آراء

علجية عيش: الإسلاميون والسلطة من الخاسر ومن الرابح؟

هدف السلطة هو فصل الدين عن الدولة

ما يحدث في الساحة والحصار المقام على الإسلاميين يعيد النقاش حول قضية الإسلام السياسي كظاهرة، لتحديد الصراع بين حماة الإسلام ومعارضيه حتى لا نقول أعدائه، فاعتماد الإسلام مرجعية أولى مسألة أسالت كثير من الحبر وتعرض اصحابها إلى الحصار لأنهم كما يقول محللون يريدون تسييس الإسلام وتديين السياسة ما جعل البعض لاسيما الموالون للسلطة يقرّ بفشل الإسلام السياسي والاعتراف بأن الحركات الإسلامية لا مجال لها لمواجهة ديناصور اسمه السلطة.

تحاول الأنظمة العربية أن تجعل من شعوبها مجرد رعايا لا مواطنين أي أعدادا خاضعة خضوعا كاملا ل يحق لهم الاعتراض أو حتى رفع الصوت، ولذا تحاول هذه الأنظمة أن تسكت أصوات هذه الشعوب بالتضييق عليها كي لا تطرق باب المعارضة ومحاسبتها فتجعل منها كانا مضطربا في سلوكه ووجدانه، فعملت على فتح المعتقلات لإدانة كل من يقف في وجهها، بزجه في السجن، بتهمة أو بدون تهمة، وقد تفننت في ابتكار التهم والحجج والمبررات، وعادة ما تستهدف السلطة أو الأنظمة العربية المستبدة قادة الأحزاب الذين يمثلون التيار الإسلامي للتضييق عليهم واستفزازهم إمّا بالنفي أو بالسجن، حدث هذا في الجزائر عندما قرر النظام الجزائري إبعاد رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني عن دياره ونفيه إلى أن توفي في المنفى ومنع عائلته من حضور تشييع جنازته، وحدث أن رفض رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الإعفاء عن سجناء التسعينيات المحسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS وسجناء الحراك الشعبي بعدما أصدر قرارا يتضمن إطلاق حوالي 09 ألاف سجين في السادس عشر من أفريل 2023.

هو قرار اعتبره البعض بالتعسفي وغير عادلٍ وهو إن دل على شيئ فهو يدل على العنصرية، يحدث اليوم في تونس عندما زُجَّ برئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي في السجن من قبل الرئيس قيس السعيد بسبب تصريحات أدلى بها خلال سهرة رمضانية نظّمتها جبهة الخلاص الوطني، المعارضة لقيس سعيد، قال فيها إن تونس من دون نهضة، من دون إسلام سياسي، ومن دون معارضة، هي مشروع لحرب أهلية، واعتبرت السلطة التونسية هذا التصريح تحريضًا على العنف وتأجيج حرب أهلية، وسارعت بغلق مقرات الحركة، فموقف السلطة هنا يعكس موقف المعارضة في تونس (جبهة الخلاص الوطني) حيث قالت أن سجن راشد الغنوشي هو تعديًا على حرية التعبير وانتهاكا لحقوق الإنسان، حسب بعض التقارير أن جلّ أنصار النهضة هم الآن داخل السجون بتهم تتعلق بالتحريض على الإرهاب، من بينهم مسؤولين سامين من رؤساء حكومة ووزراء، الشيء نفسه بالنسبة للفيس في الجزائر الذي لا يزال إطاراته داخل السجون منهم حتى من ينتمون إلى الجهاز الأمني الذين وقفوا مع عباسي مدني وأيدوا مشروعه .

الفرق بين التيارين أن حركة النهضة لاقت دعما وتضامنا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كانت له محاولات اتصال مع الرئيس للتونسي قيس السعيد لإقناعه بأن يعدل قراره ويفرج عن راشد الغنوشي، لكنها باءت بالفشل لتعنت الرئيس التونسي واستبداده، كما لقيت تضامنا كبيرا من الجزائر ايام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة لكنها لم تحرك ساكنا في عهد الرئيس الحالي، في حين لم يلق أنصار الفيس في الجزائر دعما من قبل أي دولة، وإن التفتنا إلى إخوان المغرب نجد أنهم يواجهون حصارا مع النظام الملكي، وهناك أطراف تريد التشويش بين جبهة العدالة والتنمية والملك محمد السادس، ولعل حالة الانسداد بين الملك والإخوان في المغرب أساسها قضية التطبيع مع إسرائيل، كذلك ما يشاهده العالم في السودان وفي مصر، وحتى ما تعانيه الحركات الإسلامية في البلاد الأخرى والمضايقات التي يتعرض إليها المسلمون من قبل الأنظمة المستبدة.

فما عرفته البلدان العربية من ثورات وهزات سياسية واقتصادية لابد أن تخضع لمستويات متعددة من التحليل والنقاش، ما يلاحظ أن النظام العربي المستبد يصر على إبقاء انصار التيار الإسلامي داخل السجون، من جهة ليعطي درسا للإسلاميين أن السجن هو مصير كل من يريد التعالي على السلطة أو يقف امامها ندا للند، ومن جهة أخرى الزج بالمعارضة في السجون يكون في صالح السلطة لاستكمال مشروعها السياسي في رفض ما أطلق عليه اسم "الإسلام السياسي" ، وهي بذلك تريد أن تحقق مشروع فصل الدين عن الدولة، أي تريد أن تفرض النموذج الغربي على المسلمين في كل شيئ، في الفكر والثقافة وطرائق العيش والأزياء، بل تفريغ الإسلام من محتواه.

***

علجية عيش

في المثقف اليوم