آراء

علي الدباغ: تحديات إقليمية ودولية لطالبان الجديدة (2)

علي الدباغتسعى دول جوار أفغانستان المتخاصمة مع الولايات المتحدة للتفاهم مع طالبان وبقوة بعد فشل الولايات المتحدة وخروجها المتسارع والمنهزم من كابل بدلاً من الخروج المشرف الذي كان مخططاً له، والسلوك الفظ للقوات المنسحبة في تدمير نظام الملاحة في المطار وتدمير كل المعدات الأمريكية الموجودة في المطار بذات الطريقة التي يتعامل معها المنسحب من جبهة الحرب في حرق ما يتبقى ورائه أفقد الأمريكان كل ما نسجوه من علاقات ودية واهية مع الشعب الأفغاني، وتركت شعورا بالمرارة عند الأفغان تحتاج الولايات المتحدة الكثير لتحسين صورتها.

تسعى الولايات المتحدة لعقد مؤتمر دولي من حلفائها للتلويح بالمساعدات والتي هي شعارات وبيان ختامي لمؤتمرات المانحين وكذبة كبرى لمسناها في العراق ودول أخرى، الهدف منها توحيد المواقف وتسليط الضغوط على طالبان لتلتزم باتفاقات الدوحة وعدم الجنوح نحو خصوم أمريكا وهي الصين وروسيا وإيران وإعطاء الحريات واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة.

لم تترك الولايات المتحدة في الدول التي حاربت فيها أي أثر ومَعلَم غير رائحة الموت والدم وقد كان الرئيس الأمريكي يعكس بصراحة هذا الهدف عندما صرح بأنه ليس من واجب بلده بناء أفغانستان، ولو اختار البيت الأبيض ولو لمرة واحدة أن يصرف تكلفة سنة واحدة من وجوده في تلك الدول على مشاريع خدمية لكان وضع أمريكا وعلاقتها بالشعوب شيء مختلف، لكن هذا هو منطق صانع القرار الأمريكي الذي يرفض أن يفهم غير معايير القوة العمياء، وحتى الجيش الأفغاني الذي زودته أمريكا بكل الأسلحة المتقدمة مجانا لم يبق منه أي اثر مما أغرى طالبان بدخول كابل دون قتال بل ان ثلاثة مقاتلين من طالبان سيطرت على القصر الرئاسي وتم تسليم كل الأسلحة لهم في أكبر فشل لخطط أمريكا في نشر ما تسميه ديمقراطيتها.

يبدو أن طالبان استبقت المؤتمر الدولي وصرحت برغبتها في الانفتاح على الصين الجاهزة دائما لتقديم ما لم تستطع أمريكا تقديمه من بناء وتنمية وخدمات، حيث ان وفداً من الحركة كان بزيارة للصين في تموز الماضي لتطمينها بالرغبة في علاقة متميزة تعيد بناء ما دمرته الحرب التي استمرت 40 عاما.

الدور الإيراني الذي يتعاظم في أفغانستان عبر المجموعات المسلحة التي ترعاها والتي اكتسبت تدريبات وخبرات جيدة والتي لم تعد تقتصر على لواء فاطميون بل شملت الطاجيك وقياداتهم والخدمات التي تقدمها من محطات الطاقة والوقود والمنتجات الزراعية والصناعية، ايران التي تلعب لعبة التوازن التي نجحت في العراق عبر تحسين علاقتها بالحكومة بالتوازي مع مجموعات تؤهلها وتدربها وتسلحها، فبالإضافة لعلاقاتها التي نسجتها مع طالبان منذ هزيمتها في 2001 حيث أستضاف قاسم سليماني بعض قيادات طالبان بعد انكسارها في الهجوم الأمريكي في استثمار ذكي أعطى نتائجه في نسج علاقات متشابكة مع خطوط طالبان المختلفة، حيث تسبق ايران الولايات المتحدة دائما في حصد الثمار مقابل خيبات أمريكا في العراق وأفغانستان. هدف إيران دائما ليس جلب منفعة لمن تتعامل معهم بقدر ما هو دفع الخطر عن إيران عبر تشكيل مجموعات ولائية تتولى ما تراه إيران في ترتيب علاقاتها.

الجار الروسي يترقب المشهد ولن يدخل في حماقات التدخل المباشر، بل سيتم احتواء الأثر الاسلامي على المسلمين داخل الاتحاد الروسي.

بينما باكستان الحليف القوي لطالبان تسعى للنفوذ في صراع غير معلن مع تركيا للاستحواذ على التأثير فاقدة الأثر الغربي الذي لا يثق في سلوكها منذ بدأ التواجد الغربي في أفغانستان.

التحدي الداخلي يتمثل في إقناع الشعب الأفغاني بأن طالبان جديدة في فكرها وسلوكها وتعاملها مع الواقع ومنح الحريات الأساسية التي أقرها دين الإسلام التي تريد طالبان أن تحكم باسمه وهذا خيار مشروع إن قبلت به الأغلبية وأن تُشرك الآخرين كما إدّعت بأنها ستشكل حكومة شاملة، وتشكيل حكومة تصريف الأعمال من أعضاء طالبان بالكامل هي محاولة لجس النبض واختبار الداخل والخارج وقوى الضغط

 التي ستتعرض له وعلى ضوئه ستعيد تشكيل حكومة سيكون تمثيل الآخرين فيها شكليا، فالمنتصر حصريا هي طالبان بدون أن يشاركها أحد.

القبول الدولي والاعتراف بطالبان سيكون بمقايضة صعبة خصوصا مع الولايات المتحدة ودول أوروبا خصوصا وإن طالبان ومعظم قياداتها هم على لائحة الإرهاب ورفع الحظر عنهم سيكون له ثمن ستتوحد دول الغرب للمطالبة به.

ستمضي طالبان بمشروعها الاصولي دون أن تهتم بالمطالبات الدولية أو بوعود الغرب بالمساعدات التي لا تغني ولا تُسمن حيث لا تشكل أفغانستان أهمية جيو استراتيجية غير جوارها مع خصوم الولايات المتحدة وإن مضت طالبان في عدم مشاكسة جوارها لصالح الولايات المتحدة فلن تحظ بأي قبول أمريكي أو غربي وتبقى بوابه الصين خياراً مهما لطالبان ومشروع الحزام والطريق الصيني جاهز دائما، ويبدو ان طالبان ستمارس لعبة التوازن بين أمريكا وخصومها.

 

د. علي الدباغ

 

في المثقف اليوم