آراء

ضحايا الزلزال في سوريا بين مطرقة السياسة وسندان الدمار

كنّا في حاجة، ومازلنا، إلى زلزال فكريّ وثقافيّ، يوقظنا من سباتنا الحضاري، المستمر منذ سقوط بغداد في أيدي المغول والتتار الهمجيين، وسقوط غرناطة لسيوف القشتاليين المتعصّبين. لكن، يبدو أن حالة السبات، التي أصابت أمّتنا العربيّة، ستستمرّ سنينا عددا.

لكنّ، قدّر الله، أن تتزلزل الأرض تحت أقدام إخواننا في سوريا وتركيّا، وتبتلع آلاف النساء والأطفال والشيوخ والرجال، وهم نيام. وقبل بزوغ الفجر، فقضى من قضى نحبه، وأصيب من أصيب في بدنه، ونجا من نجا من هول الدمار.

و هكذا، توالت المصائب على إخواننا وأحبائنا في سوريا وتركيا، وحصد الموت – فجأة - آلاف الأرواح، نحسبهم عند الله شهداء.

كم، هي مناظر الدمار مهولة وقاسيّة. تحرق الأكباد، وتكوي القلوب، إنّها مأساة بكل مقاييس الألم والحزن.

و إذا كان الموت أجل مسمّى " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ "

[ الأعراف: 34]

و إذا كان الزلزال قضاء وقدر" قل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لنا " (التوبة / 51). لم، يستطع العلم إلى يومنا الناس هذا، أن يتوقّعه أو يتنبّأ موعد حدوثه، كي يجنّب الناس مصائبه وعواقبه، ولا مسؤوليّة للإنسان في معرفة زمن حدوثه، وإدراك لحظات وقوعه، فهل للإنسان مسؤوليّة في حجم الخسائر البشريّة التي يحدثها ؟

لقد رأينا، ورأى العالم، القاصي والداني، عبر الشاشات العادية والرقميّة وفيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي، كيف انهارت عمارات وبناءات على رؤوس ساكنيها، وكأنّها كان مبنيّة أو واقفة على تربة رمليّة، أو كأنّ أساستها من الملح، أو كأنّها بدون أساسات. لقد تحوّلت إلى ركام في بضع ثوان أو دقائق، وكأنّ الأرض تقيّأتها.

إن الزلازل ظاهرة طبيعيّة منذ خلق الله الكوكب الأرضي، وتحدث في أغلب مناطق الكرة الأرضيّة ؛ شرقا وغربا وجنوبا وشمالا. وهي كثيرة الضرر المادي والبشري بالمناطق الفقيرة والمجتمعات المتخلّفة، نظرا لعوامل اقتصاديّة وجغرافيّة. لكن، وألف لكن، ألا تكمن المسؤوليّة في طرق البناء، ونوعيّة مواده الأوليّة، وتقصير الإنسان المقاول أو غشّه في البناء، سعيا للربح السريع؟ لماذا انهارت هذه البناءات بهذه الصورة، وكأنّها كانت مرفوعة على أعواد من القصب؟. لا بد من إعادة النظر – وهذا شأن العلماء وليس السياسيين – في طريقة البناء في المناطق الواقعة على الصفائح التكتونيّة، والمهدّدة بالزلازل ..لا بد من تطوير هندسة المباني المقاومة للزلازل، وتفعيل أنظمة الإنذار المبكّر.. إنّ العلم والتكنولوجيا لا يستطيعان منع حدوث الزلازل، مهما بلغا من تطوّر، لكنّ العقل النيّر والعلم النافع يستطيعان حماية الإنسان من أخطار الزلازل، والكوارث الطبيعيّة الأخرى..

ولو أخذنا نموذج اليابان، الواقعة على أرض زلزاليّة نشيطة على مدار السنة. لأدركنا قدرة العلم على مسايرة الظاهرة البركانيّة، وهذا ما ينقص الدول الناميّة أو دونها.

إن هول ما وقع في تركيا وسوريا، بسبب الزلزال المدمّر (8، 7 على سلّم ريشتر، وما أعقبه من مئات الهزات الارتداديّة، لمصاب جلل، يدمي القلوب ويحرق الأكباد.

لقد وقع الذي وقع، لكن ليس من شيّم الإنسانيّة أن تترك أولئك الضحايا والناجين المشرّدين لأقدارهم، غرقى في دمائهم ودموعهم ومآسيهم وقساوة قرّ الشتاء.

تبّا للسياسة، إذا أعاقت نجدة الملهوف. تبّا للغرب الديمقراطي، الليبيرالي، إذا غضّ الطرف عن مآسي سوريا وتركيّا. تبّا للأنظمة المتواكلة، المتكاسلة، المتردّدة عن تقديم المساعدات اللازمة لضحايا الزلزال المدمّر. إنّ أمّة الإسلام، قد فاق عدد أفرادها المليار نسمة، فلماذا لا يقدّم كل فرد منّا دولارا واحدا، ومن لا يمله يدفع عنه جاره أو قريبه، لنجمع مليار دولار لإخواننا المنكوبين في سوريا وتركيا؟ يا أيها المسلمون، في مشارق الأرض ومغاربها، امتنعوا، يوما واحدا، عن شرب كأسا من الشاي أو زجاجة من الكوكاكولا وفنجان قهوة، وادفعوا أثمانهم لإخواننا في سوريا وتركيا.

من سيغيث هؤلاء الضحايا والمنكوبين والمشرّدين في العراء، وقد تحالفت عليهم الطبيعة القاسية، والسياسة الظالمة، إذا لم تغيثوهم، يا أبناء جلدهم وملّتهم، ويا أصحاب القلوب الرحيمة، والأيدي النظيفة وخدّام الإنسانيّة في مشارق الأرض ومغاربها؟ إنّي أسمع أنين الجرحى وعويل الثكالى قد بلغ الجوزاء، وأسمع أنين الأطفال والصبيان من قسوة الجوع ولسعات القرّ والصقيع. فلا تتركوهم يموتون فوق الركام بعدما نجوا من تحت الركام. فهل من مجيب... فهل من مجيب...

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

في المثقف اليوم