آراء

احمد ابو قدوم: البحث عن حل لما يحدث في فلسطين

احمد ابو قدوموصف المشكلة لا يعني معرفة الحل، ومعرفة الحل لا تعني معرفة كيفية تنفيذه، فتشخيص المرض مرحلة والتوصل للعلاج المناسب مرحلة وكيفية إعطاء العلاج مرحلة.

فالمقاومة فيها الآلاف من الشباب، كل واحد منهم بحاجة إلى راتب ومصروف تدريبات، بالإضافة لحاجتهم إلى السلاح، وهذا يعني أنهم بحاجة إلى عدة ملايين من الدولارات شهريا، وهذا لا يمكن تأمينه من التبرعات مهما بلغت، لوجود القيود أولا ولعدم توفر هذه المبالغ مع الأفراد مهما بلغوا من الغنى ثانيا، وهنا تبرز الكثير من التساؤلات وهي بحاجة إلى إجابات واضحة بعيدا عن التحليلات والتنظيرات ولا يكفي القول أن المقاومة خائنة وعميلة....

من هذه التساؤلات:

1-  إذا امتنع أهلنا المقاومين في فلسطين عن أخذ المال من العملاء والدول كي لا يكونوا رهن إشاراتهم وإشارات مخابراتهم، فإن هذا يعني بالضرورة إنتهاء المقاومة، فهل يجوز للمقاومين عدم المقاومة والقبول بالأمر الواقع وتسليم أسلحتهم والجلوس في بيوتهم والتعامل مع العدو كما يتعامل بسلام كثير من المحللين في القدس والمنطقة الخضراء والضفة وغزة ويعتلون المنابر ليخطبوا لنا عن الحيض والتباعد وعن النفاس والتداوي وعن أن الحل هو باستنصار عسكر بني شيبان وهم تحت حماية حراب يهود ؟؟؟!!! لأنه لا يجوز أخذ المال من العملاء والدول؟؟!!!! 

2-  وإذا كان الحل باستنصار الغير سواء أكانوا موظفين في الجيوش كجنود وضباط وقادة أو كانوا موظفين في الأجهزة الأمنية كعناصر، أو كانوا موظفين في وزارات ودوائر الدولة المختلفة كمدراء ورؤساء أقسام ومستخدمين، فكيف سيكون الاستنصار؟

3- ولنفترض جدلا صحة هذا الحل! فما هي آلية تنفيذه؟ إذ المسألة ليست في تشخيص المشكلة فقط أو في معرفة الحل فقط، بل في كيفية تنفيذ الحل ووضعه موضع التطبيق.

فلا يكفي أن نقول أن العلاج الوحيد للأوبئة والجوائح هي المطاعيم، بل لا بد من معرفة كيفية ايجادها وتصنيعها، ومباشرة إجراء التجارب على إنتاجها بعد توفير المختبرات والمال الكافي للعلماء... وكذلك لا يكفي أن نقول الحل هو في استنصار جيوش بني عامر بن صعصعة وبني شيبان بل لا بد من وضع آلية لكيفية استنصارها!!

4- فهل سيكون بمخاطبتها عبر منشور على صفحات الفيسبوك مخصص للأصدقاء، أو من خلال نشره في مجموعة مغلقة مخصصة للأعضاء، كما هي صفحات المنظرين لهذه الفكرة ومجموعاتهم، ولا يقبلون في صفحاتهم ومجموعاتهم إلا من يرقص ويطبل معهم ويحظرون كل من يخالف فكرهم؟

أم هل يكون بالذهاب للدوائر الحكومية العسكرية منها والمدنية ومطالبة موظفي هذه المؤسسات بالانتصار للأهل في فلسطين؟

أم يكون من خلال مغادرة أهل القدس وغزة والضفة لبلادهم وخاصة المنظرين منهم والداعين لهذا الحل والذهاب لمؤسسات الدول لاستنصار الموظفين فيها؟

وعلى فرض استجاب لهم عشر قادة من قادة التشكيلات الصغيرة (سرية وبطارية وفصيل وحظيرة) من بين ألف قائد وحدة، وثلاث قادة للتشكيلات المتوسطة (كتيبة) من بين مائتي قائد، وقائد لتشكيل كبير (لواء، فرقة، سلاح، جيش) من بين ثمانين قائد، وألف ضابط من بين عشرين ألف ضابط وعشرة آلاف عسكري من مائة ألف عسكري، في دولة صغيرة كتونس، فهل سيواجهون ١٨ ألف قائد وضابط كبير وضابط و7٠ ألف عسكري؟ وكيف سيخرجون وحداتهم الصغيرة من المعسكرات الكبيرة؟ وكيف سيزحفون بها نحو العاصمة بدون أوامر حركة من القيادة العامة وبدون معرفة الاستخبارات والأمن العسكري بهذا التحرك؟ وكيف سيذخرونها؟

مع العلم أن الاستجابة سابقا لم تحصل إلا من قبل أربعة أو خمسة ضباط لا يستطيعون تحريك دراجة هوائية (بسكليت)، واعتقلوا من وسط وحداتهم العسكرية، دون أن يحركوا ساكنا؟

وما حصل في تركيا في عام 2016 خير دليل عى ذلك، فقد تم اعتقال قادة الجيوش والأسلحة من رتبة فريق أول وفريق ولواء، واعتقال قادة التشكيلات الكبيرة من رتبة عميد وعقيد، واعتقال قادة التشكيلات المتوسطة من رتبة مقدم ورائد، وكذلك قادة الوحدات الصغيرة من رتبة نقيب وملازم أول وملازم، وزج 18 ألف من الجنرالات والضباط الكبار والضباط في السجون، ومعلوم أن القوات التركية تتكون من عدة جيوش برية بالإضافة إلى القوات الجوية (سلاح الجو)  والقوات البحرية (سلاح البحرية) والصواريخ، ويتكون عدد الجيوش التركية والأسلحة بحوالي 670ألف جندي، وهي من أكبر الجيوش في العالم وأقواها.

والانقلابات التي حصلت في الماضي كانت بتعاون قيادات المؤسسات العسكرية مع سفارات الدول الكبرى التي اشترت آلاف من القادة والضباط الكبار والصغار!!!

وحتى في حالة عدم تعاون قيادة المؤسسة العسكرية مع سفارات الدول، فإنها إن قامت بالمجازفة ونجحت فستعلن نفسها قيادة سياسية للبلاد، ولن تمنحها لرجل لا يستطيع إدارة جماعته بل لا يستطيع إدارة حضانة أطفال.

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلبها من العسكر بل طلبها من الزعماء، فعند لقائه مع زعماء بني شيبان قال له مفروق: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا (بمعنى قائد جيشنا) فلم يطلبها من قائد الجيش بل من الزعماء.

وجاء في السيرة عندما أرسل الرسول الصحابة للهجرة واللجوء عند ملك الحبشة، أن جعفرا قال للنجاشي عن سبب هجرتهم عن قومهم: « فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك» فقبلهم النجاشي كلاجئين سياسيين عنده، وفي المقابل التزم المهاجرون بالأعراف السائدة من عدم مخالفة قوانين الدولة وعدم التدخل في سياستها، حيث قال النجاشي لبطارقته: "... وأحسنت جوارهم ما جاوروني" أي ما التزموا بأعراف الجوار، ولم يطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من صحابته طلب النصرة من جيش النجاشي والانقلاب عليه لتسليمهم الحكم وتطبيق الإسلام.

وقد ثبت بالأدلة الصحيحة إسلام النجاشي ومع ذلك لم يطلب منه الرسول تطبيق الإسلام في بلده لوجود معارضة قوية له، بل لقد خرج عليه الحبشة والبطارقة لإسلامه، ومات في السنة التاسعة للهجرة وصلى عليه الرسول وصحابته صلاة الغائب مع أنه لم يطبق الإسلام.

5- ومن يقول بالاستنصار -رغم أنه مجرد كلام يفتقر لآلية تنفيذه- فهل يجب على المقاومين القبول بالأمر الواقع بناء على ذلك، والانضمام للمجموعات المغلقة على الفيسبوك والتي لا تقبل إلا التصفيق والتطبيل وعبارات المدح والإطراء لأصحابها بل والتسبيح بحمدهم وشكرهم على الفتاوى والتحليلات والتنظيرات التي تصدر عن زعيمهم الأوحد ؟؟؟!!

6- وهل يكون البحث عن حل لمشكلة أهلنا في فلسطين هو الهروب إلى إصدار الفتاوى تلو الفتاوى بالرد على تساؤلات ممجوجة مملولة ومكررة؟؟؟!!! يستطيع دارس مبتدئ للشريعة أن يجيب عليها ويسترسل في بحثها بشكل أفضل مما تخرج إلينا، وكيف يصبح أحدهم مشرفا على حلقة وهو لا يستطيع الإجابة على هكذا تساؤلات، لكن لقلة المشاغل فإن الزعيم يتلقطها ويتلقفها ليشغل نفسه بها، ويجهد نفسه في البحث عن إجاباتها في بطون الكتب ومن خلال محركات البحث جوجل وغيره، لتخرج لنا الفتوى مشوهة ومستنسخة وكـأنها جاءت باجتهاد وفتح جديد.

أدعو المفكرين وأصحاب الرأي للمشاركة في الإجابة على هذه التساؤلات، فهي بحاجة إلى أجوبة صحيحة ومقنعة وليس مجرد سرد لكلام لا معنى له، لعلنا نجد حلا صحيحا ومقنعا لهذه المشكلة، وانا لا أدعي امتلاكي حلا لها، بل أطلب النقاش الجدي فيما طرحت لعلنا نجد حلا لها بعيدا عن الانغلاق والجمود على ما يدعيه البعض ثوابت.

ومن يمتلك إجابة أو رأيا ويخشى أن يناقشه على العام فليرسل لي على الخاص، وأعده أن لا أنشر اسمه، كي لا يصيبه قارعة الذين سبقوه ورحم الله أويس القرني إذ قال: نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتموننا ويقعون في أعراضنا، ووالله لقد رمونا بالعظائم، ثم قال والله لا أدع أن أعمل فيهم بحق.

 

بقلم: احمد ابو قدوم - عمان

 

 

في المثقف اليوم