آراء

فخري مشكور: حقيقة الإسلام المعتدل (2)

فخري مشكورملخص ما سبق

* قلنا في الحلقة السابقة ان الاستعمار القديم كان يقوم على ركيزتين:

1- الغزو العسكري (القوة الخشنة)

2- الحكم المباشر (حكومة احتلال)

وبينّا ان تلك الطريقة في الاستعمار عالية الكلفة كثيرة الضحايا، مثيرة لبروز حركات تحرير تطرد الاستعمار

اما الاستعمار الجديد فيقوم على ركيزتين مختلفتين هما:

1- الغزو الثقافي (القوة الناعمة)

2- الحكم بالوكالة (الحكام العملاء).

بالغزو الثقافي تقتنع الشعوب بفتح الباب امام المستعمر الجديد دون خوف ولا مقاومة، لانه لا يحمل السلاح باليد

وبواسطة الحكام العملاء لا يجد الشعب امامه أجنبياً يحتاج للكفاح ضده  لتحرير البلاد منه

* وقلنا ايضاً ان الاستعمار القديم اكتشف دور  الاسلام الحاسم في خلق مقاومة ضده، وشرحنا اسباب ذلك، وذكرنا نماذج من شخصيات ومؤسسات  اسلامية كان لها الدور الاكبر في تحرير البلاد من الاستعمار القديم.

*وقلنا ايضاً ان ادوات الاستعمار الحديث (والذي تمثل الولايات المتحدة اكبر نموذج له) هي القوة الناعمة المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة وحقوق التظاهر وحقوق المثليين وحقوق الطفل.... الخ من ادوات ناعمة تصلح للتدخل في الدول لإحداث التغييرات المطلوبة في البنية الثقافية لكي تترجمها الى حركة اجتماعية سياسية هي الارضية للتغيير السياسي المنشود لتكون النتيجة حكومات عميلة تدين لامريكا بالطاعة الطوعية، لأن الحاكم العميل مقتنع تماماً بضرورة التبعية للاستعمار الجديد...فهل يعجب أحد عندما يقرأ وثيقة يوقعها الملك عبد العزيز آل سعود يقر فيها بالتبعية المطلقة لبريطانيا العظمى التي لا يخرج عن طاعتها حتى تصيح الساعة؟

ام يعجب احد حين يدفع محمد بن سلمان 450 مليار دولار لشراء اسلحة ثم يفشل هذا السلاح المتطور في حماية العمق السعودي من صواريخ اليمن الجائع ؟

***

اذن اصبح الاستعمار الجديد قادراً على ادارة مستعمراته بواسطة الحكومات العميلة التي تحكم نيابة عنه لتحقيق الهيمنة الامريكية على العالم دون مقاومة.

لكن حدثاً خارج المألوف وقع قبل اكثر من اربعين عاماً جعل الاسلام يعود من جديد ليزعزع استقرار الاستعمار الجديد ويقوّض النفوذ الامريكي فبدأ بالوكيل الاكبر لامريكا في الخليج فاطاح بشاه إيران، ثم استطالت اذرعه فوصل الى لبنان وصار يهدد القاعدة الاستعمارية المتقدمة في الشرق الاوسط (اسرائيل) وتوسّع جنوباً الى اليمن فأطل بوجهه المخيف لامريكا على السواحل والمضايق التي كانت ملكيةً مطلقةً للاستعمار القديم والجديد. فماذا يفعل؟

هنا بدأت مسرحية الاسلام المعتدل التي كتبتها المخابرات الامريكية واخرجتها الخارجية الامريكية ومثلتها شبكات الاسلام المعتدل على مسرح الشرق الاوسط والتي أصبحت مولوداً يمشي بين الناس على رأسه عمامة، أو عقالاً عربيا أو لفة رأس كردية، أو في عنقه ربطة عنق ، أو على أكتافه نجوم وعلى صدره أوسمة شجاعة، أو بيده علماً من سبعة ألوان أو بيده قلم يقطر سمّاً، أو يدير فضائية تدافع عن حقوق الثوار ولم تسمع ابداً بالذين نُشروا بالمنشار

***

قبل ان ندخل في وثائق الخطة الامريكية لصناعة "الاسلام المعتدل" من الضروري ان نضع امام اعين القراء الاعزاء صورةً نموذجيةً عن عمل الاستعمار الجديد باستخدام القوة الناعمة للمجيء بحكومات تخدم مصالحه، والمَثـَل من العراق:

فقد بدأت الولايات المتحدة الامريكية منذ غزوها للعراق عام 2003  بإرساء البنية التحتية لتغيير المشهد الثقافي من خلال الفضائيات و منظمات المجتمع المدني والجيوش الالكترونية وصولاٍ الى الدورات الثقافية والبرامج التدريبة التي تقيمها السفارة الامريكية وقنصلياتها للشباب العراقيين والبعثات الشبابية الى الولايات المتحدة.. حتى اذا اثمرت تلك الجهود انطلقت "ثورة تشرين" لتجرّب اول تطبيق كبير لمشروع التغيير السياسي للسلطة باسم الاصلاح ومكافحة الفساد مستفيدة من حق التظاهر الذي يحمي الذين يعتدون على القوات الامنية ويحرقون القنصليات الاجنبية لكنه لا يحمي أمثال جورج فلويد من القتل خنقاً بيد شرطة الولايات المتحدة التي تدافع عن المتظاهرين في العراق.

أثمرت الخطة الامريكية لمسرحية تظاهرات تشرين بفراغ في السلطة عجزت القوى المحلية عن ملئه مما جعل السفير الامريكي ماثيو تولر يتدخل علناً ليفرض الكاظمي رئيساً للوزراء اذعنت له القوى السياسية جميعاً وانطفأت المظاهرات، وتبخرت المطالب المشروعة، أمّا الجماهير المحرومة (التي ركب ناشطو السفارة على ظهورهم) فقد عادوا الى بيوتهم ليزدادوا فقراً الى فقرهم وهم لا يُنصرون.

كان المتظاهرون يحتجون على التدخل الاجنبي في العراق لانه يخدش بالوطنية العراقية، فجاءت  حكومة الكاظمي بالوطنية والاستقلال الامريكي الذي يشرحه لنا اثنان من اهم اركان الحكومة التي ارادتها امريكا:

1- رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يقول: [العراق لحد هذه اللحظة اغلب ودائعه وكل بيع نفطه عن طريق الولايات المتحدة...كيف نعيش؟ من أين نأتي بالفلوس؟]

2- وزير الدفاع العراقي جمعة عناد الذي يقول:[ طائرات القوات الأمريكية التي تخرق السيادة  العراقية تأتي من باب علاقة القوي والضعيف... هي تجاوز... لا نستطيع ان نمنعهم..ماذا نفعل؟]

هكذا يخضع العراق للاستعمار الحديث كما تخضع دول الخليج واغلب الدول العربية في غفلة او تغافل من الطبقة المثقفة المشغولة بتثقيف الرأي العالم من خلال منظمات المجتمع المدني الموكلة بترويج الاسلام المعتدل الذي سنتعرف على برامجه في الحلقة القادمة ان شاء الله

شاهدوا فديو حديث الكاظمي رئيس الوزراء وجمعه عناد وزير الدفاع للاطلاع على آلية عمل الاستعمار الحديث التي جعلت العراق خاضعا ً لأمريكاسياسياً و اقتصاديا ً وعسكريا

للبحث صلة

 

د. فخري مشكور

 

 

في المثقف اليوم