آراء

عبد الجبار العبيدي: هل أصبح الدين وسيلة لتدمير الشعوب في عصر المرجعيات؟

آن الآوان للعرب والمسلمين ان يعلموا ان اسلامهم اليوم بتشريعاته الفقهية المتعددة وبمذاهبه المختلفة هو ليس اسلام محمد الصحيح، بل اسلام الفقهاء وما اضافوا عليه من تشريعات سلطوية، لذا على المسلمين ان يطالبوا بألغاء الحديث المنقول الذي جاء منتحلاً من فقهاء العباسيين على عهدي البويهيين والسلجوقيين، والتفسير الفقهي القديم الذي لم يواكب تطور اللغة العربية ومعاني الكلمات، واستبداله بتفسير علمي جديد، لكي يتوافق مع القاعدة العلمية التي تقول "الحجة بالدليل" والا ستبقى الامة خارج التاريخ.

ثلاثة مراكز دينية حطمت مستقبل الوطن العربي الحضاري وأرجعته الف سنة الى الوراء، لا بل حددت مستقبل تقدمه الأنساني، نتيجة تخلفها الفكري والحفاظ على مصالحها الذاتية، وأصرارها على عدم تفسير النص الديني تفسيرا يتماشى مع صيرورة التاريخ، واصرارها على القديم الذي أكل عليه الزمن وشرب، والمراكز: هي مؤسسة الازهر في مصر، والمرجعية الدينية في العراق، ومركز الزيتونة في تونس، لأصرارها على أعتماد مناهج التفسيرالقديم للنص المقدس دون تغيير في التطبيق،

في العراق تحكمهم مرجعية دينية صنمية ميتة من زمن لا تهش ولا تنش ونتحداهم ان عرضوها لنا في مقابلة تلفزيونية لتتكلم مع المجتمع ولو بكلمة واحدة ولاغير"لأنها ماتت من زمن بعيد" والتي تدعي ان الدولة ملكا لها ومواردها سائبة لا صاحب لها الا، هم، لذا سكتت عن اصدارمجلس النواب لقوانين باطلة نهبت اموال الدولة (قوانين رفحا المنتحلة، والمحاصصة الباطلة، واحتكار السلطة نموذجاً) وغيرها كثير، وفي الازهر أعتمدوا البخاري ومسلم وبقية المحدثين الوهم، الذين جاؤا بأحاديث سلطوية ما انزل الله بها من سلطان في تأييد مرجعيات الفقه المخترع منهم، كما في أحاديث بحار الأنوارالملفقة، وفي الزيتونة طبقوا اقوال السلف الوهمية وكتاباتهم ولاغير، لذا طالب السيد الحبيب بورقيبة بتغيير مناهج التدريس وحقوق المرأة، فنجح في الثاني وتوقف في الاول، ولا زال المنهج كما هو دون تغيير،

نعم، عند العرب والمسلمين هذا هو ما كان ولا زال فينا يعرقل حركة تطورالتاريخ والتغيير، منذ أكثر من 1400 سنة جاء الاسلام لينقذ الامة من تخلف القبيلة في الحقوق ويعيدها الى الوحدة "هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون"، لكنه فشل فشلا ذريعا في تطبيق الوحدة والحقوق، فلم ينتج أسلامنا لا حضارة ولا وحدة ولا حقوق سوى السيف والنطع لنستعبد الشعوب بالغزوات التي سميناها فتوح، ابتداءً بمقاومة من اراد الشورى فسميناهم مرتدين فحاربناهم بالسيف، واعتدينا حتى على نسائهم باعتبارها غنائم وهم من المسلمين "مالك بن نويرة التميمي وزوجته ليلى العامرية ".ومن هنا بدأت القصة المآساوية التي حولها المؤرخون الى شريعة فتوح،

وما هي بشريعة ولا فتوح، فقد اكمل الله الدين، واتم النعمة، بأختتام النبوة وان الانسانية قد بلغت سن الرشد بمرحلة تحمل الاعباء فليس لاحد كائن من كان تنصيب نفسه حاكما عليها الا بموافقة شورى المسلمين، وهذا لم يحصل ابداً.

وحين فشلنا اخترعنا لأنفسنا حضارة واهية سميناها الحضارة الاسلامية ونسينا نشر الدين بقوة السيف وفتوحات الغاصبين للمال والجنس الذي لايتفق والنص المقدس المكين "لكم دينكم ولي دين"، وأدخلناه في مناهج التدريس لنضفي على الطالب تخريفات مرجعيات الدين الباطلة من احتقار لحقوق المرأة والعادات والتقاليد في العبادات دون تأصيل والنص يقول "اناخلقناكم من نفسٍ واحدةٍ " اي لكم نفس الحقوق والواجبات دون تفريق.لكنهم جاؤونا بامنيات الجنة للمتقين الفاسدين والخوف من النار للقائلين بضرورة التطبيق، والولوغ في الجنس وما ملكت ايمانهم في الزنى دون، شروط التحصين، فكان شعارهم (المؤمن والكافر، المؤمن له كل الحقوق والكافر عبدُ بلا حقوق"، ولاندري من هم؟.

وكأن الحياة في نظرهم هي فقط انتظار لما بعدد الموت وحسابات المقصرين،لكنها لم تصمد امام الحقيقة و التاريخ،، فخلال الزمن الطويل، علينا ان نعي حركة نهضة الزمان، اين عقل الدين اذن؟. فكر الانسان هو الذي أنشأ العقل والعاطفة معا وحضارة سومروقوانين حمورابي والفراعنة وبردياتهم والصينيين وما تركوا من قوانين، ونحن لا زلنا الى اليوم نشهد الصراع المرير بين العاطفة والعقل بأستمرار دون تأصيل.مع كل هذا التطور ظل العقل العربي عاطفي النزعة لاهيا بالجنس والحلال والحرام، والشريعة والتشريع منهم وكل تخاريف رجال الدين الذين يرون انفسهم فوق الاخرين، حتى عدوا ان موارد الدولة ملك سائب لهم دون القوانين، والسلطة والحقوق لهم دون الاخرين.

الشعوب التي ركزت على العقل هي التي فازت وتقدمت، والشعوب التي تبنت العاطفة هي التي فشلت وتدهورت،لكنها نجحت في التغلب على العقل كما عند رجال الدين الذين حولوا الحقيقة الدينية الى أقاويل عاطفية لكسب السلطة والمال دون تفكير"دولة الدين الفاسدة في عراق العراقيين اليوم مثالاً"، فظلت التقاليد الدينية هي الامل في الصلاح مبنية على الظن والوهم ورصاصة المتعصبين، وحين ظلت العاطفة تنتصر على العقل عند المسلمين وتذللهاُ لصالحها،لم تنتج لنا سوى جمود المنطق والأقاويل، وهذا ما وصلنا اليه اليوم في اعتماد نظريات الدعاء وليلة الجمعة وتخاريف الشيخ المفيد وابن تيمية وغيرهم كثير، وتقديس الاضاريح والموتى وزيارات الاربعين وما يسمونهم بالصالحين. أما أحرار.

النهضة الفكرية لن يسمحوا لها ان تنشط وتحرر الاذهان من عقالها فبقي النص يفسر دون تأويل، ودون النظر في صيرورة التاريخ والنظر في شئون الكون على اساس من الفكر غير المقيد، والعقل المتطلع المتعطش الى المعرفة الكلية، وعلى اساس من البحث العلمي والتجربة التي هي اصل كل كشف صحيح، وحتى لو ان من يمارسون البحث العلمي قليلين، لكن الذين وصلوا اليه ابهروا عقول اهل هذا الزمان ونبهوا الى ما لم يكن في الحسبان، فالوصول الى الهدف يتحقق بخطوة، لا بتهريج المؤذنين ولا زالوا الى اليوم مصرين على تطبيق الخطأ بقوة السيف لا المنطق الفلسفي في التصحيح.

لفظة العلم تحتاج منا الى تحديد، لا، ان نسمي فقهاء التخريف الديني بالعلماء (فنادوها بمجمعات العلماء زيفا على التاريخ) كما نجد في كتاباتنا وكتبنا كلاما لا ينتهي عن العلم والعلماء حتى قالوا لنا: "العلماء هم ورثة الانبياء" علما ان علومهم التي ينادون بها علوما لا تقتصر الا على علوم الدين من قرآن وتفسير وحديث وفقه طبعوها في مجلدات مزركشة ووضعوها خلفهم للتباهي بها لا تقرأ، ظناً منهم ان الانصراف الى دراسة ما سوى ذلك انما هو مضيعة للوقت وصرف الانسان عن عبادة الله، وهم مخطئون.

لقد اثبتت الدراسات البحثية اليوم ان العلم الطبيعي هو قاعدة العلوم في دراسة مظاهر الكون وما فيه من ابتكارات تتماشى مع تطور التاريخ على الارض، وهو الذي يفتح لنا كل مظاهر الكون الجديد لكونه يقوم على حقائق ملموسة لا تخمين وتخريف يمكن ادراكها بالحواس والتجربة العلمية الفعلية.فكل معرفة لا تقوم على تجربة علمية فهي ليست علماً، فارتقاء العلوم تقوم على تحليل المواهب الذهنية والفوائد التي يجنيها الانسان من علمه على الارض، لان التجربة هي اصل كل علم مبتكر حديث.ومالم يتقدم التعليم ضمن علم الفلسفة ام المعرفة والعلوم، ويتخلص من خرافات مؤسسة الدين ويكون على راسه العلماء لا المخرفين الذين ينكرون حتى علم الفلسفة في التحديث، لن يكون هناك تقدم او تحرير للعقول الى افاق الابتكار والتجديد، وهنا نحن علينا ان ننقض افكار افلاطون التي تدعي الوصول الى حقائق الاشياعن طريق المنطق وحده، وننقض الفكر الديني الذي يدعي الايحاء الظني دون دليل.

لم تتغير الحالة العلمية المعتمدة على المنطق الارسطاليسي وأباء الكنيسة في اوربا الا بعد فصل الدين عن السياسة واستخدام منطق العلم لفرنسيس بيكون المعتمد على العلم الطبيعي، الذي اعتبره قاعدة العلوم التي صنف فيها العلوم تصنيفا قائما على تحليل المواهب الذهنية القائمة على التجربة، فتقدم التعليم ومهد الطريق "لديكارت وباسكال في القرن السابع عشر الميلادي " الذين انهوا اسطورة الفكر العلمي القديم القائم على تفسيرات الكنيسة في التطبيق.وبذلك خطوا الخطوة الاولى الى الامام في دراسة العلوم كالرياضيات والفيزياء وغيرهما فقامت عليهما معظم نظريات التقدم والتحديث، الذي سخروه لخدمة المال والسلطة والانسان عن طريق الربط بين العقل والتفكيرالذي خدم تقدم المجتمع، وبذلك نقل مركز الثقل في العلم من الخيال الكنسي الى الواقع التجريبي اي من النظري الى العملي، ونحن الى اليوم لازلنا الى الوراء در.

هنا ظهرت المطالبات بأن يكون الجزاء على المنجزالعلمي على قدر المواهب والجهد المبذول، لا قتل العلماء والباحثين (هشام الهاشمي مثالاً) كما حصل في فكر الاسلاميين ظنا منهم بانهم سوف يبتعدون عن النص الديني القديم فتخسر الفئة المتخلفة مراكزها في التثبيت، وكذلك اهتموا بالعلم والخبرة في العمل وادوات التطوير، وان تكون للانسان حرية التصرف وان يكون آمناعلى نفسه وماله وثمرة عمله فتحول التفكير الى الفكر الاقتصادي النافع للجميع، وليس على حتىميات التفكير القديم المبني على الحسب والنسب والحق الموروث الذي بقينا نحن العرب والمسلمين نعايشه الى اليوم.

حتى تحول المجتمع عندهم الى قوة اوقفت الظلم وردت السلطة عن هواها.وبذلك اصبح الفرد المجتمعي عندهم محترما ومترفعا عن الكذب والفساد والدنية فنمى الوعي الخلقي بعد ان حولوه الى مناهج التدريس فنشأ القانون الجديد القائم على عقيدة التقدم، من هنا الغي فكر العصر القديم وتحدد موقف الكنيسة من الاعتراض فتحول المجتمع الى التقدم الحقيقي في التطبيق.

والذي زاد في تقدمهم هو ظهورالنخبة القائدة الملتزمة في المعايير والمقتدرة في القيادة لحفظ حقوق الجماهير، وهذا ما افتقدناه نحن امة الاسلام في الوفاء للقانون والمعايير وللمخلصين لها عبر الزمن الطويل، فلم نصل الى مرحلة الطموح والاخلاص للوطن، بعد ان جعلنا الحياة تتمثل في يوم القيامة وطموحات السلطة ونهب اموالها ليترفعوا عن بقية المسلمين، ولا اعتراض عليهم من مرجعيات الدين، لا بل هي ساهمت في التخريب، فبقينا خارج التاريخ،فلكل طموح حدود، ولكل توسع مدى.فأين نحن منهما اليوم،

هكذا، ظلت امة العرب والاسلام لاهية بترهات افكار مرجعيات الدين، والخلافات بين رجال حكم الصدفة والقتال المستمر بينهم وكل منهم يريد اسقاط الاخر، وفي التطبيق يتراجع عن وعود القسم واليمين حينما يملك السلطة والمال كما نرى اليوم في كيفية التمسك بالسلطة والاستبدادفي الحكم بالعنف والقهرفي مجتمعنا العراقي الخائب في التطبيق، ومحنة الفلسطينيين اليوم جعلتهم حيارى لا يدرون ما يفعلون من واجبات الدين فأنظر الحاكمين اليوم لو بقوا الف سنة ماذا سيحدث لهم، و لن يسمحوا بالتغيير.

لقد حان الوقت للتخلي عن التعصب الديني والمذهبي والقومي الباطل، لذا يجب الاعتراف بان الحقيقة الدينية تتغير وتتطور وليست هي مطلقة ومنقوشة فوق حجر، وان التطور هو ثورة لها اساليبها التي ترتبط بتوفر القيادات المخلصة المستقلة والاهداف الواضحة والبناء الوطني السليم، ساعتها تتحقق معجزة التقدم في الوطن، فمن حكم العدل وصل، ومن خانه سقط،

ايها الحاكمون انقدوا انفسكم من هذا التصرف الخاطىء، فالنقد اساس التقدم، ونقد الدين وتوجهاتكم التي عفا عليها الزمن اساس كل نقد، ان أهم اسباب الفشل عندكم هو، عدم الاعتراف بالخطأ، او الاعتراف به دون تطبيق، الدنيا تغيرت فمن لا يتبصر يتخلف وينتهي الى ابد الابدين، كما انتهت امة العرب والاسلام اليوم وأصبحت خلف مذلة المتقدمين.

علينا اليوم ان ندق ناقوس الخطر، ونبتعد عن الملهيات والمغريات لنصحح ما يحتاج الى تصحيح، وتصفية ما يحتاج الى تصفية، فالزمن يجري دون تحديد.وجهة نظر نعرضها للحاكمين الذي الهتهم تجارتهم بالخطأ دون عقل مكين. أعترفوا بالحقيقة فالاعتراف بها هو ضمان النجاح للوطن والحاكمين؟.

مستعدون للحوار.

***

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم