آراء

الأطماع السياسية التي دمرت حلم شعوب المغرب العربي

علجية عيش(مفدي زكريا وعقيدة الوحدة لشمال افريقيا)

أحيانا يصنع الطلبة ما لا يقدر السياسيون على صنعه، فقد لعب الطلبة المغاربة دورا لا يستهان به في بناء وحدة المغرب العربي وجعل شعوبه يجتمعون في جسد واحد ويكون لهم قرار موحد ومصير مشترك متخطين بذلك كل الحواجز والبرافنات من أجل وحدة شمال افريقيا، كان الحلم أن تنتقل الوحدة المغاربية من المستوى المغاربd إلى المستوى القطري، لكن الأطماع السياسية للحكام دمرت شعوب المغرب العربي وجعلتهم يتصارعون كالثيران فتفرقت بهم السبل​

يعتبر شهر ديسمبر الشهر الذي شهد تاسيس جمعيات تنادي بوحدة المغرب العربي ، فبعدما فشلت كل المحاولات السياسية في الحفاظ على تشكيلة المغرب العربي، جاء دور الطلبة في إعادة اللحمة المغاربية وخدمة القضية المغاربية، والسعي بالطرق المشروعة لتحقيق حرية واستقلال شعوب شمال افريقيا (تونس، الجزائر ومراكش)، لم يكن تحقيق ذلك سهلا وبدون وجود هيئة تنظمهم، إلا أن طلبة المغرب العربي رفعوا التحدي وبادروا تحت إشراف نجم شمال افريقيا إلى تأسيس جمعية سمّوها "جمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين" AENMA، تم التصريح بها من طرف السلطات الفرنسية في 28 ديسمبر 1927 بباريس، انصهرت فيها جميع الجمعيات الوطنية لطلبة المغرب العربي، وكانت تهدف إلى تمتين روابط المودة والتضامن بين طلبة شمال افريقيا وتحرير المغرب العربي.

يقول الدكتور محمد بلقاسم في كتابه " وحدة المغرب العربي فكرة وواقعا" أن الجمعية من خلال مؤتمراتها اتخذت عدة مواقف، وهي مواقف تساير الإصلاح الديني في المغرب العربي، كما كان الطلبة في كل مؤتمراتهم يهتفون بعبارات مغاربية (يحيا شمال افريقيا، افريقيا الشمالية وحدة لا تتجزأ، عاشت تونس، عاشت الجزائر، عاش مراكش، عاش المغرب العربي) كانت شعارات من شأنها خلق الرأي العام في المغرب العربي، وكان الطلبة في كل مؤتمراتهم يعلقون راية كبيرة ثلاثية الألوان (الأخضر الأبيض والأحمر) جعلوها رمزا لوحدة أقطار شمال افريقيا، وترمز ألألوان الثلاثة إلى: البيض رمز الجزائر البيضاء، الأخضر رمز تونس الخضراء، والأحمر رمز مراكش الحمراء، كما ألقى الشاعر مفدي زكريا في إحدى مؤتمراتها خطابا خلص من خلاله إلى 10 نقاط أساسية سمّاها "عقيدة الوحدة لشمال افريقيا".

كانت هذه الجمعية بمثابة إيديولوجية مشتركة للطلبة لتوحيد المغرب العربي، باعتباره وطنا واحد لا يتجزأ، لدرجة أن جمعية العلماء المسلمين طورت من شعارها الجزائري إلى شعار طلابي مغاربي: "الإسلام ديننا وشمال افريقيا وطننا والعربية لغتنا" وجعل المغرب العربي جزء لا يتجزأ من الشرق العربي يرتبط به إلى الأبد بروابط اللغة والعروبة والإسلام، ومن خلال هذه المؤتمرات التي انعقدت والخطاب الذي ألقاه مفدي زكريا دفعت أحد الطلبة الجزائريين بتونس وهو محمد العيد الجباري إلى إنشاء جمعية أخرى في نفس الشهر (ديسمبر) من عام 1936 سمّاها " شبيبة شمال افريقيا الموحدة" التي من مبادئها: "افريقيا الشمالية وحدة لا تتجزأ" وهي أمة واحدة يجب أن تظل أبد الدهر أمة واحدة والشمال الإفريقي شعب واحد يجب أن تكون لغته وثقافته وعاداته واحدة، هي نفس المبادئ التي قدمها مفدي زكريا في مؤتمر تونس سنة 1934.

كان المؤتمر الحادي عشر المنعقد بتونس من 15 إلى 22 ديسمبر 1950 أهم مؤتمر الطلبة المغاربة، حضرت شخصيات سياسية ة منظمات وطنية، نقابات وجمعيات وكشافة إسلامية ومثقفين، وبحضور 70 طالبا من (الجزائر تونس والمغرب وليبيا) وكان عبد اللطيف بن جلون من المغرب هو من تراس المؤتمر، ناقض فيه المؤتمرون عذ قضابا وعلى راسها القضية الليبية، حيثعرضوا لائحة نوفمبر 1948 الصادر عن الأمم المتحدة وطالبوا عدم تنفيذها مؤكدين على وحدة واستقلال ليبيا، كما عارضوا فكرة انتماء المغرب العربي إلى الإتحاد الفرنسي واستنكروا تبعية الجزائر لفرنسا باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المغرب العربي، وبالتالي عدم إدخالها في نظام دفاع الحلف الأطلسي، وطالب المؤتمر الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، وكذا الهيئة الأممية بتطبيق قراراته بخصوص المغرب العربي، كانت من الثمار التي جناها مؤتمر المغاربة هو إنشاء الإتحاد المغاربي للطلبة والمسلمين (U.N.M.A ) Union Maghrebine des Etudiants Musulman ، كان الحلم أن تنتقل الوحدة المغاربية من المستوى المغاربي إلى المستوى القطري، لكن الأطماع السياسية للحكام دمرت شعوب المغرب العربي وحلم الطلبة وجعلتهم يتصارعون كالثيران فتفرقت بهم السبل.

الأطماع السياسية دمرت حلم شعوب المغرب العربي

البداية كانت بتحرك بعض القيادات المغاربية (حزب السياسيين) للتنسيق مع السلطات الفرنسية وطروحاتها المتمثلة في إقامة "مجموعة شمال افريقيا مرتبطة بفرنسا" وإنشاء نظام فدرالي اقتصادي شمال افريقي مرتبط بفرنسا، وجرى اتفاق بين بن بلة، بوضياف ، خيضر وحسين آيت أحمد الذهاب إلى المغرب لمقابلة محمد الخامس لمعالجة الخطوط الكبرى لكنفدرالية المغرب العربي قبل عقد ندوة تونس الثانية، أما الرئيس بورقيبة كان يطمح أن تتعاون الجزائر مع فرنسا لكي تصبح دولة حرة وقوية وقد خاطب الشعوب المغاربية كما جاء في الصفحة 327 من الكتاب السالف الذكر مقترحا عليهم تشكيل مجموعة فرنسية لشمال افريقيا، من أجل تعاون جديد، طالما هذه الشعوب مرتبطة بفرنسا جغرافيا واقتصاديا وثقافيا، هكذا أجهض مشروع بناء وحدة المغرب العربي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم الإستيلاء على الأسماء، يقول صاحب الكتاب في الصفحة 372 أنه تم استبدال مصطلح مراكش وبلاد مراكش الذي اشتقت منه التسميات الأجنبية Marroco وMaroc وهذا الإسم كان شائعا للدلالة على المغرب الأقصى.

أما بخصوص خريطة المغرب العربي وقعت مشاكل حول الحدود المغربية، عندما زعم علال الفاسي أن المغرب تنتمي حدوده إلى نهر السنغال ويحتوي على منطقة تندوف وبشار وتوات والقنادسة ويحتوي كذلك على السودان الفرنسي (شمال المالي الحالي) وعلى تنزفورت وانتقد مشروع فرنسا بإنشاء منطقة "الصحراء" معتبرا ذلك إجراء تأميمي، كما زعم أن قبائل المناطق المذكورة كانت خاضعة للدولة العلوية، واصبح الفاسي يلوح بهذه الخريطة في كل مناسبة مدعيا أن المناطق المذكورة هي مراكشية، وقادته الأطماع إلى جعل تيديليكت وعين صالح وتيميمون وغيرها من الواحات تابعة لمراكش، هي نفس الخريطة التي وزعها المهدي بن بركة العربي في كواليس مؤتمر طنجة الذي حضره الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنية عبد الحميد مهري وقال أنه لم يخل من مفاجآت، حيث وزعت خريطة حزب الإستقلال التي فيها المغرب العربي الذي يمتد شرقا إلى عين صالح بالصحراء الجزائرية وجنوبا إلى نهر السنغال.

وطالب الفاسي الجزائريين أن يعيدوا للمغرب المناطق الصحراوية المرتبطة بالجزائر، اي الصحراء الغربية المحدودة بخط فيقيق وبالجنوب بالخط الموازي سان لويس بالسنغال، وكان موقف رئيس الحكومة المؤقت فرحات عباس آنذاك أنه عندما تستقل الجزائر سيعاد النظر في مسالة الحدود، إلا أن المغرب لم يراع ظروف حرب الجزائر مع فرنسا وسارعت بإنشاء مديرية للشؤون الصحراوية وأسست لجنة الحدود، لكن بعد مؤتمر طنجة بدات الأزمة المتنامية في الحدود الجزائرية المغربية في التدهور نتيجة اعتداءات القوات المملكية والسلطات الحكومية تجاه اللاجئين الجزائريين، وهذا ما يفسر ان دعوة المراكشيين إلى مؤتمر طنجة كان من أجل المطالب الترابية وليس من اجل وحدة المغرب العربي التي تلبي تطلعات شعوب المنطقة.

 

قراءة: علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم