آراء

علي الدباغ: طالبان الجديدة في كابل (3)

علي الدباغعنصر المفاجأة الوحيد للتقدم الخاطف والسريع لسيطرة طالبان على كابل هو عدم التزامها بالآجال والمواعيد الزمنية التي حددتها ملاحق اتفاق الدوحة والتي كان في أحدها استكمال مفاوضات الدوحة بين الحكومة والتي يرأس وفدها عبد الله عبد الله وقيادات طالبان ليتم تسليم السلطة لطالبان وانتقالها بطريقة سلسة وبمشاركة شكلية مع القوى الأخرى، لكن طالبان لم تلتزم بتلك المواعيد وتقدمت سريعا بعد أن أيقنت بأن الجيش الذي شكلته وجهزته ودربته الولايات المتحدة بتعداد أكثر من 300,000 عنصر هو جيش هزيل فاقد لأي عقيدة قتالية حيث يقوده قائد القوات الأمريكية الذي له الكلمة العليا بوجود قيادات أفغانية فاسدة مرتشية، فلا مبرر للانتظار لطريق سهل ويسير للوصول للقصر الرئاسي وفعلا فقد سقطت كابل عند أول تحرك لطالبان باتجاهها ودون أي قتال أو مقاومة، وهرب أشرف غني تاركاً ورائه شعب يتعلق بأذيال الطائرات الأمريكية الهاربة في مشهد مروع للفشل الأمريكي لبلد يوصف بأنه مقبرة للغزاة.

هذا السقوط السريع لكابل بيد طالبان سيثير سؤالاً كبيراً في البيت الأبيض وعواصم أوربا عن مدى التزام طالبان لما ألزمها فيه اتفاق الدوحة وهو محاربة عناصر القاعدة وطالبان القديمة وعدم السماح لأي نشاط معادٍ للولايات المتحدة أو إيواء أي مجموعات إرهابية تستهدف الولايات المتحدة وحلفائها، وتبريرات الرئيس جو بايدن لقراره بانسحاب القوات الأمريكية هو تعبير صادق لسلوك الولايات المتحدة وسياساتها ومصالحها ودرس لمن يراهن على أمريكا وعلى دعمها، وما يثار من اعتراضات على السلوك الأمريكي هو تعبيرات إنسانية وصحافية لم يكن وجود لها في قرار الانسحاب من أفغانستان.

أفغانستان وطالبان الجديدة لها دور كبير في تفكير واستراتيجية الولايات المتحدة ولا تكلفها أي حمولة من أي نوع، فوجود طالبان على رأس الحكم سيكون كافياً لمشاغلة الصين وروسيا وإيران وبدون أي تكلفة للولايات المتحدة.

ستكون شعارات طالبان وطريقة حكمها ودعايتها الإسلامية داعمة لمشروع ايقاظ الازمة المؤجلة لمجموعة الإيغور في غرب الصين والتي ستكون أقوى محرك ورافعة لإحداث تحركات قومية ودينية من ضمن مشروع مواجهة الصين وقوتها المتنامية، ولروسيا ستكون محركا وباعثا قويا لتنشيط الشعور الإسلامي على حدود روسيا الذي سيواجه سياسات بوتين، وبالنسبة لإيران سيكون أفضل عقوبة لها في إغراقها مجددا بسيل من اللاجئين الأفغان ومشاغلة أمنية على حدود طويلة وعرة تتجاوز 900 كم، هذه فوائد عظيمة مجانية يقدمها مشروع سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان للولايات المتحدة.

هذا المشروع الواعد للولايات المتحدة غير خاف على طالبان ولن تكتفي طالبان بعد حين من الزمن فقط بالسيطرة على الحكم، بل تحتاج لثمن في بلد فقير لا تكفي موارده لتمويل مشروع قابل للتمدد ويمكن تغيير المسمى من جمهورية أفغانستان الى إمارة أفغانستان الإسلامية ولن يكتفي أمير المؤمنين الجديد بحدود إمارته فهو أمير لكل المسلمين، هذه العقيدة النائمة سيتم ايقاظها وايقاظ مستلزماتها وأدواتها عندما لا يكون التمويل كافيا.

تبقى قضية مهمة وهو إن كل تخطيط الولايات المتحدة لاحتواء مجموعات العنف منذ تشكيل وتأسيس طالبان من قبل الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة والمجموعات الجهادية اللاحقة لم تكن مشاريع منتجة وقابلة للسيطرة، وفكرة وسياسة الاحتواء التي تم اعتمادها والعمل بها هو مشروع قصير الأجل وسيرتد على مؤسسيه وداعميه الدوليين والإقليميين وطالبان لها تأريخ حافل في العنف ويمكن ان يعيد بعض التأريخ نفسه ويتغير علم طالبان من الأبيض للأسود.

 

د. علي الدباغ

 

 

في المثقف اليوم