آراء

علاء اللامي: أردوغان الحائز على جائزة الشجاعة من المؤتمر اليهودي الأميركي يهدد بحرب دينية

"حرب الهلال والصليب"! أردوغان الحائز على جائزة الشجاعة من «المؤتمر اليهودي الأميركي» سنة 2004، يهدد بحرب دينية على منوال حروبه في قرباغ وليبيا، ويدس أنفه في الكفاح التحريري الوطني للشعب الفلسطيني! إذا سمحت المقاومة الفلسطينية لأردوغان فعلا بأن يدس أنفه في الشأن الفلسطيني لمرحلة ما بعد حرب الإبادة الصهيونية على غزة باسم المشاركة في الهيكل الأمني الذي سيتم تشكيله بعد الحرب وفي الوقت الذي ظل أردوغان يتفرج مكتفيا بالخطابات الفارغة ورفض قطع العلاقات مع الكيان الصهـ يوني كما فعلت دولة مسيحية يحكمها اليسار مثل بوليفيا واكتفي باستدعاء سفيره من دولة العدو للتشاور وفي وقت رفضت فيه المقاومة أي انتداب أو تدخل أجنبي في شؤون إدارة القطاع حتى من دولة شقيقة كمصر، أقول؛ إذا سمحت المقاومة الفلسطينية لأردوغان بالتدخل تحت شعارات دينية "حرب الصليب والهلال" فإنها سترتكب خطأ كارثيا يلحق أفدح الضرر بمستقبل هذه المقاومة وبالشعب الفلسطيني كله لعقود طويلة. ولكن ما يجعنا متفائلين بالمستقبل هو أن هذه المقاومة بكافة تلاوينها الإسلامية والوطنية والقومية واليسارية رفضت رفضا باتا تحويل الصراع مع الكيان الصهيوني من كفاح تحرير ضد احتلال استيطاني إلى حرب دينية وأصرت هذه المقاومة بإسلامييها قبل يسارييها على أن تفرق بين اليهود كيهود والصهاينة العنصرين في خطابها وأدائها السياسي وغير السياسي. هذه أدناه فقرات من مقالة بعنوان (إردوغان وفلسطين و«الحرب الدينية») بقلم الزميل المتخصص بالشأن التركي محمد نور الدين:

1- في الاحتفال الجماهيري الذي نظّمه حزب العدالة والتنمية دعماً لغزة وفلسطين قبل أقل من شهر في 28 تشرين الأول الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: «أيها الغرب إنّي أخاطبك هل تريد أن تحيي من جديد حرب الهلال والصليب؟ إذا كانت نيتك كذلك فاعلم أن هذه الأمة لم تمت. وستقف منتصبة على رجليها. واعلم أنه بالعزيمة نفسها التي خضناها في ليبيا وقره باغ سنخوضها في الشرق الأوسط». كان إردوغان يواجه الغرب بالتشكيك في نواياه من دون الجزم بما يمكن أن تكون عليه. لكن نهار الأربعاء في 15 تشرين الثاني وأمام نواب كتلة «العدالة والتنمية» تحدّث إردوغان هذه المرة بوضوح حاسم لا يقبل التأويل؛ بأن اعتبر المواجهة الجارية حالياً في غزة وفلسطين هي مسألة هلال وصليب: «في أحداث شارلي إيبدو قُتل 23 شخصاً، فسار رؤساء دول ورؤساء حكومات في تظاهرات مندّدة بالحادثة. حسناً الآن أكثر من 13 ألفاً قُتلوا حتى الآن فأين هم هؤلاء الرؤساء ورؤساء الحكومات؟ هيا سيروا في تظاهرات لها علاقة بهذا (غزة). أليس من ضمير وعدالة عندكم؟ القضية هي مسألة صليب وهلال. هكذا ننظر نحن إلى القضية».

2- من التشكيك والتلميح وصولاً إلى التصريح، كان إردوغان يقطع في الصفة الدينية للمعركة الجارية في غزة. وهو يتهم الغرب كله، بالطبع مع إسرائيل، بإشعال حرب جوهرها الصراع بين المسيحية والإسلام. فهل الأمر في غزة وفلسطين هو فعلاً كذلك؟

3- لا بد من الإشارة أولاً إلى أن إردوغان استخدم في تصريحيه هذين، مصطلح الهلال والصليب وليس الإسلام والمسيحية. ومع أن ذلك جائز وطبيعي ولكنّ مفردتَي الهلال والصليب تحفران أكثر في الذاكرة وتصبغان على المسألة «حدّية» تقارب النفور والكراهية أكثر من مفردتَي الإسلام والمسيحية اللتين تمنحان بعضاً من التعميم والمرونة في الحديث عن طرفين في نزاع ديني.

4- لا شك أن النزعة الدينية في نظرة الغرب إلى «باقي» العالم غير المسيحي قائمة وموجودة، ولا يمكن إنكار وجودها وتأثيرها في العديد من القرارات والأفعال منذ عقود بل قرون. وإذا قفزنا عبر العصور وانتقلنا سريعاً إلى القرن العشرين بالذات، فإننا نعثر، على سبيل المثال لا الحصر، على المشاهد التالية:

5- إنّ الحرب العالمية الأولى كانت حرباً بين قوى «مسيحية»، والدولة العثمانية «المسلمة» تحالفت فيها مع قوة مسيحية كبيرة هي ألمانيا.

6- إن الحرب العالمية الثانية كانت بالكامل بين قوى مسيحية وبوذية، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصين واليابان.

7- إن الحرب في فيتنام كانت بين قوى مسيحية فرنسية وأميركية وبوذية.

8- إن الحرب في أوكرانيا هي الآن بين قوى مسيحية، روسيا من جهة وكل الغرب من جهة أخرى.

9- وفي قره باغ، وهذا مثل «طازج»، كيف نفسّر تخلي الغرب «المسيحي» عن أول الناس المسيحيين في العالم وهم الأرمن، وتركهم ينزحون، مشياً مع أغنامهم وخيولهم، من أرض أجدادهم التي وُلدوا فيها حتى قبل أن يولد العرق الطوراني بكل بطونه وأفخاذه، تحت الخوف من إبادة جديدة، على أيدي «المسلمين» الأذريين وحلفائهم من «المسلمين» الأتراك و«اليهود» الإسرائيليين؟

10- ولكن إذا انتقلنا إلى تركيا نفسها فإن الصورة ستكون أكثر وضوحاً بما لا يقاس:

لقد تحالفت تركيا منذ عام 1947 مع قوة «مسيحية» هي الولايات المتحدة بوجه الاتحاد السوفياتي.

* وفي عام 1949 اعترفت تركيا «المسلمة» بدولة «غير مسلمة» يهودية تُعتبر العدو الأول للعرب والمسلمين وهي إسرائيل. وفي عام 1952 انضمت تركيا إلى حلف كله من المسيحيين هو حلف شمال الأطلسي.

11- وفي الخمسينيات، في عهد رئيس الوزراء «الإسلامي» عدنان مندريس، عرفت العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية ذروة ازدهارها السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي. وتكرر تعزيز العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية في الثمانينيات في عهد رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية طورغوت أوزال "الإسلامي".

12- وماذا نقول لليهود المعادين للمشروع الصهيوني ومنهم الشهيدة راشيل كوري التي سحقتها الدبابات الإسرائيلية عام 2003؟ إذا انتقلنا إلى مرحلة ما بعد عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلي على غزة، نجد أن التظاهرات عمّت شوارع المدن «المسيحية» في أوروبا وحتى الولايات المتحدة، وأن دولاً «مسيحية» في أميركا الجنوبية قطعت العلاقات مع إسرائيل أو استدعت سفراءها منها. ونجد أن 99% من دول العالم «العربي والإسلامي» لم تتخذ أي إجراء ضد إسرائيل «غير المسلمة» أو أميركا «غير المسلمة» حتى الآن رغم مرور أكثر من شهر ونصف شهر على العدوان الإسرائيلي.

13- وبالنسبة إلى تركيا نفسها فهي اكتفت بالصراخ ولم تتخذ أي خطوة إجرائية وعملية ضد إسرائيل، حيث لا يزال يصل يومياً إلى الموانئ الإسرائيلية ما معدّله سبع سفن تركية (منذ 7 تشرين الأول وصلت 300 سفينة) تحمل موادَّ ومنتجات مختلفة إلى إسرائيل. كما لم تتخذ تركيا المسلمة أي إجراء ضد القواعد الأميركية في تركيا التي تستخدمها واشنطن «المسيحية» لدعم إسرائيل عسكرياً.

14- وكانت القفزة الكبرى في العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية مع وصول حزب العدالة والتنمية «الإسلامي» إلى السلطة عام 2002، حيث نال إردوغان جائزة الشجاعة من «المؤتمر اليهودي الأميركي» غير المسلم عام 2004.

***

علاء اللامي

..........................

1- رابط يحيل إلى مقالة محمد نور الدين: إردوغان وفلسطين و«الحرب الدينية»

https://al- akhbar.com/Palestine/373377/

2- أردوغان: مستعدون لتولي المسؤولية في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب بغزة

https://gulf365.net/world- news/12246146/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86- %D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%88%D9%86- %D9%84%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9- %D9%81%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84- %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF- %D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A- %D8%B3%D9%8A%D8%AA%D9%85- %D8%A5%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%A4%D9%87- %D8%A8%D8%B9%D8%AF- %D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%A1- %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8- %D8%A8%D8%BA%D8%B2%D8%A9.html

في المثقف اليوم