آراء

جذور العنصرية في بريطانيا!

بكر السباتينوقرار بحرمان هاري وزوجته من حقوقهما بسبب البشرة الداكنة.

قبل الحديث عن الجذور العميقة للعنصرية في بريطانيا وارتباط ذلك بتاريخها الاستعماري، وأنها تقف وراء ضياع فلسطين، ناهيك عن كونها جزءاً من اليمين الأوروبي الذي تفشى بعد ظهور الترامبية في أمريكا وبتشجيع من الرئيس الفرنسي ماكرون، سنبدأ بالحديث عن العنصرية المتفشية في قصر بكنغهام، وسنتجاوز الحيث عمّا تعرضت له الأميرة ديانا قبل مقتلها من مؤامرات ودسائس وسط العائلة المالكة، وسنولي الاهتمام بالمعاملة القاسية التي يتعرض لها ابنها الأمير هاري لأسباب عنصرية يندى لها الجبين.. وتحديداً فيما يتعبق بقرار الملكة إليزابيث الأخير بحق الأمير المغبون وزوجته الأمريكية الأصل.

ويبدو أن العنصرية باتت السمة الغالبة في إعلان القصر الملكي في بريطانيا ضد الأمير هاري وزوجته الأمريكية الأصل فميغان ذات البشرة الداكنة، في أنهما لن يعودا عضوين عاملين في الأسرة الملكية البريطانية. والسبب يكمن في لون بشرة فميغان الداكنة الأمر الذي وضع احتمال أن يولد للأمير هاري ابنة ذات بشرة داكنة وهذا من شأنه أن يحرج الأعراف الملكية البريطانية القائمة على العرق الملكي الأبيض.. حيث أن المؤسسة الملكية تتعامل بكثير من الحساسية، مع هذا الملف، وتخشى أن علامتها التجارية ستخدش بسبب ما تم تسريبه للإعلام الأمريكي من قبل ميغان عن ممارسات عنصرية قميئة ما قد يؤثر سلبياً على مؤسسة العرش، إذ تعتبر المؤسسة الملكية من أقطاب القوة الناعمة للمملكة المتحدة، أي أنها عنصرية غير معلنة كمن يرفض لون الشوكلاته بينما يعلن أنه يحب مذاقها.. هذه الازدواجية مورست على الأمير هاري بقسوة.. فبسبب هذا القرار "المجحف والعنتري" وفق ما وصفته فميغان ؛ فإن الملكة إليزابيث الثانية جرّدت الزوجين من المسؤوليات والمهام التي يؤديها أعضاء العائلة الملكية. وبموجب ذلك يتخلى هاري وفميغان عن أي دور أو رتبة عسكرية شرفية، وأن يتركا رعاية بعض المؤسسات الخيرية التي كانا يمثلانها رسمياً.

قالت الملكة حينها في بيان عائلتي:

" وأنا أدعم تماما رغبة هاري وميغان لبدء حياة جديدة كأسرة في مقتبل العمر".. وهذا يعيدنا إلى موضوع لون الشوكلاته الداكن المرفوض رغم أنها حلوة المذاق ومطلوبة؛ لأنه تم طرد الأمير هاري؛ ولكن الملكة تردف قائلة ببرود:

"رغم أننا كنا نفضل أن يظلا عضوين عاملين في العائلة الملكية طوال الوقت فإننا نحترم ونتفهم رغبتهما في أن يعيشا حياة أكثر استقلالية".

أي أن الأمير هاري وزوجته يحرمان من المخصصات المالية وعليهما الاعتماد على نفسيهما لإعالة المولودة المنتظرة التي صودر مستقبلها كأميرة لها كامل الحقوق حتى قبل أن تولد. وكل ذلك بسبب أن العائلة الملكية تقدر بأنه قد تولد ببشرة داكنة! وهذه قمة العنصرية لا بل وتشجع عليها في ظل يمين أوربي يتصاعد بقوة.

وقد ساند الإعلام البريطاني قرار الملكة وشن هجوماً عنصرياً على زوجة الأمير هاري وصل إلى حد وصف المولودة المنتظرة بالقردة.. وهذا تجريح وعنصرية مفضوحة فالشمس لا تغطى بالغربال.

بدأت الأزمة حينما ألقت فميغان بكرة من النار في ملعب المؤسسة الملكية البريطانية بحديثها عن العنصرية داخل الأسرة الحاكمة بإسهاب، ويبدو أنها انبرت للدفاع عن حقوق ابنتها المنتظرة بِنَفَسِ سيدة أمريكية غُبِنَتْ وأتاح لها إعلام بلادها القوي لتعبر عن نفسها في ظل حزب ديمقراطي أمريكي حاكم تقوم بنيته على التعددية العرقية.

وفي وقت التزم قصر باكنغهام الصمت اتهم موظفون فيه فميغان بالتنمر كما اتهمتها أصوات أخرى بأنها تحاول الانتقام من الأسرة الملكية، والعودة للأضواء وتشويه صورة الملكة.. وكان الأمير هاري الذي تمسك بزوجته وخاض لأجلها صراعاً قوياً مع العائلة الملاكة قد عزم على مغادرة البلاد والتخلي عن المنصب الأميري والاستقرار في الولايات المتحدة.. وأصبح الإعلام هو ساحة المعركة الملكية، التي بلغت أحيانا حد الضرب تحت الحزام، من خلال تسريب مضاد، وهجوم على فميغان المواطنة الأمريكية التي تعرضت للممارسات العنصرية من قبل العائلة المالكة بسبب بشرتها الداكنة، ومحاولة تشويه الحوار الذي أجرته معها المذيعة الأميركية الشهيرة "أوبرا وينفري"، في إطار حملة شنتها الصجف الأمريكية ومواقع التواصل الاجتماعي على المملكة المتحدة شعباً وعائلة ملكية.. وتم توظيف الكثير مما سربته فميغان عن سلوكيات عنصرية مورست ضدها في القصر الملكي.. ولم تعامل كسيدة أمريكية بغض النظر عن لون بشرتها.

ومنذ البداية كان واضحاً أن الأمير هاري يحمل هاجساً نفسياً وهو تكرار ما حدث مع أمه، عندما كانت الصحافة ومصورو المشاهير يتعقبون كل حركاتها إلى أن فارقت الحياة، وكرر هاري هذه العبارة في حواره الأخير:

"لم أكن أريد أن تتكرر القصة نفسها"

وقياساً على موقف الملكة الذي صُفِّقَ له جماهيرياً فإن تأييد البريطانيين له يوحي بأن وراء الأكمة ليس حفل شواء بل كوارث عنصرية تنتظر اليمين البريطاني لإيقاظه! وهذا يعيدنا إلى حادثة مقتل الشاب الأسود راشان تشارلز في 22 يوليو 2017 إثر ملاحقة عناصر الشّرطة له في شرق لندن.

وفي السياق ذاته فإن العنصرية تبلورت أكثر في جريمة مقتل الرجل الأسود مارك دوغان على يد ضابط شرطة في توتنهام 2011، ففوق كونه الضحية إلا أن الصحافة البريطانية لقبته بالـ"سفاح" و"رجل العصابة".

من جهتها، كتبت الصحفية البريطانية ميشا فرايزر- كارول في مقال لها نشرته الإنديبندت "عربية" بتاريخ 16 يونيو 2020 قائلتة:

"رصدنا الأسلوب نفسه في الكلام عن حركة (حياة السود مهمة) حيث وُصف المشاركون فيها بـالعدوانيين والغوغائيين، والمشاغبين والمجرمين؛ لمطالبتهم بالعدالة وإنهاء التمييز العنصري".

وفي ذلك الصدد، رأت نادين وايت، وهي صحافية متخصّصة في النّزاعات العرقية، إن العنصرية هي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكل مكان. وأضافت، بأن"العنصرية ليست مشكلة فردية، بل مشكلة هيكلية وتُديم أوجه عدم المساواة التي يلمسها أصحاب البشرة السوداء في كل جانب من جوانب حياتهم، من الرعاية الصحية والتعليم حتى القطاع العام وعمل الشرطة".

وفي تقرير أعدته أنوشكا اشانتا ذكرت أن الدراسة المسحية ترسم صورة قاتمة عن التمييز العنصري في المملكة المتحدة. وكشفت الدراسة "أن ثلثي البريطانيين يعتقدون بوجود “درجة” أو “وضع متفاقم” من العنصرية داخل المجتمع البريطاني، لكن المشاركين السود في الدراسة كانوا أكثر توصيفا من البيض عندما قالوا إن العنصرية مستشرية في بريطانيا. وعندما سئلوا عن تجاربهم الخاصة قالت نسبة من المشاركين السود والأسيويين وبقية الأقليات إنهم عانوا من انتهاكات عنصرية- لفظية وجسدية، في وقت عانى فيه الكثيرون من هجمات مستمرة".

وبحسب الدراسة فإن 55% من الأقليات العرقية قالت أن العنصرية لم تتغير بل وزادت سوءا في حياتهم مقارنة مع 29% قالت إن العنصرية خفت.

ووجدت الدراسة أن الرجال المسلمين والنساء المسلمات هم الأكثر عرضة للتمييز ويأتي بعدهم الرجال والنساء السود.

وفي ظل غياب القدوة فإن الهشيم ينتظر أول عود كبريت مشتعل حتى تقش النيران الأخضر واليابس.. ويمكن أن يقرأ قرار الملكة البريطانية على هذا النحو الذي يشجع على تفشي العنصرية دون محاذير.

وينبغي القول إنه حينما يسعى اليمين الأوروبي الذي يجد مساندة قوية من الملوك والرؤساء إلى اجتثاث أصحاب البشرة الداكنة وخاصة المسلمين من المجتمعات الأوربية التي ينتمون إليها، ويتخذون الإسلامفوبيا ذريعة لممارساتهم العنصرية ضدهم وفي وضح النهار؛ نذكرهم بأن الإسلام لا يقر الطبقية ولا يعترف بالتمايز بين الناس، وأن المفاضلة بين أفراد المجتمع المسلم تتم وفقاً للتقوى والعمل الصالح.. ورغم ذلك يغبن المسلمون كشأن بقية الملونين ويصبح العنصري صاب حق في بلاد لا يتقبل ملوكها أصحاب البشرة الداكنة في عائلاتهم.. عجبي!

ويطرح السؤال نفسه صادحاً:عن أية ديمقراطية يتحدثون!

 

بقلم بكر السباتين..

10 مارس 2021

 

 

في المثقف اليوم