آراء

الطيب بيتي: متى يتعلم الغرب العدواني من التاريخ ويستفيد من حروبه الفاشلة؟ (1)

الطيب بيت العلوي"لسنا بحاجة في روسيا إلى نقد ذاتي، أوأن يرضى الغرب عنا .لأن العظمة الروسية تمتد تاريخًا إلى آلاف السنين، وكان لها من الناحية العملية دائمًا امتياز - (جيو - عسكري - إقتصادي) لممارسة سياسة خارجية مستقلة" تصريح فلاديمير بوتين في عام 2007

المثقفون والسياسيون الذين لا يستفيدون من التاريخ محكوم عليهم بإعادة إحياء خيباته." الفيلسوف الأمريكي - الإسباني" George Santayana

بداية لا بد من وضع القارئ الكريم في صلب الموضوع قبل تشعب الأحداث القادمة في أوكرانيا .إذ يجب التذكيربأن الإنقلاب المدعوم من الولايات المتحدة عام 2014 ضد الحكومة المنتخبة في أوكرانيا، كان نقطة البداية لأي نقاش حول الأزمة الحالية.

لقد تم إختلاق هذا الموقف من الصفرمن قبل"جو بايدن "ضد بوتين، بمجرد ولايته، مدفوعا من الفريق المعادي لروسيا وبوتين المتحلق حول أوباما وكلينتون وبيلوسي في الحزب الديمقراطي - بسبب كراهيتم الشخصية لبوتين من جهة، وبسبب مزاعم تدخل بوتين في العملية الإنتخابية الأمريكية لصالح ترامب عام 2016 - حيث كان بايدن الشخص المناسب للصقورالمتشددة ضد بوتين كلي الحزبين: (الديموقراطي والجمهوري) حيث يتعلق الأمرباستخدام أوكرانيا كوسيلة لمضايقة وخنق روسيا بوتين. وأيضا لرغبة بايدن في التخلص من ملف قديم متعفن مالي تورط فيه وإبنه بأوكرانيا أثاره ترامب في ولايته .

غربيا، فإن وسائل الإعلام الغربية السائدة تكون أبدًا أكثرخطورة أثناء الحروب الأمريكية الإستباقية عبرالأطلسي ضد "الدول المارقة"عن طريق فبركة الأحداث وتزويرالأخباروالتفنن في التدليس - (كما عهدنا ذلك في حربي الخليج والربيع العربي و" الحرب على الإرهاب "وتدمير ليبيا، والهجمة على سوريا والترويج للدواعش).

ومنذ تنصيب بايدن بدأت حكومته ترسل الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا. والإعلام الغربي - وخاصة الأمريكي والبريطاني والفرنسي - يقوم بمهمة "شيطنة بوتين"عبرالإشارات المستمرة إلى ضرورة مد "المساعدات العسكرية لأوكرانيا"، وتجييش الأطلسي

ولا يمكن أن تخدعنا العبارات الملطفة للصبي الفرنسي العيي ماكرون، المكلف من أسياده في البيت الأبيض بالقيام بالحيل والمراوغات اللازمة للأزمة الأكرانية المعقدة، مواجهتها عسكريا أو إقتصاديا، وذلك لسبب بسيط للغاية: لأنه لا المجموعة الأوروبية ولا الأطلسي راغبون في مقارعة الروس( باستثناء المعسكر المثير للحرب في واشنطن من طرف الصقورفي كل من الحزبين الديموقراطي والجمهوري الأشد عداء لروسيا التاريخية قبل تحولها إلى " السفيتة") والباقون يعلمون أن إثارة الحرب مع روسيا حماقة كبيرة وأمرخطيرللغاية. لأن روسيا ليست أفغانيستان ولا العراق ولا لبوسنة أو ليبيا. 

وفي عالم الواقع وعلى الأرض، فإن بوتين: (موزار الجيوسياسية الدولية) قد فعلها أخيرا، بعد أن ظل ينفخ الحار والبارد في الأجواء الغربية لمدة ثماني سنوات، وجعل الغرب النرجيسي المتطاوس والمنتفخ على الفراغ، يضرب أخماس في أسداس، يصدر قادته القرارت والتصريحات والبيانات المتضادة في كل ساعة وحين.

وتبدومفاجأة بوتين، وكأنها لعبة شطرنج كبيرة متقنة ومحسوبة بالدقيقة والمليميتر، قد تسمح على الأرجح للاعب الشطرنج الحرفي - البارد الأعصاب - بوتين بإقصاء بعض "الليبراليين"و"العولميين" المحيطين به المساندين للغرب والداعمين لأمركة روسيا - حيث سيظهرون كعملاء وخونة للوطن.

وهكذا ستكون روسيا قادرة على التركيزعلى ما هومفيد لمصالحها الوطنية والجيو - سياسية في العالم - ومن حقها ذلك -

لقد وضع بوتين في هجومه هدفين أمامه: مداهمة الإطلسي وتقزيمه إلى حجمه الطبيعي - كما ظهر في حروبه في أفغانستان، ونزع السلاح من أوكرانيا وتدميرترسانته العسكرية التي أغرقها بها الغرب أوكرانيا طيلة ثماني سنوات، فقط لمناوشة روسيا وتهديد سيادتها وأمنها الداخلي القومي.

وقد فاجأ بوتين الكل ذلك بسرعة كبيرة، قبل أن يحاول الناتوالقيام بأي ردة فعل على الميدان

معظم حكومات العالم تقريبًا دانت العمل الروسي العسكري – وخاصة إسرائيل وتركيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة - ويروج الباقون لحل دبلوماسي للسلام في أوكرانيا .غيرأن الخبير بالجيوسياسة الدولية، وبخبايا اللعبة القذرة الغربية منذ نهاية الحرب الباردة، وتفكيك الأنظومة السوفياتية، والسعي إلى تفتيت روسيا بوتين عبرفبركة الثورات الناعمة والبرتقالية والملونة والربيعية في الألفية الثانية، سيعلم أن كل ذلك هو عين النفاق الغربي وغطرسته وأيضا جهله بفلسفة التاريخ وعظاته.

الخبراء المحايدون، يعلمون يقينا، أن أوكرانيا، طالما أنها نظام أوليغاري مختلق غربي جديد، تمتلك جيشًا ومليشيات مقاتلة . وطالما لم يتم القضاء على مجموعات "أوكرونازي" - النازيون الجدد الذين نصبتهم المجموعة الأوروبية وواشنطن والكيان الصهيوني - ، فلن يكون هناك سلام ممكن في أوروبا ولن تنعم روسيا قط بالأمن والإستقرار، خاصة بالنسبة لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المستقلتين.

باختصار، روسيا مضطرة لفعل ما فعلت (لأن الغرب التاريخي المعادي للشعوب الحرة لا ذاكرة له، ولا يفهم أي شيء آخرغير القوة)، فكان لا بد من إعطاء درس في السياسة الواقعية "لليانكيز"، وجميع أتباعهم وخدمهم وحشمهم في العالم .

لقد حان وقت العدالة. لأن "أوكرانيا زيلينسكي"، هي أحد الأقمارالصناعية لحلف شمال الأطلسي، وخطيرة على مصالح الدول الضعيفة وعلى مصالح الروس الإقليمية في أوكرانيا وعلى وسكان دونباس وروسيا.

لقد كان لدى بوتين ما يكفي من الحجج الدامغة للنفاق الغربي و الدولي، وعدم الثقة فيه - بالتجربة والممارسة - وعارفا بإزدواجية المعاييرالتي تشكل حجرالأساس للعلاقات الدولية اليوم - بسبب الأنجلو ساكسون - من خلال مناوراتهم الخبيثة المؤدية إلى تقليص أداة التنظيم الدولي - الأمم المتحدة وأجهزته - ، إلى لا شيء ومنعدمة الفائدة للشعوب المضطهدة غربيا، والمقهورة غربيا، لتصبح كل المؤسسات الدولية، مجرد أدوات للولايات المتحددة و الكيان الصهيوني .

وكلنا نعلم أن الحروب العدوانية الدموية التي لا حصرلها التي شنتها الولايات المتحدة ضد الشعوب المسالمة التي أرادت أن تتحرر: فيتنام، بنما، نيكاراغوا الكوريتين، وباقي الحروب الهمجية الأمريكية في جنوب شرق آسيا منذ الخمسيات والحروب الهمجية الأمريكية الإستباقية التي كان ضحيتها الشرق الأوسط وسكانه. - إنها المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة والكيان العبري والإرهاب الوهابي .

إعلام الإتحاد الأوروبي كله لم يتحدث قط ولومرة واحدة عن تعاظم النازيين المتطرفين في لاتافيا، مع أنهم يستعرضون كل يوم قواتهم المتعاظمة، ويتحرشون بالقوميين الروس وأنصارهم داخل أوكرانيا.

أما اليوم، فأعتقد أن بوتين وفريقه المقرب، سيفجران هذا الحصن الحصين للنفاق الغربي .سوف يتخلى بوتين عن لغة الدبلوماسية الناعمة المعلبة اللامجدية مع الغرب العدواني - بطبيعة تاريخه وطبيعته وحقيقة قيمه الإدعائية الكاذبة والإنسانوية المزيفة -

وسيكون على عكس بايدن وصبيه ماكرون - لن يمارس لغة الإهانات والسب والشتم ونشرالأكاذيب على غرار الساسة الغربيين منذ القرن التاسع عشر - ، وظل يمارس مع الغرب لغة حقيقة الحقائق، وعمل على تثبيتها على أرض الواقع، و سوف يقوم رسميًا وبإصرار شديد بتذكيرتاريخي بكل تلك الجرائم الغربية التاريخية السافرة والمخبأة تحت السجاد ...

في الواقع، أعتقد أن بوتين سيقوم في البداية بمعاقبة الحكام النازيون العنصريون في أوكرانيا، الذي جاؤا إلى الحكم على ظهور الدبابات الأمريكية وبأموال مجموعة بروكسيل منذ ثماني سنوات.– وسيقوم بتطهير أوكرانيا من الأوليغلرشية المالية المتعفنة والنازيين الجدد، وترويضها كبوابة جديدة للأطلسي المتربص للإنقضاض - بأمرمن البيت الأبيض - على الحدود الروسية منذ سنوات. ...

ومن هنا، فالعملية العسكرية الروسية المفاجئة في أوكرانيا، لم تكن من أجل الإحتلال والتوسع .بل كانت مجرد تنبيه وإنذار للغرب قبل القيام بعملية التطهير الكبيرة كخطة " ب" اللاحقة، في حالة ما إذا حاول الناتو - الذي لا قبل له تاريخيا - بمواجهة قوة عسكرية مهولة من حيث العدة والعدد والقيادة الروحية والإيديولوجية والعسكرية والروح القتالية مثل روسيا بوتين .

منذ العملية الأولي الروسية، إستسلم الكثير من قادة الجنود الأوكرانييين، وألقى الآخرون أسلحتهم وعادوا إلى منازلهم، كما نصحهم الجنرالات الروس.

. يتعين على" الأوكرونازي" أن يدفعوا ثمن الجرائم التي ارتكبوها على مدى السنوات الثماني الماضية، حيث يوجد ضمنهم بريطانيون و أميركيون وبولنديون .

لقد إنتهت ألعاب السنوات الثماني الماضية وبدأت إبادة الفئران والصراصير. ويبدوأن عام 2022 سيكون نهاية الإمبراطورية (الأنجلو - صهيونية )، وستتراجع بعض الدول المرتعبة المنبطحة للغرب لكي تلتحق بالمعسكرالحلزوني المزدوج للتعددية، روسيا والصين.

لن تجتاح روسيا أوكرانيا، بل سينسحب الجيش الروسي فورا عندما يتعلم الغرب الذي نصب النازيين الأوكرانيين الجدد - على الحدود الروسية - من أجل التحرش بروسيا، ليعلم الغرب أنه لن تكون هناك فرصة ثانية للعب في الحديقة الخلفية الروسية …

لكن نعم، إنه الموت الحتمي القادم المعنوي للغرب المتغطرس، والموت المادي العسكري للأطلسي - (الذي حتى ترامب المتصعلك وصفه في حملته الانتخابية في عام 2016 ب" العدمي والعديم الفائدة والمكلف للميزانية العسكرية الأمريكية).

وفيما إذا نجح بوتين في عمليته التطهيرية في أكرانيا - حصان طراوادة الغربي ضد الروس - ! اسيكون العالم الجديد مفتوحا للجميع وإعادة تأهيل القيم الإنسانية، و نهاية الاستبداد، نهاية الافتراس الوحشي الغربي، وقد نشهد نهاية إمبراطورية الشر، والدولار الإلهي، وبعدها ستعيش البشرية لحظة عظيمة!

" الأوكرانازي " - أو " ukronaze - كما يطلق عليها المثقفون الغربيون المناهضون للأمركة وللأطلسي– تهتز تحت رعب الطاحونة الروسية العسكرية التي تساقطت على مينائي ماريوبول وأوديسا

القوات الجوية لحلف الأطلسي - مرتعبة - ، لم تتمكن من التحرك خارج المجال الجوي الدولي: فإذا تلقي قواده من واشنطن بدخول المجال الجوي الأوكراني، فسيتم التعامل مع الأطلسي تلقائيا من قبل الطائرات الروسية وتدميرالقواعد الأرضية التي إنطلقت منها.

أعتقد أن بوتين ضرب بعنف وعزيمة، وقلب الطاولة على الغرب بقوة. ربما أراد بوتين الذي كان يتحدث عن أسلحة روسية جديدة في مارس 2018، أن يقول للغربيين نحن مسالمون، وحضاريون، لكن لا تحقروننا وتستخفوا بعقولنا كما تفعلون منذ نهاية الحرب الباردة، فلا تتلاعبوا بنا، فإن تحركتم ضربناكم وإن عدتم عدنا".

للأسف الشديد، فإن حمقى الغربيين المتنجرسين لا يفهمون التاريخ ولا يعقلون مواعظه، وذاك ما رأيناه في الحربين الأوروبيتين 18 و 38 ووناغازاكي وهيروشيما .

الغرب المنهاروالمتنرجس والمتغطرس كان في كل تاريخه الطويل أقرب إلى الحماقة منه إلى الحكمة - ولو إدعى أنها إغريقية -

 فرنسا وألمانيا، اللتان كانتا محايدتان - عكس إنجلترا - ، وكانتا ضامنتين لاتفاقيات مينسك، إلا أنهما مسؤولتان بشكل رئيسي عن الوضع اليوم.إذ الواضح أنهما متواطئتان حتى النخاع - من وراء الأستار - في عسكرة لميليشيات المرتزقة التي جمعها اليهودي المتصهين "بيرنارهنري ليفي"(عراب ومُنَظِر ثورات الربيع العربي) وزودتا النازيين لوجييستيا وماليا وبمتطوعين من الأوروبيين المعادين لروسيا القيصرية التاريخية، والمعادية لروسيا الجديدة الحالية وللقوميين الروس في كييف، وهذا ما سيعقد من سير الأحداث القادمة. ولكن لا بد مما ليس منه بد.

فالغرب سيقوم بما ظل يقوم به دائما عند الأزمات، وبوتين سيقوم بما يمليه عليه واجبه القومي والوطني .

 

د.الطيب بيتي

 

 

في المثقف اليوم