آراء

علي المعشني: كارثة غزو الكويت من زاوية أخرى

حلت علينا قبل يومين ذكرى كارثة غزو الكويت في الثاني من أغسطس 1990م، هذه الكارثة التي مزقت الأمة العربية سياسيًا، ومزقت معها ما تبقى من حديث ومشاعر لمفهوم الأمن القومي العربي.

فقد كشفت هذه الكارثة حجم المراهقة السياسية والسطحية المُعيبة لدى النظام الرسمي العربي أولًا، ثم كشفت حجم التراكم الانتقامي والأحقاد بين قيادات ومكونات النظام الرسمي العربي، والذي نقلها بدوره كسلاح حاد يتناقل مفرداته الرأي العام، فحقق بذلك قطيعة كبرى وأحقاد مجانية بين الشعوب الشقيقة بفعل توظيف مخزون الكراهية والتضليل في تفاصيل الأزمة لدعم هذا الموقف أو ذاك.

كما كشفت كارثة غزو الكويت حجم القطيعة بين النُظم الرسمية والشعوب، والتي تفاجأت بكل الكارثة وتفاصيلها واصطفافها القهري بجانب هذا الموقف أو ذاك.

اليوم وبلغة العقل المُجرد من أي مؤثرات عقلية أو تضليل سياسي أو إعلامي، وبحجم المُعطيات والنتائج على الأرض والتسريبات التي تلت سنوات الكارثة ومازالت، يمكننا تحليل ما حدث وما كان يُفترض أن يحدث بوعي تام، ليس حبًا في نكئ الجراح بل حبًا في استخلاص العبر. لا شك عندي أن كل من العراق والكويت تم استدراجهما من قبل قوى كبرى ترغيبًا وترهيبًا للوقوع في المحظور، وبالتالي اكساب الغرب ذريعة التدخل والتواجد بشكل شرعي وقانوني في أرض العرب، وبالتحديد في إقليم الخليج وما يعنيه ذلك في فصول الحرب الباردة وفي مفردات الأمن القومي للكيان الصهيوني.

دولة بحجم الكويت لم تنجح في قراءة ما يراد لها وبها من القيام باستفزاز النمر العراقي الجريح من حرب عبثية مع الجارة إيران والتي أتت على الأخضر واليابس في كلا البلدين، والعراق في المقابل لم تنجح قيادته - والتي أصيبت بكل أعراض الجهل السياسي لحظتها – في قراءة الضريبة الكبيرة التي ستدفعها نتيجة خروجها من الحرب بجيش مُمارس وكبير في عدته وعتاده وخبراته القتالية، وخطورة ذلك على الكيان الصهيوني ومستقبله. هذا الجيش العربي العراقي بعقيدته القتالية والتي نُسجت لحماية كل ذرة تراب عربية، وقد ترجمها في دفاعه عن فلسطين في نكبتها، وعلى أرض الجولان السورية، وعلى أرض سيناء المصرية، يجد نفسه فجأة وبأوامر عليا من قيادته على أرض عربية ومطلوب منه احتلالها !!

الجيش العراقي وبحسب كلام الفريق أول الركن أياد فتيح الراوي قائد الحرس الجمهوري، وأيده في ذلك عدد من كبار القادة العسكريين في مذكراتهم وتصريحاتهم بعد سقوط النظام والدولة عام 2003، كان يقوم بعمليات استطلاع عسكري وجمع معلومات عن الكيان الصهيوني لمدة أربعة شهور من بلد مجاور لـ فلسطين المحتلة قبل احتلال الكويت بشهور قليلة، وتوقفت العملية بعد انكشاف امرها من قبل الصهاينة وحلفاءهم، وكانت العملية بقصد الهجوم على الكيان والثأر لمفاعل تموز النووي العراقي والذي دمره الكيان الصهيوني، اضافة الى تحرير أراض فلسطينية تم احتلالها في الخامس من يونيو 1967م بحسب الرواية.

هل كانت القيادة العراقية تتوقع مكافأتها والسكوت على فعلتها هذه دون عقاب؟! ألم تُدرك هذه القيادة لاحقًا بأن الكويت كانت طُعم للعراق لاستنزافه وتدمير قوته العسكرية وحرف جُهد المعركة عن جبهة الكيان الصهيوني وجعلها في العمق العربي بكل تداعياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وكما حدث بالتفصيل!! ألم تُدرك في المقابل دولة الكويت بأن دورها المرسوم في استفزاز العراق سيجعلها تدفع الثمن غاليًا ولأجيال وعقود قادمة؟! بعقل ووعي اليوم وقع البلدان في فخ كارثي وبلعا طُعمًا سياسيًا كان يُمكن تداركه بقليل من الحكمة والقراءات العقلانية الصحيحة، ولكن دفع الوطن العربي برمته الثمن من أقصاه الى أقصاه، بفعل سيادة وتسلط عقلية البُعد الواحد الكارثية في النظام السياسي العربي.

أعود الى تكرار قناعتي بالقول إن النظام الرسمي العربي لم يحسم قناعته بعد بالتعرف وبتعريف ماهية الكيان الصهيوني لدى الغرب، والوظيفة المناطة به بزرعه في قلب الأمة، ولا الاستراتيجية الغربية البعيدة لنمو وتسيد وقيادة هذا الكيان للأمة العربية وتقرير مصيرها تحت شعار ومسمى الشرق الأوسط الجديد.

قبل اللقاء.. أتذكر دائما عبارة طارق عزيز من سجنه حين قال لمحاوره: مشكلة العراق أنه كان يعاني من ضعف شديد في قيادته منذ عام 1990؛ فالقيادة في العراق بعمومها لا تقرأ وغير مثقفة، وتدير الدولة وتحلل السياسات والمواقف من خلال تقارير قطاعاتها فقط.

وبالشكر تدوم النعم.

***

علي المعشني

في المثقف اليوم