آراء

إلى السيّد ماكرون (10):

حسين سرمك حسنفرنسا وعار المقابر الجماعية في الجزائر

- اكتشاف المقبرة الجماعية بالشريعة بولاية تبسة


صادف يوم 20 مارس 2001م عملية اكتشاف هزّت الوسط الإعلامي والعائلة الثورية ككل، تمثل في اكتشاف مقبرة جماعية بالشريعة بولاية تبسة.

هذه الجريمة التي تشاء الأقدار بعد 39 سنة من الاستقلال أن تم اكتشاف هذه المقبرة الجماعية بمدينة الشريعة بولاية تبسة إلى الجوار الشمالي لمقر البلدية، والذي كان إبان أيام الكفاح المسلح مقرًا للإدارة الفرنسيةS.A.S، عُثر فيها خلال ثلاثة أشهر من التنقيب على 650 رفات، وأثبتت تقارير الطب الشرعي بعد معاينة كل الهياكل العظمية المستخرجة على أنها تعود إلى أيام الثورة التحريرية، كما أن الأشياء المكتشفة في المقبرة كزجاجات الخمر وبطريات توليد الطاقة الكهربائية، والسلاسل الحديدية وآلاف قطع الرصاص وبعض الصحف التي تحمل تواريخ تعود إلى الثورة تثبت ذلك.

1969 فرنسا 1

(مواطنة جزائرية تُعذّب وتُدفن وهي حيّة)

وتُعتبر هذه المقبرة مثالا حيا على حالات الإبادة الجماعية الذي طبقته القوات الفرنسية عبر كامل التراب الوطني، ومن خلال المعاينة الميدانية للهياكل العظمية منذ بداية عملية التنقيب للاستخراج الضحايا تظهر عمليات التعذيب بكل أنواعه والقتل المتعمد لهم. ومن القرائن التي تدل على ذلك:

(1). تكدّس الهياكل العظمية فوق بعظها البعض يؤكد صفة القتل الجماعي للضحايا،

(2). أثناء عملية التنقيب عُثر على بئرين؛ واحد في الموقع الأول يحتوي على 58 هيكلا عظميا كاملا والثاني على 21 هيكل.

(3). إن بعض الجماجم في حالة انتفاخ الفكين بزاوية تتجاوز 45º، وهو ما يؤكد أن بعض الضحايا دُفنوا أحياء وهي من الوسائل التي طبقتها القوات الفرنسية في إعدام الجزائريين.

(4). أطراف الهياكل العظمية لبعض الضحايا وُجدت مكبلة بالأسلاك الحديدية وهو ما يؤكد تعرّض الضحايا للربط المُتعمد ثم القتل لكون حالات الدفن العادية لا تستدعي الربط بالأسلاك للأطراف السفلية والعلوية.

(5). اكتشاف الحلي الفضية على رقاب بعض الضحايا يثبت أن عملية الاقبار كانت بدوافع اجرامية لكون عملية الدفن عند المسلمين ولاعتبارات دينية تقتضي نزع كل الحلي التي تتزين بها النساء أثناء موتهن، ويؤكد ذلك أنه حتى النساء لم تسلم من عملية القتل.

(6). جثث الضحايا كانت متوجهة لكل الجهات ماعدا جهة القبلة وهي مخالفة لطبيعة الدفن عند المسلمين التي تكون باتجاه القبلة.

(7). إن الموقع الذي اكتُشفت فيه المقبرة كانت في الحيّز الذي يقع به المكتب الاداري الفرنسي المختص والذي اشتهر بممارسة التعذيب والقتل أثناء الثورة التحريرية وكان يشرف عليه بمدينة الشريعة “كونور- CONORD “.

(8). حسب شهادات عدد هام من المواطنين الذين عاصروا الثورة التحريرية بالمدينة فإن عددا هاما ممن كانوا يدخلون هذا المقر تختفي أثارهم في ظروف غامضة كما حدث لخمسين شخصاً من مختلف الأعمار جيء بهم من مشتلة تمطيليا القريبة من مدينة الشريعة سنة 1959م، ونفس الحدث أوردته صحيفة المجاهد الصادرة بتاريخ الفاتح من أيار 1959م.

هذه المقبرة تمثل عينة من جملة من الاكتشافات بهذه المنطقة منها 70 هيكلاً بمدينة تروبية و 12 هيكلاً بناحية بئر الدواميس القريبة من مدينة الشريعة، هذه الجرائم الإبادية للشعب الجزائري مجرد حلقة من الحلقات الإجرامية ضد الإنسانية للاستعمار الفرنسي والتي لا تقل خساسة عن جرائم القتل الفردي مع سبق الإصرار والترصد وهذا ما سنراه في ما يلي.

1969 فرنسا 2

(كان الفرنسيون يجبرون الجزائريين على حفر قبورهم بأنفسهم)

- مجازر قمع مظاهرات 11 ديسمبر 1960

خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية يوم 11 ديسمبر 1960 لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال شارل ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا في إطار فكرة الجزائر الجزائرية (وليست الفرنسية) من جهة و ضد موقف المُعمرين الفرنسيين الذين مازالوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية من جهة أخرى. قامت السلطات الفرنسية بقمع هذه المظاهرات بوحشية مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء.

1969 فرنسا 3

 أسباب المظاهرات

عملت جبهة التحرير الوطني على التصدي لسياسة شارل ديغول والمُعمرين الفرنسيين معا حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تموشنت يوم 9 ديسمبر 1960، وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات. وفُرض الأمر على الجزائريين للرد على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي، ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة بل دخلت في حلبة الصراع بقوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر مُسلمة مستقلة ضد شعار ديغول الجزائر جزائرية وشعار المعمرين الجزائر فرنسية.

1969 فرنسا 4

 سير المظاهرات

بعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة شارل ديغول يوم 9 ديسمبر، ومظاهرات المعمرين يوم 10 منه، جاء زحف المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر ليعبّر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام. خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت ساحة الورشات ( أول ماي حاليا) كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وحياة جبهة التحرير، وعمّت شوارع ميشلي (ديدوش مراد حاليا ) وتصدّت لها القوات الاستعمارية والمعمرون المتظاهرون وتوزعت المظاهرات في الأحياء الشعبية في بلكور و سلامبي ( ديار المحصول حاليا) وباب الوادي، والحراش، وبئر مراد ريس، والقبة، وبئر خادم، وديار العادة، والقصبة، ومناخ فرنسا (وادي قريش)، كانت الشعارات متحدة كلها حول رفع العلم الوطني وجبهة التحريرالوطني والحكومة المؤقتة وتحيا الجزائر، وتوسّعت المظاهرات لتشمل العديد من المدن الجزائرية مثل وهران، الشلف، البليدة وقسنطينة وعنابة وغيرها حمل فيها الشعب نفس الشعارات ودامت المظاهرات أكثر من أسبوع . وفي تصدّي القوات الاستعمارية للمتظاهرين في مدينة وهران الواقعة غرب الجزائر خرج غلاة الفرنسيين يندّدون بديغول ويتمنون له الموت مرددين شعار الجزائر فرنسية، ومن جانبهم خرج الجزائريون ينادون باستقلال الجزائر، ومع تدخل القوات الاستعمارية في عمق الأحياء العربية، سقطت العديد من الأرواح الجزائرية دون أن تمنع خروج المتظاهرين إلى الشوارع في ليوم التالي هاتفين بالاستقلال وحياة جبهة التحرير الوطني. وبعيدا عن العاصمة ووهران، دامت المظاهرات أزيد من أسبوع شملت قسنطينة، عنابة، سيدي بلعباس، الشلف، البليدة، بجاية، تيبازة، وغيرها، بينّت كلها بفعل الصدى الذي أحدثته على أكثر من صعيد، حالة الارتباك التي أصابت الاستعمار وعن مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك السيادة المسلوبة.

1969 فرنسا 5

 نتائج المظاهرات

أكدت المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفظاعته أمام العالم، وعبّرت عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني في القضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة الجزائر جزائرية وفكرة المعمرين الجزائر فرنسية.

أما على المستوى الدولي فقد برهنت المظاهرات الشعبية على مساندة مطلقة لجبهة التحرير الوطني، واقنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها، وصوّتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي.

اتسعت دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي وحتى في فرنسا نفسها، حيث خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد كان لها تأثير على شعوب العالم، ودخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية و تعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب، الأمر الذي أجبر شارل ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري، وهو الأمل الوحيد لإنقاذ فرنسا من الانهيار الكلي.

1969 فرنسا 6

- التهجير والاستيطان

عندما احتلت فرنسا الجزائر، اتبعت عدة سياسات تجاه السكان الأصلين، وتتمثل في التفقير والتهجير واحتكار الأسواق. فيما وفرت كل سبل العيش والرفاهية للمستوطنين الجدد القادمين من فرنسا وباقي أوروبا.

وتم منح المستوطنين امتيازات من أراضٍ واسعة أصبحت تحمل أسماءهم فقد أقيمت أول مستوطنة في بوفاريك سنة 1936 ثم توسعت إلى كل منطقة وصل إليها الاستعمار حتى بلغ عدد المستوطنين في نهاية القرن 19 مليون مستوطن من مختلف الجنسيات الأوروبية وكان الهدف من الاستيطان:

- تدعيم التواجد الأوروبي في الجزائر من اجل القضاء على الشخصية الوطنية

- تدعيم التواجد العسكري

- محاربة العقيدة الإسلامية ومحاولة التنصير

- تشجيع الهجرة اليهودية إلى الجزائر، قانون كريميو 1870 خير دليل على ذلك.

 

إعداد: الدكتور حسين سرمك حسن

 

في المثقف اليوم