آراء

صادق السامرائي: ملاحظات عن الصحافة!!

صادق السامرائيأولا: أغراض الصحافة

يبدو أن أغراض الشعر القديم وأغراض الصحافة يتطابقان، فالصحفي أما يمدح ويتغزل أو يهجو وأحيانا يرثي.

هكذا بدت آليات التفكير والإقتراب والتفاعل والتناول والتصدي والتحقيق، صحفي يمدح ويتغزل، وآخر يهجو وغيره يرثي،  فمنطلق المديح والغزل يبحث عن المسوغات اللازمة لذلك، فهذه العين ترى الذي تريد أن تراه، ويدخل ضمن هذا الغرض التبرير والتمجيد.

ومنطلق الهجو الذي لا يرى إلا السيئ والكريه، ولا يريد أن يرى الجيد والصحيح، لكي يستطيع تحميل قطار عباراته الجاري على سكة السطور.

ومنطلق يرثي، وقد صار من الكتابات السائدة والمؤثرة في العقل والنفس، بل أن الرثاء أصبح وسيلة للإرتزاق، وإن قلت ميادينه، لكن الصحفي تراه يغوص في تعداد مناقب الذين ماتوا ويسمي ذلك تحقيقا صحفيا.

ثانيا: عدم وضوح الدور

ما هو دور الصحفي في المجتمع؟

ولماذا تحتاج المجتمعات للصحافة والصحفي؟

فالصحافة ليست بدعة ترف، وإنما حاجة فرضتها الظروف الإجتماعية بتفاعلاتها المعقدة والمتطورة.

فبعد أن أعلنت فكرة الدولة  وقيام مؤسساتها، أصبحت الصحافة ركنا مهما للتعبير عن أفكار الدولة وعقيدتها وخططها وما تريد فعله والقيام به، وتأكد دور الصحافة في الدول الديمقراطية، وضمنها الدستور الذي يربط ما بين الفكرة الديمقراطية ودور الصحافة الرقابي في المجتمع.

بمعنى أن الصحافة والصحفي الذي هو ركنها الأساسي، الذي عليه أن يقوم بدوره المطلوب لحماية المجتمع والمصالح العامة من الذين يمثلون الدولة، بسبب الإنزلاقات والتفاعلات اللادستورية التي قد تحصل.

ذلك أن البشر ميّال لفعل السوء، ولكي يُحمى المجتمع من الرغبات الفردية والمطامع الشخصية، لا بد من الصحافة الرقيبة لمنع ذلك السلوك الضار بالمصلحة العامة.

ثالثا: الإنفعالية

يبدو أن الصحفي ربما يكتب بإنفعالية عالية، ويقفز إلى مهاوي المواجهة والتصدي المنفعل، الذي يثير في  الآخر الذي هو أقوى منه مشاعر الإستياء، وحتى الإنتقام وربما يتعرض الصحفي للتصفية.

ويبدو أن المشكلة ليست في الموضوع الذي يتم تناوله أو التصدي له، وإنما بالكيفيات والآليات التي يتم إستحدامها.

فعندما يتصدى الصحفي لموضوع ما، فيجب أن يكون  لديه جواب لسؤال، لماذا يتصدى للموضوع وماذا يريد؟

فإذا كان الموضوع منحرفا لا بد له أن يشير إلى البراهين والدلائل والوثائق التي تفضح الإنحراف، ويطالب بأن يكون المسار بهذا الإتجاه وليس بذاك، للأسباب التي يجب أن تكون واضحة أيضا.

ولا يمكن أن يتصدى الصحفي لحالة ويصفها بالخاطئة أو المنحرفة، ولا يقدم البدائل والخيارات التي يراها ذات مردودات أكثر نفعا وقيمة وربحا للمجتمع.

رابعا: الغاية

ماهي غاية الصحفي؟

الغاية هي بناء المجتمع المعاصر وحمايته من المؤثرات السلبية،  أي أن دور الصحفي إجتماعي وطني بنّاء، ولا يمكنه أن يكون غير ذلك، وإلا فأن المجتمع لا يحتاجه ويرفضه.

وبعبارة أخرى فالصحفي هو مصلح إجتماعي فعّال في بيئته، وكل خطوة لا تؤدي إلى هذا الهدف لا يمكنها أن تكون ذات قيمة وتأثير صحفي.

ويبدو أن الغايات غير مجسمة أو واضحة المعالم، فتكون النشاطات الصحفية ردود أفعال حارة، مما يأخذ الغايات إلى مواضع أخرى قد تشوهها، وتدفنها في غبار المشاعر السلبية والتنابز بالكلمات المؤذية.

وقد يقول القارئ، وماذا يجب أن يفعل الصحفي في مجتمع ظروفه كذا وكذا.

إن الصحفي في هذه الحالة يقوم بدور تنويري . ويقدم التحقيقات الصحفية المقنعة اللازمة للتوعية ، وإظهار الحقيقة وجمع الناس تحت خيمة الوطن.

خامسا: الحرية

حرية الصحافة حالة نسبية في المفاهيم والدلالات، فإذا فقدت الصحافة معاييرها وشروطها وضروراتها، فلا يمكنها أن تكون حرّة وإنما ضارة.

والملاحظ أن الصحفي في الدول الديمقراطية يتمتع بثقافة دستورية وقانونية عالية، أما في مجتمعاتنا الضعيفة قانونيا ودستوريا، فأن هذه الثقافة غائبة.

وبسبب غيابها فأن معنى الحرية الصحفية أصبح غائبا وغير قادر على إبداء ملامحه.

والفرق واضح وساطع ما بين صحافة الدول الديمقراطية الدستورية وغيرها من دول اللاقانون.

والخلاصة أن دور الصحفي يتأكد في قدرته على حماية المجتمع من الأخطار بأنواعها، ومحاولاته إظهار الحقائق وتشخيص الأخطاء وإستحضار البدائل.

وليس من الصحيح القول بالخطأ دون دليل وتوضيح للنتائج المترتبة عليه، وما هي الأضرار الإجتماعية الناجمة عن ذلك.

ومن الصعب في أكثر الأحيان على الصحفي أن يتصدى للكراسي في بلدان الصورة والكراسي الأبدية، أو في المجتمعات التي تدعي الديمقراطية  أو تتقنع بها.

فالصحافة الحقة بحاجة إلى نظام ديمقراطي دستوري يضمن حق الرأي والمعتقد، وأن تكون الصحافة الحرة ذات حقوق مصانة دستوريا، لأن الصحافة هي القوة التي تحمي المسيرة الديمقراطية وتصون حقوق الناس.

فهل أن الصحافة تأكل الصحافة في وطن الكرسي العتيد؟!

مع خالص المحبة والتقدير والإحترام لأقلام الصحفيين الأفذاذ، الذين يواجهون المُحال فيصرعونه، وينتصرون بالحق على الباطل والضلال، فهم الأنوار الوطنية ومشاعل الحرية والديمقراطية.

 وتحية لشهداء الصحافة الأبرار!!

 

د. صادق السامرائي

10\1\2011

 

في المثقف اليوم