آراء

قاسم حسين صالح: نتائج انتخابات 10 تشرين.. ديمقراطية بلا ديمقراطيين!

قاسم حسين صالحفي الأحد (10تشرين/اكتوبر 2021) جرت في العراق الأنتخابات التشريعية الخامسة بعد التغيير، ووصفت بالآتي:

- اعلنت وسائل الاعلام، بأن القوى الأمنية التابعة للحكومة استطاعت تحقيق الأمن الأنتخابي وتأمين حرية المواطن في التصويت، وايدت ذلك رئيسة بعثة المراقبين الأوربيين، وممثلية الأمم المتحدة في العراق.

- ان المقاطعين والعازفين كانوا على يقين ان الانتخابات ستكون مزورة، واثبت الواقع انها المرة الأولى التي كان التزوير فيها يكاد يكون معدوما.

- كانت الغالبية من العراقيين ترى ان النتائج محسومة سلفا، واللعبة مكشوفة.. فصدمتهم بعكس ما كانوا يرون.

- اكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بانه تم انجاز 95% من الفرز اليدوي في جميع المحطات البالغة 3681 ، وان نتائج العد اليدوي جاءت متطابقة مع النتائج الالكترونية، وجرى الامر بوجود ممثلي الكيانات والمراقبين الدوليين، واعلنت على لسان رئيسها (بأننا ملزمون بأن نقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، مشيراً إلى أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 43%

- اكد مستشار رئيس الوزراء العراقي، أن " اللجنة العليا المستقلة للانتخابات أكملت العد اليدوي بجميع مراكز الاقتراع، وجاءت نتائج العد اليدوي مطابقة للعد الإلكتروني".

- شارك في الانتخابات تسعة ملايين ناخب من اصل 22 مليون يحق لهم التصويت .

المفاجأة:

بعد أربعة ايام من اعلان نتائج الآنتخابات.. تم اعتبار كل ما ذكر في اعلاه من (حقائق) .. باطلا!

وحصل الآتي:

- رفضت قوى سياسية نتائج الانتخابات ، وأصدر ما يُعرف بـ"الإطار التنسيقي"، الذي يضم تحالف "الفتح" و"دولة القانون" و"عصائب أهل الحق" وكتائب "حزب الله" وتيارات أخرى، بيانا يحمّل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات "المسؤولية الكاملة عن فشل الاستحقاق الانتخابي"، محذرة اياها من اصرارها على نتائج مطعون بصحتها ، ومن تبعات "سلبية على المسار الديمقراطي" في البلاد، لتشهد شوارع العاصمة بغداد ومدن في محافظات الوسط والجنوب تظاهرات واحتجاجات وحرق اطارات وقطع طرق، ونصب خيم امام المنطقة الخضراء تضم محتجين يطعنون بصحة نتائج الانتخابات، ويهددون (بحرق العراق).

- تمثلت اخطر تهمة بأن التزوير في هذه الانتخابات كان الكترونيا ، بأخذه اصواتا من حصص كتل معينة لصالح كتل اخرى، وانه تم اختراقها بصورة مباشرة وغير مباشرة ، من اطراف داخلية وخارجية، وانه اخطر من تزوير كان تقليديا ومكشوفا في الانتخابات السابقة ، وان اعادة فرز الأصوات بالعد اليدوي هو الذي يثبت المصداقية.

- ان نسبة المشاركة في الانتخابات هي 21% وليس 43%

آراء العراقيين .. وسخرياتهم!

تعددت الآراء بخصوص ما حصل، فهناك من رأى ان نجاح الانتخابات كان شكليا، وانها ليست مفاجئة ان يفوز عدد باصابع اليد وحتى عشرين او ثلاثين، فلن يحصل تغيير ما دام نصف الفائزين او اكثر هم من سراق المال العام، فيما رأى آخرون بأنه كان لابد من تطعيم نظام بريمر ببعض الوجوه الجديدة من اجل اطالة عمر العملية السياسية الفاسدة مع بقاء الكتل والحيتان، وهناك من رأى ان الانتخابات فيها امر مريب وكبيروانها مسرحية مزيفة ، واشاد آخرون بجهود رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي، فيما علّق آخرون ساخرين:

* بالمشمس.. حتى الهواء راح يسرقونة.. من ١٨ سنة لم يثبت ان احدا من تلك الزمرة نزيه.. كلهم فاسدون للنخاع،

* بزازين هل وكت ماترضى بالشحم ادور حبال ظهر،

* يعمي لا تروحون زايد كل واحد حجه كلمتين بالوطنيه انبطحتوا وسويتوه كاسترو العراق.. لا تترجا خيرا من تيار ديني،

* اهل الحلة أخذوا المرشحين يحلفوهم بالحمزه.. يعمي والله لو تحلفوهم بالعباس ابو راس الحار ما يخافون.

وعلّق آخرون على ما حصل بعد التشكيك بنتائج الأنتخابات، ساخرين:

* لو كانت التظاهرات امام الخضراء وطنية لقاموا باطلاق النار على المتظاهرين ، فقبلهم تظاهر حملة الشهادات العليا فضربوهم بالعصي وقتلوا متظاهرين، لكنها تظاهرات حرامية ضد حرامية،

* وهل الفرحين بالفوز والخاسرين قادرون على بناء دولة؟!

* التزوير دخل مرحلة التنويع والابتكار عندنا لان العراقيين اذكى الشعوب العربية في الغش،

* مرشح عدد اصواته صفر يقول فدوه للمفوضية بس اريد اعرف زوجتي انتخبت منو ، اريد فرز يدوي حتى اطلكها!.

نزيهة.. أم مزورة؟

تهدف الأنتخابات التشريعية في بلدان العالم الى تغيير واقع حال شعوبها نحو الأفضل ، لاسيما في الأنظمة الديمقراطية التي تعتمد مبدأ تداول السلطة سلميا، وان جميع الانتخابات فيها فائزون وخاسرون، وعلى الجميع القبول بنتائج الانتخابات، ويجري في البلدان المتحضرة ان الخاسرين يهنئون الفائزين.. وهذا ما لم يحصل في العراق خلال خمس دورات برلمانية.

ونرى ان القول بنزاهة انتخابات 10 تشرين وان التزوير فيها كاد ان يكون معدوما.. ليس صحيحا تماما، كما ان القول بانها كانت مزورة وان نتائجها بالكامل باطلة.. ليس صحيحا ايضا ، والصحيح ان فيها هذا القدر من النزاهة وذاك القدر من التزوير بدليل انها جاءت باكثر من 220 مرشحا للبرلمان يعدون وجوها جديدة بينهم (35) مستقلا و(9) محسوبين على التشرينيين، وفوز 97 امرأة بمقاعد نيابية، من بينهن 57 امرأة فزن بالقوة التصويتية للناخبين، من دون الاعتماد على "الكوتا النسوية"، وان هناك قوى سياسية حصلت على اكثر مما كان متوقعا بأن ضاعفت عدد مقاعدها في البرلمان مثل (دولة القانون)، ومجيء كتلة (تقدم) السنّية بالمرتبة الثانية، مع ان الكتل الشيعية كانت تحتل المراتب الثلاثة الأولى في الأنتخابات السابقة.واذا كان فوز كتلة (تقدم) بهذا العدد يرجع الى فشل وفساد الحزب الاسلامي واتهامات سابقة تتعلق بعلاقات مع داعش وحزب البعث، فان فوز (دولة القانون) بهذا العدد يعود الى علاقاتها برؤساء عشائر واتهامات بتلقيهم(هدايا) واغراءات ووعود.

تحليل سيكولوجي

ما يحصل الان من حالة ارباك يعيشها العراقيون بعد اعلان نتائج الانتخابات هو نتيجة حتمية لسيكولوجيا الفوضى والبرانويا الناجمة عن سياسة المحاصصة عبر 18 سنة لم يعرف فيها المواطن العراقي الاستقرار النفسي، فنحن طوال هذا الزمن، لم نتعلم السلوك الديمقراطي ولم نؤمن بأهم مبدئين في الديمقراطية(التداول السلمي للسلطة ، والعدالة الأجتماعية)، وعشنا مفارقة ان لدينا ديمقراطية ولكن بلا ديمقراطيين. وما يربك المواطن العراقي الان ليس الصراع بين القوى السياسية فلسان حاله يقول (نارهم تاكل حطبهم) انما يربكه الصراع بين ثقافتين:ثقافة دفاع عن بقاء الحال على حاله تتبناها الطبقة السياسية، وثقافة تغيير يتبناها الشعب بملايينهتنقل الوطن والمواطن الى حال افضل.

وما يقلق المواطن الآن هو:

ترى اذا انعقد البرلمان فلمن ستكون الغلبة في تشكيل الحكومة : للتيار الصدري ام لتنسيقية الشيعة التي يقودها (دولة القانون)؟.

وبافتراض فاز التيار الصدري بها، فهل سيفي بوعده بتشكيل حكومة تكون عابرة للمحاصصة، ام سيرضخ لطلب القوى السياسية بان تكون ممثلة بالحكومة لتبقى العملية السياسية تسير في سكة المحاصصة لاربع سنوات قادمة، و(نرجع لساحة التحرير ونهتف:محاصصه محاصصه، دم الشعب ما ارخصه!).

 

أ. د. قاسم حسين صالح

 

 

في المثقف اليوم