آراء

محمود محمد علي: أزمة أوكرانيا بين شبح الحرب العسكرية وملامح الحرب الباردة

محمود محمد عليتواصل روسيا تعزيز قدراتها في البحر الأسود من مختلف أساطيلها البحرية في بحر البلطيق وبحر الشمال والمحيط الهادئ، وعبرت الغواصة " كيرو" والتي تعد من أخطر الغواصات غير النووية في العالم مضيق الدردنيل للانضمام إلى أكثر من 30  قطعة بحرية روسية تشمل مدمرات وفرقاطات وكاسحات ألغام وسفن امداد لتنفيذ تدريبات واسعة النطاق للبحرية الروسية، وستقوم السفن والطائرات الحربية والقوات الساحلية التابعة للأسطول الروسي خلال التدريبات حسب موسكو لتنفيذ عمليات رمي مدفعي وصاروخي على أهداف بحرية وساحلية وجوية..  سباق مواقف وتحركات عسكرية، وسط قلق دولي من عودة سيناريو الحرب الباردة كخيار بديل للتصعيد العسكري، فهل ستتجه الأمور نحو تجميد الجبهات واللعب على وتر الحرب النفسية وضرب متبادل للمصالح؟.

اعتقد أنها حرب جديدة.. حرب سياسية تتقاسم الأطراف وتشكل عدوات جديدة، وإضافة إلى ذلك تفتح الدفاتر القديمة التي عفا عنها الزمن، وأوكرانيا هي محور هذا الصراع الحديث.. فما الذي يحدث حقا هناك ؟.. وما علاقة ألمانيا في سير الأحداث بين أوكرانيا وروسيا.. ما الذي يحدث في أوكرانيا ؟.. بداية عام مخيف.. نعود إلى بداية الحكاية في ثمانينيات القرن الماضي وفي تلك الفترة بعد ان انتهت آثار الحرب العالمية الثانية بشكل نهائي، وعادت كل دولة إلى قوتها، انقسم العالم إلى قسمين : المعسكر الغربي والذي كان يضم الولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا، وفرنسا، وكندا، وألمانيا.. والمعسكر الشرقي والذي ضم حينها الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي والدول المتحالفة معه جميعا.. وكما نعلم جميعا بحلف الناتو الشهير والقوي، فهو أحد التحالفات عالميا، والذي يعود أصله إلى المعسكر الغربي حيث يمتلك من تطور الأسلحة والعتاد مما يمنحه دفة القيادة في العالم وعلى الجانب الآخر من المعسكر الشرقي نجد حلف وارسو الذي يعود أصله للاتحاد السوفيتي وحلفائه.

تحالفات أًصلها المصلحة الشخصية، حيث إن أكثر تاريخ ترك بصمة على مستوي المعسكر الشرقي هو عام 1991، وهو العام الذي انهار فيه الاتحاد السوفيتي وتفكك بشكل بهائي منتجا 15 دولة مختلفة بعد ان كانت مجتمعة تحت سقف العلم الأحمر، ومن بين هذه الدول هي الدولة التي تتصدر الأخبار اليوم ألا وهي" أوكرانيا".

في تلك اللحظة باتت روسيا ضعيفة وبلا حيلة أمام قوة حلف الناتو، وخصوصا بعد ان عبرت بعض الدول والتي كانت سابقا جزءا من الاتحاد السوفيتي عن ارتياحها بالخروج من تحت سيطرة روسيا، وأكدت انضمامها إلى حلف الناتو ضد روسيا، وكان أشهر هذه الدول هم : أستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، واستغل حلف الناتو هذا الانقلاب لتعزيز قوته في تلك الدول، وبسط نفوذه حول روسيا، وبدا تسلله نحو تلك الجمهوريات، مما أشعرها بالخطر الكبير..

لذلك وضعت روسيا حدودا خاصة بها لتمنع تقدم حلف الناتو بشكل أكبر إلى أراضيها، وبذلك وضعت عدة حواجز على الدول المحيطة بها لتمنع تقدم الحلف إلى أراضيها الخاصة، ولا حتى الدول التي تحيط بها محولة إياها إلى سد منيع، مثل جورجيا، و" أوكرانيا" اللتان تقعان على الحدود الروسية.

بداية المشكلة والانشقاق، حيث نجد أنه في عام 2008 تصاعدت الأحداث بشكل استثنائي لتخرج جورجيا عن صمتها، وتعبر عن رغبتها بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي والمعسكر الغربي، مما أثار القلق في روسيا، واستدعاها إلى التحرك بأسرع وقت ممكن.

لذلك ففي خلال خمسة أيام انطلق الجيش الروسي نحو جورجيا، وبدأ بعملية غزو انتهت السيطرة على أهم منطقتين في جورجيا، وهما " ابخازيا " و " اوسيتيا الجنوبية"، لتُترك جورجيا بلا أي خيار سوي الانصياع إلى الأوامر الروسية، وبذلك تأكد الاتحاد الأوربي بأن روسيا لن تسمح لحلف الناتو بالاقتراب من الأراضي الروسية، أو حتى المحيطين بها.

وفي العام نفسه حولت " روسيا " نظره " نحو " أوكرانيا"، وذلك تفاديا لأية متاعب أخرى مع الاتحاد الأوربي، ووضعت وصايتها على عدد من المناطق الاستراتيجية في منطقة " القرم" الاستراتيجية التي تطل على البحر الأسود، وتملك من الثروات الباطنية ما يعطيها اقتصادا قويا ومنيعا.

وفي عام 2014 تصاعدت الأحداث، وزاد الضيق على " أوكرانيا"، مما جعل الشعب الأوكراني يقوم بالمظاهرات والاحتجاجات على الحكومة الأوكرانية، ونتيجة لذلك غادر الرئيس " أوكرانيا" وانطلق إلى موسكو.

كان مضمون تلك الاحتجاجات هو أن الشعب الأوكراني يريد الاستقلال بنفسه عن روسيا، وعن المساعدات والتي تقدمها من غاز وغيره، وذلك يعني بأن " أوكرانيا" تريد الاعتماد على نفسها من ثروات القرم.

وكرد فعل طبيعي فاجأت روسيا " أوكرانيا" وقامت بالسيطرة على شبه جزيرة " القرم" بشكل نهائي، كما انطلق الجيش الروسي إلى مناطق أوكرانية أخرى وحارب الجيش الأوكراني ليكون ذلك دراسا روسيا قويا لأوكرانيا التي بات وضعها أسوأ بعد أن كان تطمح في التملص تحت راية روسيا، لتجد نفسها غارقة أكثر فيها، فأثبتت خلال ذلك روسيا بأنها لن تسمح لحلف الناتو، أو أيا من دول الاتحاد الأوربي للاقتراب من أراضيها مهما كلف الثمن.

كما أرسلت موسكو قوات إلى منطقتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيين -وهي منطقة تُعرف باسم دونباس- لدعم المتمردين الذين كانوا يحاولون الانفصال عن البلاد. وأدى القتال في دونباس، بالقرب من الحدود الروسية، إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص منذ عام 2014، حسبما أشار تحليل لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية.

وفي محاولة لإنهاء الصراعات الكبرى، قادت فرنسا وألمانيا اتفاقية سلام بين الجانبين في عام 2015 لكنها فشلت في توحيد الجانبين سياسياً واستمرت التوترات على نطاق صغير منذ ذلك الحين.

في أوائل عام 2021 كانت هناك حوادث متزايدة لخرق وقف إطلاق النار لعام 2015، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب، لكن في أبريل (نيسان)، سحبت موسكو معظم قواتها وخفّت حدة التوترات.أين تتمركز القوات الآن؟

بداية عام مخيفة : بعد ذلك مرت حالة من السكون بين المعسكرين والدول الواقعة بينهما حتى بداية هذا العام وهو 2022، والتي لم تكن مبشرة بأي شكل لأوكرانيا وشعبها، فقد عادت المناشدات والمناهضات من الأوكرانيين بالانضمام إلى حلف الناتو، وكان الحلف مرحبا الفكرة بشكل كبير، فهذا كان الهدف والمراد منذ سنين، لولا الدفاع الصلب الذي تقدمه روسيا، وبذلك قام الحلف بإرسال أسلحة قتالية والصواريخ لأوكرانيا، دعما لها للتصدي للقوات الروسية.

ولكن روسيا لا زالت على أهبة الاستعداد بأي حركة تقوم بها " أوكرانيا"، ولأجل ذلك قامت بحشد جيش يتجاوز الـ 120 ألف جندي روسي على الحدود الغربية لروسيا، أي أنه يستعد ضد أي حركة قد تكون بها الدول الأوربية.

وزعم مسؤولو المخابرات الأميركية الأسبوع الماضي أن روسيا تخطط لنشر ما يصل إلى 175 ألف جندي استعداداً لغزو محتمل قد يحدث في وقت مبكر من هذا العام.

ويتركز معظم الوجود العسكري الروسي على الحدود في المقاطعتين الشرقيتين الانفصاليتين دونيتسك ولوهانسك (دونباس) حيث يتمركز جنودها لدعم المتمردين الانفصاليين منذ عام 2014، كما كان هناك أيضاً وجود عسكري كبير في شمال أوكرانيا في مناطق مثل كلينتسي وييلنيا.

وكشفت صور عبر الأقمار الصناعية أيضاً عن نشاط عسكري روسي في مناطق شمال شرق الحدود الأوكرانية. وأظهرت صور الأقمار الصناعية من يلنيا، المتاخمة أيضاً لبيلاروسيا، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أن روسيا تزيد من وجودها العسكري، الأمر الذي أثار مخاوف من اندلاع حرب، نظراً لموقعها الاستراتيجي بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف.

ولا يزال عشرات الآلاف من القوات الروسية متمركزين داخل أراضي شبه جزيرة القرم التي تم ضمها، حيث كشفت صور عبر الأقمار الصناعية عن عمليات انتشار كبيرة لقوات هناك في نوفمبر من العام الماضي. وأعرب مسؤولون أوكرانيون مراراً وتكراراً عن مخاوفهم بشأن الوجود الروسي على الحدود، بينما يصر الكرملين على أنه مجرد «تدريب عسكري".

وهنا تكمن المشكلة عند الدول الغربية التي من الممكن أن تفقد مصدرها من الغاز بشكل نهائي،، ذلك أن ما يقارب نصف مخزون الغاز الأوربي قادم من روسيا، أي أنه في حلال غضب الرئيس الروسي بوتن وأصدر حظرا على الأوربيين من الغاز سيتعرضون لكارثة حقيقية.

والأهم بأنه لا يوجد أي مصدر بديل لروسيا من هذه الذروة الطبيعية الأساسية، ولم يتوقف الأمر على روسيا وحدها، وإنما بدأت بإنشاء العلاقات مع بعض الدول الأخرى مثل تركيا لتمنع الاتحاد الأوربي من استيراد الغاز من الدول العربية المجاورة لها، كما أنها أمدت خطا من الغاز الذي سيصل بينها وبين ألمانيا لتمنحها حاجتها من الغاز، وبذلك تكون قد كسبتها إلى صفها كذلك الأمر.

ورغم أن موضوعات بين روسيا وألمانيا لا زال غير مؤكد بشكل علني، إلا أن عددا من الدول الأوربية قامت بتزويد " أوكرانيا" بالأسلحة، كفرنسا، وأمريكا، وإيطاليا، وإنجلترا ؛ على عكس ألمانيا التي رفضت ذلك وإنما قامت بحركة ذكية مختلفة تكسب من خلالها الطرفين من خلال إرسالها لخوذ عسكرية، تلبية لاحتياجات الجيش الأوكراني، وذلك أنها بررت ذلك برفض البرلمان لتصدير الأسلحة إلى " أوكرانيا"، وبذلك تشتعل حربا جديدا مع بداية عام 2022، فإلى أي الأطراف ستؤول الكفة.

هذا بالتأكيد ما يخشاه القادة الغربيون وأوكرانيا نفسها.. فقبل سبع سنوات فقط، استولت روسيا على جزء من أوكرانيا ودعمت الانفصاليين الذين بدأوا صراعاً في مناطق واسعة شرقي البلاد.. تريد روسيا من الغرب التعهد بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وعلى الرغم من أن الجانبين يجريان المفاوضات، لكن بدون جدوى. ما سيحدث بعد ذلك قد يعرض الهيكل الأمني لأوروبا بالكامل للخطر.

 

د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.....................

المراجع

1-  لماذا يريد بوتين احتلال اوكرانيا !.. زاوية التاريخ.. يوتيوب.

2- يسرا سلامة: أزمة أوكرانيا: ما الذي يحدث على الحدود مع روسيا؟.. الشرق الأوسط.. الأحد - 20 جمادى الآخرة 1443 هـ - 23 يناير 2022 مـ

 

في المثقف اليوم