آراء

علي الدباغ: طالبان الجديدة في كابل

علي الدباغباتت سيطرة طالبان بشكلها الجديد - الذي أنتجته جهود قطر والولايات المتحدة - على مفاتيح ومقاليد الحكم في أفغانستان مسألة وقت بعد ان قررت الإدارة الأمريكية انسحاب قواتها بعد عشرين سنة من الإستنزاف والصداع الدائم حيث خسرت اكثر من ٢٥٠٠ جندي وتكاليف مالية كبيرة. طالبان الجديدة والتي تم اعادة تشكيلها وانتاجها بقيادات مطاوعة تأخذ وتعطي وتتفاهم على دورِ أُنيط بها وهو محاربة داعش ومحاربة طالبان القديمة المتخاصمة، بخطط عسكرية أمريكية تمولها قطر الجاهزة دائما للدفع، بدلاً من الوجود الدائم للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو والتي لم تنهي وجود طالبان التي أنتجت وفرخت مجموعات متطرفة وهيأت حواضن دائمة لمجموعات الهنف والارهاب في منطقة الشرق الأوسط.

المهمة الجديدة لطالبان كانت نتاج إتفاق الدوحة وسنوات من إعادة انتاجها وبدأت عمليًا عند بداية انسحاب القوات الأمريكية ويتطلب منها إثبات قدراتها على الارض كجماعة مؤهلة للحكم وليس مجموعة مسلحة مناوئة للحكم تمهيدًا لصعودها لحكم أفغانستان، ومن المتوقع ان يُسهم عبد الله عبد الله بشراكة في الحكم معها ليكون أحد واجهاتها مع فريق يتقاسم السلطة مع طالبان الجديدة.

نهاية انسحاب القوات الأمريكية المعلن رسميًا سيكون ١١ سبتمبر القادم كنوع من تسويق انتصار وهمي للقوات الأمريكية التي اُستنزفت طيلة عشرون عاما في بلد عصي على الغزاة الأجانب عبر تاريخه الحافل بالحروب والتي لم ينجح اي غازٍ لها في السيطرة عليه والذي انتهى بتورط القوات السوڤيتية في مستنقع مُهلك تبعه مستنقع أعمق للقوات الأمريكية.

الولايات المتحدة هيأت تركيا (بدلًا من پاكستان غير المؤهلة ولا تمتلك قدرات مكافئة لتركيا) ليكون لها دورًا في الترتيبات الجديدة باعتبارها عضوا في الناتو ودولة صديقة لأفغانستان (على الرغم من ان طالبان تريد الاطمئنان ان وجود تركيا العسكري ليس وجودا ممثلًا لأمريكا او الناتو بل ان وجودها هو اتفاق بيني)، وبذات الوقت لا يخلق وجود قواتها في كابل أزمة كبيرة مع إيران التي يمكن ان تُربك الترتيبات الجديدة. إيران المتوجسة والقلقة من أي ترتيبات تجري في جوارها بدون مشاركتها لن تقف مكتوفة الأيدي في تغييبها أو ترتيب اوضاع معادية لها، فقد انتبهت لما كان يجري في الدوحة من إعادة تأهيلٍ لطالبان لذلك استدعت القيادات الجديدة لطالبان لطهران للتفاهم معها بضمانات وسلوك انعكس سريعا في تعامل طالبان الجديدة مع جماعة الهزارة الشيعية، ويعزي بعض المراقبين الهجوم الوحشي على مدرسة سيد الشهداء  للبنات في كابل بأنه رد من المجموعات المناوئة لطالبان الجديدة على دورها الجديد وتفاهمها مع إيران.

تركيا تعتبر وجودها في أفغانستان انتصارا ذو أبعاد مختلفة، فهي ستحقق - حسب الترتيبات القطرية الأمريكية- سلامًا ولو شكليًا بعد أربعون سنة من العنف في ذلك البلد وستسوق ذلك اسلاميا بما يخدم ايديولوجيا أردوغان الإسلامية، وفي احلامه كلاعبٍ عسكري بعد النجاح الذي تحقق لأذربيجان في ناغورنو كاراباخ، وقبلها في سوريا ودورها الفاعل، وستسوقه اورپيا كعضو مهم في الناتو يحتاجها وقت الشدة والحاجة ورأس حربة لا يتوفر بديلا لها في أعضاء الحلف في ملفات محددة بعد ان جنحت دول الناتو صوب اليونان في خلافها مع تركيا شرق المتوسط، وامريكيا بأنها دائما جاهزة لتحقيق ترتيبات تنقذ الغياب القادم لأمريكا في المنطقة التي تتهيأ لمواجهة النمو المتعاظم للصين. كل هذه الأبعاد لها أثمانها التي تطلبها تركيا وتريد تحقيق أعظم فائدة منها على الرغم من كل المخاطر المحدقة بالوجود العسكري التركي في كابل.

سيناريوهات امريكا وخططها في المنطقة لم يكتب لها اي نجاح عندما تتفرد في تنفيذها وتستخدم سطوتها وقوتها العسكرية، لكن هذه المرة إتكلت على قطر التي اثبتت قدرات ناجحة في مقاربة ملفات معقدة في المنطقة حيث تنتهج دبلوماسية دفتر الشيكات الجاهز دائماً.

 

د. علي الدباغ

 

في المثقف اليوم