحصار مكلف لأمريكا أيضا ومن المتوقع أنه سوف يحفظ ماء وجهه بالتأكيد على أن ايران قد وافقت على بعض الشروط الشكلية. ولكني أعتقد أن سياسة بايدن الخارجية سوف تكون نوعا ما أكثر فعالية لأنه سوف يحاول أن يكسر من عزلة امريكا للعالم ويتعاون مع الاتحاد الاوربي للحد من النفوذ الايراني في العراق ولبنان (فرنسا والمانيا تدعو الى هذا منذ زمن) ومساعدة العراق في استعادة امواله المسروقة في البنوك العالمية. ولكني أعود لأقول بصراحة، أن أيا منهما سوف يكون له تأثير قليل على المشهد السياسي العراقي، وعلى العراقيين وحدهم التعامل مع ايران واتباعها من الاحزاب وفرض أرادة العراق السياسية.

 

د. احمد الوشاح أستاذ الفلسفة في أمريكا

جامعة بيتزر - لوس أنجلوس

 

 

في المثقف اليوم