آراء

كريم المظفر: أيها الغرب لا تعيب، فإن العيب فيك!!

كريم المظفرمرة بعد مرة، ومرات بعد مرات، يكشف الاوربيين والغربيين بشكل عام وبضمنهم الأمريكان، عن وجههم "القبيح"، ونواياهم المبيتة تجاه الشعوب الأخرى، وبالطبع، ونحن العراقيون، لم نفاجئ بمثل هذه التصرفات التي تمارس الآن ضد روسيا، لا شيء سوى لن موسكو طالبت بضمانات أوربية " مكتوبة " وليست شفهية، التي وعدت الغرب بها قبل 30 سنة، واليوم " لحسها "، ووضع أوكرانيا في خط المواجهة مع موسو، بفضل جهل قادة كييف لأهداف الغرب الحقيقية .

 لا نريد أن نطرح أمامكم هذه المرة المسببات السياسية للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والدور الأوكراني وبدعم أمريكي والأوربي فيها لاستفزاز روسي للقيام بهذه العملية والتضحية " بأوكرانيا "، لأنهم يعلمون جيدا الفارق الكبير في القدرات والامكانيات العسكرية والتسليحية واللوجستية، وإن ما يقدمونه من معدت عسكرية هي لا يمكن وصفها إلا " بالرمزية " لأنها لن تكفي حتى ليوم واحد في العمليات العسكرية، ولا نتكلم عن العقوبات "الظالمة " التي شنها الغرب لى روسيا بشكل سريع ومنسق .

 اسمحوا لنا هذه المرة أن نتطرق الى الجانب الإنساني في هذه العملية، والذي أكد الغرب استهتاره بكل القيم الإنسانية والإخلاقية، بممارسات، لا يمكن القول عنها إلا إنها، كشفت الوجه الحقيقي الغربي تجاه الشعوب الأخرى، والتي سبق وان كتبنا عنها وفضحناها عندما تعرض بلدنا لأبشع هجمة غربية عرفها التاريخ، بمشاركة 33 دولة، دمروا فيه كل شيء حي على أرض العراق .

 الصورة الإنسانية الأولى هي تلك العنصرية التي يمارسها الغرب ضد الجنسيات الأخرى المتواجدة في أوكرانيا، وجلهم من الطلبة الدارسين و العاملين في كييف والمدن الأوكرانية الأخرى، (من ذوي البشرة السمراء والسوداء حصرا) والذين أضطروا للتوجه الى الحدود الأوكرانية مع دول الجوار، حالهم حال لأوكرانيين، جلهم معظمهم من الأفارقة والهنود والشرق الأوسط، لكنهم جوبهوا بأساليب تعسفية، وانزالهم وطردهم من القطارات التي خصصتها بولندا لنقل المهاجرين، وحتى الذين استطاعوا الإفلات والوصول الى المدن البولندية تعرضوا لاعتداءات في مدينة بريشميسيل، وكشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أن العديد من الأفارقة تعرضوا لمعاملة عنصرية وقاسية على الحدود الأوكرانية المجاورة لدول الاتحاد الأوروبي أثناء فرارهم من البلاد، وتركهم في البرد دون طعام أو مأوى، واحتجزتهم السلطات الأوكرانية وحتى ضربتهم، " بالعصي، وينزعون ستراتهم، وكانوا يصفعونهم ويضربونهم ويدفعونهم إلى نهاية قائمة الانتظار، كان المشهد مروعا".

 وهنا تبرز مسألة مهمة، هو ان هناك تصنيفا للبشر عند الغرب، فان كنت ابيضا، وعيناك زرقاوتان، وشعرك اصفر، فستسارع الى مدك بالسلاح، والوقوف الى جانبك واحتضانك، اما اذا كنت من البلدان التي ابتليت بقادة ونظام لا يعرف اللاإنسانية من شيء، ويهدر الأموال هو وأولاده واقاربه واصدقاءه، غير مبالين بقوت الشعب وحالاته الإنسانية، وتنشد الأمان لدى الاوربيين، فانت واهم، فالصورة اليوم كشفت بما لايقبل الشك ان الغرب يرى انه لا ضير في موتك او تهجيرك، او حتى في احتلال بلادك ونهب خيراتها، وتجربة جميع أصناف الأسلحة الجديدة على شعبك وبلدك، وكما جرى في حرب بوش " المعتوه " في العراق، لانك أصلا من درجة أقل .

 ما طرحه مراسل شبكة سي بي أس الامريكية يكشف بوضوح دى الحقد الكبير الذي يكنونه لدول العالم الثالث، ويؤكد ان الأوكران هم أناس متحضرين ومثقفين نسبيا اذا ما قورنوا بالعراق وأفغانستان، نقول له، ان العراق عرف الحضارة قبل ان تعرفونها، وبغداد والمدن العربية الأخرى، عرفت الثقافة، وتعلمت من العلماء العرب الفيزياء والرياضيات والجبر، لكن الفارق انكم اهتميت بها، ونحن ركناها على رفوف الكتب، اما أوكرانيا و بولندا وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا غيرها من الدول، كانت في منظور العالم الغربي سابقا هم من (الغجر) الأوربي، الذي يدقون الدف لمن يدفع اكثر، ولا يستحقون الاحترام، ولم يقف الامر عن هذا الصحفي، بل حتى مراسل الجزيرة (الإنكليزية) خلال تعليقه على تزاحم الاوكرانيين للصعود الى القطار هربا من العمليات العسكري، وراح يتغزل بملبسهم وشكلهم نظافتهم، وانهم (أي الأوكران) لايبدو انهم هاربين من الحرب، بل انهم ذاهبون الى اهاليهم في أوربا .

 أما رئيس وزراء بلغاريا، فهو الاخر عبر عن رأيه ان اللاجئين الأوكران هم ليسوا كاللاجئين الذي اعتدنا عليهم، انهم اوربيون مثقفون ومتعلمون ومسيحيون (الله يرحم أيام زمان)، نذكر المسئول البغارى (كوننا درسنا في هذا البلد 1988)، بأن بلغاريا وطوال حياتها تعتمد على العرب والأجانب وموارد الدراسة فيها، لما يقدمونه من خدمة جليلة للميزانية البلغارية من موارد كبيرة، ويوم سحب العراق طلبته الدارسين هناك عام 1979، والبالغ عددهم اكثر من 400 طالب، جاء رئيسكم يستنجد بإعادتهم، حتى انهم قدم اعتذارا رسميا بنفسه في مدينة (بابل) العراقية، حيث مسقط الطالب الذي قتل في صوفيا، والذي بسببه تم سحب الطلبة العراقيين .

 ولم يقتصر الامر عند الصحفيين والإعلاميين الغربيين، بل تعدى أيضا ووصل على لسان الساسة الفرنسيين، الذين قدموا مقارنات بين الشعب الاوكراني ومميزاته الحضارية، وانهم يرون شعب ابيض وعيون زرقاء يقتلون ويهجرون وبين الشعب العربي، الأوكران نظيفين ويرتدون ملابس نظيفة وجميلة ومتحضرون، ويركبون سيارات مثل " سياراتنا "، نسوا ان اكبر سوق ليس لسياراتهم الفارهة فحسب، وحتى منتجاتهم هو السوق العربي، وعندما يتخذ قرار ما لمقاطعة بضائعهم، يأتون " مهرولين " يستجدون المغفرة والعفو، وكما جرى عندما قررت العديد من الدول العربية وقف الصادرات الهولندية والدنماركية وغيرها، عندما أساؤا للرسول الكريم (ص) برسوماتهم .

 وفضحت ازدواجية الغربيين المقيتة، الإجراءات التعسفية التي اتخذت في الدول الاوربيين والتي شملت الطلبة وطردهم من دراساتهم في الجامعات الاوربية، وتعرض المواطنون الروس العاديون للهجوم بشكل عام، ولم يقتصر الامر عند هذا الحد الى مهن من المفترض ان تكون الجامع الأساسي للحب والسلام وبعيدة عن السياسة، كالفنانين مثلا الذين يعزفون في الفرق الموسيقية الاوربية او المتعاقدين على تقديم فعاليات فنية روسية في اوربا، ومن السخرية ان يصل الامر الى رفع عزف معزوفات موسيقية لجايكوفوسكي من احدى الحفلات الموسيقية،وألقت المذيعة الامريكية أوبرا وينفري، بكتاب الحرب والسلام من مكتبتها الشخصية، وفصل قائد الاوكسترا في مدينة ميونيخ الألمانية من منصبه لعدم ادانته العمليات العسكرية الرسية، و كذلك الحال في المنبر الرياضي، وحرمان روسيا من المسابقات الرياضية، وطرد الرياضيين والشخصيات الرياضية ومنعهم في المشاركة .

 الغرب المتشدق بالحضارة والثقافة، التي أصولها عربية وروسية وهندية، ما هو الا " زنديق بشري "، يحاول التغطية على النواقص الذي فيه، ونسي، ان العرب هم من علمهم النظافة والاستحمام، كما ورد في مذكرات ساندور ماراي " وثائق رسمية من اسبانيا " 1561 - 1761، بعد ان كان الاستحمام يعد كفرا في اوربا، والاوربيون كانوا كريهو الرائحة بشكل لا يطاق من شدة القذارة ن، وكان للطاعون نصيب في حصد نصفهم بسبب هذه القذارة، خصوصا في لندن وباريس، حتى ان مبعوث روسيا القيصرية وصف ملك فرنسا لويس الرابع عشر ان رائحته اقذر من رائحة الحيوان البري، والملكة ايزابيلا الأولى في اسبانيا، التي قتلت المسلمين في الاندلس لم تستحم في حياتها سوى مرتين، وقامت بتدمير الحمامات الاندلسية، ويقول المؤرخ الفرنسي دريبار، "نحن الاوربيون مدينون للمسلمين للحصول على أسباب الرفاهية في حياتنا العامة، فالمسلمون علمونا كيف نحافظ على نظافة اجسادنا "، وفي الوقت اذي انتشر في الاندلس 300 حمام، بقت الكنائس تعتبر الاستحمام كفرا، وان الكلمة الإنكليزية ( bathroom )، هي تمجيدا للرحال المسلم محمد باث الهندي، الذي علمهم كيفية الاستحمام والنظافة .

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

  

في المثقف اليوم