آراء

صادق السامرائي: مع معاوية ومنهج الحكم!!

صادق السامرائيالسلوك الذي ربما لم يدرسه المؤرخون ان معاوية بن أبي سفيان طلب البيعة لإبنه يزيد وهو في سن الخامسة عشر، وبقي في صراع مع الرافضين للبيعة على مدى عشرة سنوات، حتى وفاته وكان يزيد عمره (24) سنة، ولم يتصرف بحكمة منذ أن عهد له أبوه بولاية العهد من بعده، فسلوكه كان بلا روادع أو ضوابط ومنفلتا، وتفاعل معه الذين كانوا مع أبيه على أنه الخليفة منذ عمر(15).

لماذا تصرف معاوية بهذا الأسلوب، وهو على معرفة بشخصية إبنه وسلوكه، ولديه قدرة عالية على الفراسة؟

لماذا أسس لمنهج الحكم بالوراثة أولا والمبايعة ثانيا؟

ولماذا نقض العهد الذي بينه وبين الحسن بن علي؟

وهل كان يفكر فعلا بإقامة دولة ذات قيمة ودور حضاري؟

فمعاوية بن أبي سفيان كأنه لم يؤسس دولة، وسلوكه يثير تساؤلات، فهو يتنافى مع أساليب مؤسسي الدول وبُناتها.

ما فعله أنه أصبح خليفة بعد أن كان واليا، وإستمر بمنهج الوالي ونقله إلى مفهوم الخليفة الذي أخذ يكتسب القدسية شيئا فشيئا، حتى تحول إلى موجود مقدس في السنوات العشرة الأخيرة من خلافته، ولهذا ما تساءل عن صوابية قراراته مَن كانوا معه في نظام الحكم.

معاوية أسس لآلية حكم مستوحاة من أنظمة أخرى سائدة في مجتمعات غير عربية، ومنحها صبغة دينية، فهي كالقضاء والقدر، ولا يمكن تصديق رواية أن (المغيرة بن شعبة) هو الذي أشار إليه بتوريث الحكم.

ويبدو أنه قد إجتهد في إبتكار صيغة حكم يكون فيها الدين بعيدا عن الكرسي، فوقع في متاهات أن يكون الدين مطية الكرسي، وقد أسهم الفقهاء بهذا التوجه الخطير لأنه يمنحهم القوة والجاه والغنائم، فهم أبواق الكراسي التي تملأ جيوبهم بالعطايا.

فانطلق الحكم بثلاثية الكرسي والخليفة والفقيه، مما ترتب عليه تداعيات مأساوية، لم تصلْ إلى موانئ الرشاد والعمل بحلول ذات قيمة تفاعلية ما بين الأجيال.

ومن الواضح أن المرض الذي كان يعانية (داء السكّري) قد إشتد عليه في السنوات الأخيرة من عمره، فما نجح بتقدير الأمور، ولا قاس بمنظار الدولة ومستقبلها، وهيمن عليه الإمعان بتأكيد خلافة مَن هو بلا أهلية سلوكية ليكون من بعده، ولهذا إضطربت الأمور وأرتكبت الخطايا.

فدولته في حقيقتها إنتهت بوفاته، ووجه إليها إبنه يزيد الضربة القاضية، وما جاء بعدها دولة بني مروان، التي أسسها عبد الملك بن مروان معتمدا على الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي أظهر وحشية وقسوة غير مسبوقتين في توطيد أركان الحكم.

فدولة معاوية إستمرت (23) سنة، وبعدها جاءت الدولة المروانية التي تواصلت لسبعة عقود، وما بقي منها نظام الحكم الوراثي، الذي لا يزال ساريا في بعض المجتمعات.

فالدولة الأموية في أصلها دولة سفيانية ومروانية.

الدولة السفيانية تواصلت مع حكم معاوية وإبنه يزيد (41 - 64) هجرية، والمروانية إنطلقت من مروان إبن الحكم وإبنه عبدالملك (65 - 134) هجرية.

فهل كان معاوية بن أبي سفيان مؤسس دولة، أم والي أضفى على نفسه لقب الخليفة، وأمير المؤمنين؟

من المرجح أنه تصرف كوالي، وما خبر آليات تأسيس الدولة، لأنه وضع أسسا لنهايتها بعد أن أجبر الآخرين على القبول بولاية إبنه الفاقد لأهلية القيادة والحكم، وإصراره على ذلك رغم معرفته الوافية بشخصيته وما سيتسبب به من تداعيات، فهو بلا حكمة وروية وميال للعب واللهو، في وقت تحتاج الدولة  إلى قيادة ذات قدرة على فرض السيطرة والهيبة، وإتخاذ القرارات الستراتيجية المؤثرة في مسيرتها.

ومعاوية من دهاة العرب، والداهية يكون جيد الرأي بصيرا بالأمور، وما قام به لا يمثل دهاءً وحكمة في الإختيار والتصرف، وكأنه كان مضطرا لإتخاذ أمرٍ يتنافى مع رؤيته الثاقبة الحصيفة للأمور، أو أنه بسبب مرضه فقد الكثير من دهائه ونفاذ بصيرته.

ويرى البعص أنه أصر على قراره لدرء الفتنة بين المسلمين لأن المطالبين بالخلافة كثيرون، وحسب أنه بحسمها لإبنه مهما كان الأمر سيئدها، لكنه أطلق فتنة مزمنة متوارثة.

سيغضب الكثيرون على هذه القراءة، لكن من حقنا أن نقرأ الأحداث بمنظار نفسي سلوكي لنتعرف على خباياها، وما فيها من مؤشرات تسببت بتداعيات عصفت بالأجيال تلو الأجيال.

والذي يريد التفاعل مع المقال عليه أن يكون موضوعيا وعلميا بعيدا عن الإنفعال والتعسف والموقف الحكمي، فالمقال لا يمثل رأيا أو موقفا، وإنما يحاول فهم السلوك .

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم