آراء

كريم المظفر: بوتين: مستعدون لبناء العلاقات مع أمريكا

في تقليده السنوي ولقاءه مع الصحفيين، يحرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كل عام، على استعراض نتائج العام، والإجابة على أسئلة الصحفيين، وأشباع فضولهم في التعرف على آخر المستجدات لدى القيادة الروسية في العديد من القضايا الدولية المهمة، واحيانا تشمل تلك الأسئلة، حياة الرئيس الروسي الشخصية، وكذلك،الخط المباشر للإجابة على أسئلة المواطنين الروس حول الأوضاع المحلية والعالمية، وكذلك حرص الرئيس فلاديمير بوتين وهو يستعرض نتائج عام 2023، على كشف جميع الحقائق وكما هي ودون رتوش، خصوصا وان بلاده تمر في وقت عصيب، حيث تتكالب الدول الغربية وتتسابق على الحاق الأذى بروسيا، سواء في ديمومة تجهيز أوكرانيا بالأسلحة لإطالة أمد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، او محاولاتها المستميتة، لزرع الفتنة وزعزعة الامن والاستقرار في الداخل الروسي .

ولعل أهم النقاط الحيوية في المؤتمر الصحفي للرئيس بوتين، هي الوضع الاقتصادي الروسي، والتي يحاول الغرب بكل امكانياته " وخبثه "، لوضع العصا في عجلة الاقتصاد، وتعطيل مسيرة تطوره، من خلال تشديد العقوبات " الظالمة " على روسيا، والتي راهن الغرب عليها كثيرا، لكنها ووفقا للأرقام التي أوردها الرئيس الروسي، أكدت فشل هذه المحاولات الغربية،  فروسيا وبحسب بوتين، جمعت من قدراتها ومرونتها في مجال الاقتصاد، وكذلك في مجال الأمن، ما مكنها أيضا من مواجهة العقوبات .

ونمت الصناعة في روسيا ووصلت إلى 6%، والاستثمار نما بنسبة 10% وهو ما يعني أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي والصناعة ناجح تماما، وسيضمن النمو المستدام في المستقبل، وأرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% وهو يعني " أننا عوضنا ما خسرناه خلال العام الماضي" بحسب تعبير الرئيس بوتين، ووصل التضخم إلى 7.5% وربما 8% ولكن البنك المركزي والحكومة تتخذ التدابير اللازمة لمواجهة ذلك، ووصل التضخم إلى 7.5% وربما 8% ولكن البنك المركزي والحكومة تتخذ التدابير اللازمة لمواجهة ذلك، وإن أرباح الشركات وصلت إلى 24%، وربحت البنوك أكثر من 3 تريليونات روبل خلال العام، ومن يحتفظون بأموالهم في البنوك الروسية يشعرون بالأمان لاستقرار النظام البنكي في روسيا، ما سيخلق هذا فرص عمل جديدة.

الرئيس الروسي وهو يسرد هذه الأرقام المتفائلة، اعرب عن افتخاره بنمو دخل المواطنين، وان نسبة 3% من البطالة، وقد انخفض هذا المؤشر إلى 2.9% وهو رقم قياسي آخر، وانخفاض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى 32 مليار دولار، وزاد متوسط الأعمار في روسيا من 70.6 في السنوات السابقة، ووصل في عام 2023 إلى74 عاما، وهناك حاجة إلى الأيدي العاملة، وقال "علينا الانطلاق من حاجتنا للقوى العاملة المؤهلة"، حيث يعيش في روسيا اليوم 10 ملايين مهاجر للعمل فيها، وأشار الى وجود قوانين أساسية لحل مسائل الحصول على الجنسية الروسية، و" نرحب بكل المواطنين الذين يحترمون القوانين، ويرغبون في ربط مصيرهم بروسيا، وعلى ما يبدو أن هناك الكثير مما يريدون القدوم إلى روسيا، حسب رأيه.

وبالتأكيد مثل هذه المؤتمرات الموسعة للرئيس الروسي لا يمكن ان تنتهي دون الولوج في علاقة روسيا والولايات المتحدة الامريكية، والتي أكد على ان بلاده مستعدة لبناء العلاقات معها، معربا عن اعتقاده أنها (أمريكا) دولة ضرورية في العالم، لكن سياساتهم الإمبراطورية تعيقهم أنفسهم، وصرفت الولايات المتحدة 5 مليارات دولار بغرض إفساد العلاقات بين بلاده وبين أوكرانيا، ومن جهة أخرى العلاقة بين روسيا واوروبا، والتي بدأت القطيعة معها حس قوله عقب الانقلاب في أوكرانيا عام 2014، حيث أجبر الأوروبيون روسيا على الذهاب إلى هذه الإجراءات بسكوتهم، وقال "نحن مع بناء العلاقات مع أوروبا، إلا أنهم يظهرون وكأنهم لا يتذكرون أي شيء، ولا يعرفون أي شيء. لقد نسوا كل الضمانات التي منحوها للاتفاق بين يانوكوفيتش والمعارضة".

واعرب الرئيس الروسي عن اعتقاده أن إمداد أوكرانيا سوف يتوقف في يوم من الأيام، وان 747 دبابة تم تدميرها، وأكثر من ألفين من المدرعات منذ الهجوم الأوكراني المضاد، مشددا في الوقت نفسه على ان السلام من وجهة نظر الرئيس بوتين سيتحقق عندما " نصل إلى أهدافنا التي لم تتغير، وهي اجتثاث النازية في أوكرانيا ونزع سلاح الدولة الأوكرانية والوضع الحيادي لها"، والاشارة الى ان هناك آلاف من المتطوعين الذين يرغبون في المشاركة في العملية العسكرية الخاصة، "ولسنا بحاجة إلى إعلان التعبئة العامة" .

والرسالة المهمة التي أراد الرئيس الروسي أيصالها حول الشأن الأوكراني، هي ان جنوب وشرق أوكرانيا كان دائما روسيا وهي أرض روسية تاريخيا، وان أوديسا مدينة روسية، وهي حقيقة يعرفها الجميع، سلمها فلاديمير لينين كل شيء، وقد قبلت بلاده بهذا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والروس بطبيعتهم كانوا يصوتون للشعارات المؤيدة لروسيا، وكانت روسيا تقبل بهذا الوضع، ولكن بعد الانقلاب، أصبح من الواضح أنهم لن يسمحوا للروس ببناء علاقات مع أوكرانيا، وعبر بوتين عن ثقته من أنه في مدن عديدة من أوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم يؤمن الناس أن روسيا تدافع عن مصالحها الوطنية، وان عدد أنصارها يزداد بشكل كبير جدا.

ولم يغفل الرئيس الروسي قطاع غزة، وما يجري هناك وشرح أسبابه، وأوضح بوتين، انه ناقش مع زملائه في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وأنه على تواصل مع الرئيس المصري، ولا بد من توصيل المساعدات الإنسانية، وأشار الى أن الجانب الإماراتي قد أنشأ على أراضي غزة بالقرب من معبر رفح مستشفى ميداني، وتحدث حول إمكانية أن تقوم روسيا بفتح مثل هذا المستشفى، إلا أنه حسب قوله، لا بد من الحصول على موافقة مصر و "إسرائيل"، وتحدث مع الرئيس المصري ودعمه، وتحدثت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وناقشته مع هيئات أخرى، وأضاف ان الجانب الإسرائيلي يقول إن فتح مستشفى روسي هو أمر غير آمن، و "لكننا لا نوقف هذه الجهود وإذا كانت المسألة غير آمنة من وجهة النظر الإسرائيلية، فقد طلب منا من تسليم المزيد من المساعدات الطبية، وهو ما نقوم به، ونتواصل مع كافة الأطراف".

وكشف الرئيس بوتين على وجود مواقف مشتركة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويخطط للقاءه قريب العام القادم، والاشارة الى ان هناك دور رائد للرئيس التركي فيما يتعلق بقضية تسوية الأوضاع في غزة، وان الرئيس التركي يقوم بكل ما بوسعه لتغيير الأمور في الاتجاه الأفضل وتهيئة كل الظروف لإحلال السلام طويل الأمد، وشدد بوتين على ان التطرف والراديكالية ينشأ من رد فعل العالم الإسلامي على عدم تسوية القضية الفلسطينية، وكرد فعل على ذلك تظهر الإسلاموفوبيا، وقال " نحترم ونقدر رؤساء الطوائف المختلفة، إن الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية تظهر استنادا لوقوع الظلم على الناس"، مشيرا في الوقت نفسه الى الروسوفوبيا وهي أحد مسارات المواجهة مع روسيا، وقال " لا بد علينا من مواجهة كل مظاهر التفرقة والعنصرية وكل المحاولات لتأليب المجتمع الروسي من الداخل".

الرئيس الروسي الذي كان يريد أن يصبح طيارا، ولكن في السنوات الأخيرة من المدرسة أراد أن يصبح عاملا في أجهزة الاستخبارات، وردا على سؤال حول النصيحة التي كان سيقدمها لنفسه لو عاد به الزمن، قال بوتين " كنت سأقول لنفسي: أنت تسلك الطريق الصحيح يا رفيق، لكني كنت سأحذر نفسي من السذاجة الزائدة والثقة المفرطة في من يسمون أنفسهم شركاءنا.. وكنت سأقول له أيضا: لا بد من الإيمان بالشعب الروسي العظيم، وهو الأساس لإعادة بناء وتطور روسيا" .

***

د. كريم المظفر

في المثقف اليوم