آراء

كريم المظفر: أردوغان في سوتشي لإعادة الود مع بوتين

أفاد الكريملين أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري، في وقت لا يُعرف سوى القليل عن الاجتماع، ووفقا لبعض المصادر، فإن بعض التكوينات الجديدة لصفقة الحبوب ستكون موضوع المحادثة، حيث تمر تركيا بأوقات عصيبة بسبب ارتفاع التضخم في البلاد، ويحتاج الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تجديد "صفقة الحبوب" بأي وسيلة، حسبما قال أجدار كورتوف، عالم السياسة والمستشرق، لبرافدا.رو .

ويؤكد المراقبون، إن أردوغان يعرف شروط الجانب الروسي لاستئناف "صفقة الحبوب"، لكنه لا يزال يأمل في لقاء مع بوتين، فقد أصبحت موسكو وأنقرة مترابطتين الآن، لكن لا يزال هناك "برود" في العلاقات بين البلدين، فبالإضافة إلى قضايا صفقة الحبوب، ستتم مناقشة بعض المشاكل الأخرى، لكنها موجودة بالفعل، وليس سرا أن تركيا تزود أوكرانيا بالأسلحة، والعديد من المشاكل الأخرى في العلاقات الثنائية".

وخلال زيارته لموسكو، وتمهيدا لزيارة أردوغان، قدم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى موسكو مقترحات جديدة لاستئناف اتفاق الحبوب، وأكد الجانب الروسي الحاجة إلى "ضمانات تؤدي إلى نتائج ملموسة"، ومثل أوكرانيا، تعمل روسيا على إيجاد طرق بديلة لتصدير حبوبها، وذكرت صحيفة بيلد الألمانية، نقلا عن مراسلات رسمية بين وزارة الخارجية الألمانية وسفارتي روسيا وتركيا في الفترة من 21 يوليو إلى 8 أغسطس، أن روسيا وتركيا وقطر يعدون اتفاقا جديدا ليحل محل صفقة الحبوب.

وبحسب المنشور، فمن المفترض أن يتم توريد الحبوب الروسية إلى الدول الفقيرة، وخاصة الإفريقية، وستعمل تركيا كمنظم لهذه الشحنات، وستكون قطر راعية، وزعمت صحيفة بيلد، فقد كان من المفترض توقيع الاتفاقية الجديدة يومي 19 و20 أغسطس في المجر، حيث وصل أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ورئيس تتارستان رستم مينيخانوف، بالفعل إلى بودابست للمشاركة في الاحتفالات بمناسبة عيد القديس ستيفن، ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ عن أي محادثات ثلاثية أو اجتماعات بين قادة تركيا وقطر ومينيخانوف، فالأخير، هو نفسه كتب في قناته على " تلغرام" فقط عن لقاء مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

وتؤكد صحيفة حرييت التركية أن فيدان مسؤول عن تطوير صيغة جديدة لصفقة الحبوب، ففي 25 أغسطس، زار كييف، حيث أجرى محادثات مع الرئيس فلاديمير زيلينسكي، ورئيس الإدارة الرئاسية لأوكرانيا أندريه ييرماك، ورئيس الوزراء دينيس شميجال، ووزير الخارجية دميتري كوليبا، وأعربت السلطات الأوكرانية عن عدم رغبتها في العودة إلى الاتفاق السابق، لكنها مستعدة للنظر في مقترحات جديدة، ويجب على وزير الخارجية التركي الآن أن يستمع إلى الموقف الروسي، ثم يتصل بالأمم المتحدة ويقترح صيغة نهائية لاتفاق جديد يمكن طرحه للمناقشة في سوتشي.

ومع ذلك، فإن رسالة وزارة الخارجية الروسية قبل المحادثات بين وزيري خارجية البلدين الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي فيدان في موسكو، أعلنت عن نية الوزراء “العمل على معايير تنفيذ مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتنظيم توريد مليون طن من الحبوب الروسية إلى تركيا”، وبسعر مخفض وبدعم مالي من قطر للمعالجة اللاحقة للشركات التركية، والشحنات إلى البلدان الأكثر احتياجًا، وقالت الوزارة إن موسكو "تعتبر هذا المشروع بديلا عمليا أمثل لاتفاق البحر الأسود"، لكن، وقبل ساعات قليلة من بدء المفاوضات بين لافروف وفيدان، كشفت وكالة ايتار تاس الروسية، عن نية وزير الخارجية التركي عرض على محاوره استئناف صفقة الحبوب في نسختها الأصلية، فقد ذكرت تركيا مرارا وتكرارا أنها تؤيد استئناف ممر الحبوب بشكله الأصلي بمشاركة الأطراف في اتفاقيات إسطنبول، ونقلت الوكالة عن دبلوماسي تركي لم تذكر اسمه قوله إنها تعتبر هذا الإجراء الأكثر فعالية وأمانًا في ظل الظروف الحالية لمنع توسع الصراع الأوكراني إلى البحر الأسود.

وفي مؤتمرهما الصحفي عقب محادثات موسكو، والذي استمر أكثر من ساعتين، قال فيدان إن استئناف صفقة الحبوب كان موضوعهم الرئيسي، و "كانت قضايا إحياء صفقة الحبوب أولوية في مفاوضاتنا اليوم" ، ولكن لدى روسيا متطلبات لضمان الإمدادات دون انقطاع من منتجاتها والأسمدة، ومن المهم الإجابة على هذه الأسئلة، وبمساعدة نشطة من تركيا، أعدت الأمم المتحدة حزمة من المقترحات الجديدة لصفقة الحبوب، وقال الوزير التركي، "نعتقد أن هذا يمكن أن يكون أساسًا جيدًا لإحيائه"، وأشار إلى أنه بحث مع لافروف التفاصيل الفنية لتجديد الاتفاق، وأضاف: «لقد درسنا اليوم التفاصيل الفنية، وسنقدمها لقادتنا، وسيناقشها زعماء الدول بالتفصيل في المفاوضات المقبلة. ولخص فيدان جهودنا في هذا الاتجاه.

بدورة اكد الوزير لافروف، إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وعلى هامش قمة البريكس في أغسطس في جوهانسبرغ، قدم له مقترحات جديدة للتوصل إلى اتفاق وأرسل له رسالة مقابلة، وقال "لقد أوضحنا بأمانة لكل من الأمين العام وأصدقائنا الأتراك أنه لا يوجد حتى الآن ضمان واحد في هذه الرسالة، فهناك فقط وعود بالمحاولة بشكل أسرع، والمحاولة بجدية أكبر، وكل شيء يعتمد على حقيقة مفادها أن الغرب يعيق حل المشاكل التي تمنع تصديرًا أكثر نشاطًا للحبوب والأسمدة الروسية"، والتشديد على انه لا يستطيع أعضاء الأمم المتحدة أنفسهم فعل أي شيء، فهم مجبرون على مطالبة الغرب بإظهار الحكمة، وإظهار نهج بناء، والغرب لا يريد القيام بذلك، ولخص الوزير، انه "وبمجرد عدم وجود وعود، بل ضمانات بنتيجة ملموسة يمكن تنفيذها غدًا، سيتم استئناف تنفيذ هذه الحزمة بالكامل اعتبارًا من الغد".

في الوقت نفسه، لا تهدف زيارة أردوغان إلى روسيا في الواقع من وجهة نظر المراقبين، إلى إقناع بوتين بالعودة إلى صيغة صفقة الحبوب هذه، علاوة على ذلك، فإن الصفقة في حد ذاتها ليست سوى غطاء لمناقشة قضايا أكثر أهمية بالنسبة لروسيا وتركيا، واكد عالم السياسة سيرغي ماركوف، في مقابلة مع فور بوست، إن نشر معلومات في وسائل الإعلام مفادها أن الزعيم التركي سيذهب إلى روسيا لمناقشة صفقة الحبوب هو تضليل متعمد للغرب حتى "لا يرتعشوا كثيرًا ولا يضعوا عقبات "، وفي الواقع، سيأتي أردوغان لمناقشة الموضوع الرئيسي الذي يناقشه هو وبوتين طوال الوقت، ويتعلق الأمر بكيفية الاستمرار في خداع الأمريكيين والأوروبيين وتجاوز العقوبات الغربية ضد روسيا، وهذا هو الموضوع الأهم الذي يدر مليارات الدولارات على كل من روسيا وتركيا، وهناك عشرات النقاط الدقيقة في هذا الموضوع والتي تتطلب المناقشة على مستوى رئيسي الدولتين.

وفي ضوء ذلك سيناقش الرؤساء أيضًا إنشاء بنية تحتية تسمح لموسكو وأنقرة بالتفاعل دون مشاركة الغرب، حيث لا تزال روسيا مهتمة برأي الدول الغربية فيما يتعلق بتنفيذ نفس صفقة الحبوب، لأن الاتحاد الروسي لا يستطيع تصدير حبوبه دون مشاركة الدول الغربية، ودون استخدام البنية التحتية للتجارة العالمية التي يسيطر عليها الغرب، ولهذا السبب سيناقش أردوغان وبوتين إمكانية إنشاء بنية تحتية جديدة للإمدادات البديلة تكون منفصلة تمامًا عن الغرب، حيث يستفيد أردوغان من صفقة الحبوب، لأن تركيا هي نوع من المركز لتنفيذها.

وبالإضافة إلى ذلك، فهو محرك قوي للسياسة الخارجية يكسب أردوغان من خلاله نقاطًا سياسية، لكنه يدرك جيداً أنه من المستحيل استعادة صفقة الحبوب لأن الغرب ببساطة يعرقلها، ولا يستطيع أردوغان أن يفعل أي شيء ضد ذلك، ولذلك، سيتم مناقشة تسليم الحبوب الروسية عبر تركيا، علاوة على ذلك، فإن للأتراك أكثر ربحية لحمل الحبوب الروسية، وليس الأوكرانية، بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا تشعر بقلق بالغ من خسارتها أمام الغرب فيما يتعلق بتصدير البضائع الروسي، ويتعلق هذا، على سبيل المثال، بالنفط من موانئ البحر الأسود الروسية، حيث تحتل اليونان الصدارة، حيث يتم تصدير النفط الروسي بنسبة 70٪ عن طريق اليونان التي دعمت العقوبات ضد روسيا، لكن أردوغان يرغب في أن تحصل بلاده على أقصى استفادة من تصدير البضائع من الاتحاد الروسي، و "في الواقع، يمكن لأردوغان اعتبار ذلك نوعًا من التعويض عن إغلاق روسيا للجزء الأوكراني من صفقة الحبوب".

ومن القضايا المهمة في الاجتماع، وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حل مسألة عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى وطنهم، والتي تعتبر السبب الرئيسي للانتقادات الموجهة لأردوغان داخل البلاد، والتي تسبب استياءً كبيراً لدى الأتراك، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لترحيلهم مرة أخرى إلى سوريا، ولكن أين يجب أن يتم نقلهم؟ يريد أردوغان نقلهم إلى الأراضي السورية التي تسيطر عليها تركيا - وهو شريط يبلغ طوله عشرات الكيلومترات على طول الحدود المشتركة مع سوريا، لكن السلطات السورية تعارض ذلك، فهناك حاجة إلى بعض التسوية بشأن هذه القضية. و أنه في تحقيق ذلك يمكن للرئيس الروسي أن يساعد.

إن تركيا تتاجر مع روسيا بأرباح كبيرة لنفسها، ولذلك، فإن أردوغان لا يتخلى عن محاولات إعادة صفقة الحبوب، وبغض النظر عن النتيجة فإن مثل هذه المفاوضات تجلب "نقاطا سياسية" لأردوغان، وأيضا أنه كلما زادت نشاط موسكو في استغلال الفرص المتاحة لأنقرة، أصبح موقف أردوغان التفاوضي أقوى في مجالات أخرى من العلاقات الثنائية، ومن غير المرجح أن تدعم تركيا أوكرانيا في مبادرة الحبوب، لكن ربما يكون هذا هو أكبر نقاط ضعفه، فقدرته على استغلال الفرص الناشئة ببراعة لتحقيق نجاح تكتيكي مؤقت، يفقد رؤيته للمنظور الاستراتيجي.

وان مقترح الصفقة الجديدة هو بديل لـ«صفقة البحر الأسود» السابقة التي شاركت فيها أوكرانيا، ️ومثل هذا المخطط اقترحته موسكو من قبل، في خريف 2022، لكن أنقرة والدوحة رفضتا، حيث هددت كييف بعرقلة الصفقة بحجة احتمال "سرقة الحبوب الأوكرانية من قبل روسيا، وتقترح موسكو استبدال الحبوب الأوكرانية بالكامل بالحبوب الروسية، والحديث هنا عن حجم مليون طن،، وبذلك فإن أردوغان وحده هو الذي سيحصل على 200 مليون دولار (أي دولة تركيا) كمكافأة للموافقة، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من منع ذلك؟ فالإغراء بالنسبة لأردوغان كبير جدًا، والخيار الذي سيتخذه "السلطان" سيظهر ما هو السائد: المصلحة التركية أم الضغوط من الغرب، وان غدا لناظره قريب لمعرفة الإجابة على هذا السؤال.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم