آراء

مشكلة السياسة ليست سياسة

كاظم لفتة جبران الحديث عن السياسة بوصفها مشكلة، ينْسَاب في أذهاننا شيء غَامض، لا نستطيع التعبير عنُه بمَعزل عن الانسان وعلاقتَه بالآخر، وعلاقاته بمفاهيم، الدين، والاقتصاد، والاخلاق، هذا المثلث للمفاهيم هو الذي يُدجن مفهوم السياسة بوصفها سلطة، فالجماعة التي تريد فرض سيطرتها على الافراد الآخرين، يجب امتلاكها لمكونات السلطة الأساسية، الا ان هذا المثلث تتغير مركزية مفاهيمه  واتجاهاته بحسب رياح المصلحة السياسية، فهي وسيلة لغاية السلطة وهدفها السيطرة، ونراها سائلة في حرب المياه، ومنصهرة في حرب البنادق، ومتجمدة في حرب الطوائف والطبقات، فهي فكرة متحولة،

ان فكرتها كما لو انها شيء مائع  يحاول الانسان من خلالها، سياسة الافكار والحفاظ عليها، فالسياسة افكار، لكنها لا تنمو من داخلها، بل هي ايديولوجيا تتلاعب بماهية الافكار، وتخلع عليها ثوبها متى اردت ذلك، لتبقى عارية في احضان المصالح، فمرة تتزين بالدين،ان احتاجت التقديس، ومره تتزين بالمال ان احتاجت التدليس، والاخلاق  تستخدمها للسلام  من اجل الاستمرار، فمفهوم السياسة ليس له ماهية يُعرف بها، بقدر ما تعرف سياسية الدول بما يلائم بيئتها، والعامل الذي يساعدها على فرض السلطة، وتذويب وعي الجماهير تسمى باسمه، اذا كانت تمتطي المقدس وتتخذ من تجلياته الخارجية لتغيب العقل، وتعطيله واستخدام عاطفة الجماهير في ديمومتها،واستثمارها في الطاعة للمطلق، وهذا ما اشار اليه الفيلسوف هيغل، بأن الدين يوصى به ويطلب في أوقات البؤس العام،والاضطراب والظلم، لنشدان السلوى والعزاء ضد المظالم، ويؤمل انه يعوض عن الأموال التي فقدها الناس، اذ ان احد وصايا الدين التي يوصي بها الزهد في المصالح الدنيوية. وهكذا يتم استثمار المطلق الديني لغرض دنيوي. ان السياسة لا تمس الدين الذاتي للأفراد، بل مظاهره الخارجية وهي الطقوس .

اما العامل الثاني التي يرتكز عليه مفهوم السياسة هو الاقتصاد، اذ ان من يمتلك رأس المال يستطيع فرض سيطرته بسهولة على الآخرين، كل انسان يسعى لتأمين متطلبات حياته ومعيشته، ولا يمكن ذلك دون وجود قيمة لكل حاجة يريد استخدامها،  كذلك تتحدد قيمة  الانسان وسط المجتمع من خلال المال،وهذا ما عبر عنه ماركس، وبذلك يكون الفرد بحاجة لسلطة لتوزيع الثروة بشكل متساوي بينهم، في السياسية يجتمع كل شيء مهما نراه متناقض، فالمال والدين يستويان في الفكر السياسي  من حيث حاجة الافراد لهما كحال حاجة الانسان للوجود  للجسد، والروح . وثالث مثلثها الاخلاق التي تعتمدها السياسة، هي اخلاق المنفعة والسيطرة من خلال القانون، فمشكلة السياسة ليست سياسة بل ما ينتج عن علاقتها بالمجتمع .

 

كاظم لفته جبر

 

في المثقف اليوم