آراء

علي بن مسعود: أقطار الخليج ومُمكنات المستقبل

تُوصَف السياسة بأنَّها فن المُمكن، وتتمتع أقطار الخليج بمُمكنات كثيرة لكنها للأسف خالية من فنون السياسة وبعيدة عن الاستغلال الحميد، وبما أنَّ الحظ -وكما يُقال- لا يدق بابك مرتين، ففي تقديري أننا في اللحظات الأخيرة لهذا الحظ الذي يمكننا التقاطه لنعبر نحو المستقبل ونترجم فن الممكن في السياسة.

لا أحتاج هنا إلى تكرار المُكرر، والحديث عن الثروات الطبيعية لأقطار الخليج من نفط وغاز، والتي جعلت منها أقطارًا جاذبة لأطماع الأقوياء، لكنني أحتاج إلى التساؤل كمواطن عربي خليجي عن كيفية توظيف هذه الثروات الطبيعية والمنح الربانية لتنمية أقطارنا وشعوبنا.

لا شك أنَّ الوفورات المالية الكبيرة اليوم لبعض أقطار الخليج العربية جعلت لها صناديق سيادية مرموقة عالميًّا، وجاذبة لإغراءات الاستثمار شرقًا وغربًا، وهذا ما عزز من مكانة هذه الأقطار ماليًا، لكنه في المقابل لم يعزز من مكانتها اقتصاديًا؛ حيث ما زالت أقطار الخليج تحت رحمة الاقتصاد الريعي أحادي المصدر والدخل، وهو النفط أولًا والغاز ثانيًا، ولم تتمكن بعد من الانفكاك من هذه المعضلة المهددة لوجودها وفي أي لحظة. فالعالم من حولنا يغلي بالمبادرات والأفكار للبحث عن مصادر طاقة بديلة، بل وجغرافيات بديلة لمصادر الطاقة الحالية ونحن ما زلنا نحسب سنوات أعمار مخزوناتنا من النفط والغاز وكأن الزمن توقف عندنا.

وفوق هذا ما زالت أقطار الخليج تُنفق أموالها السيادية في مشروعات ريعية وأقرب إلى طابع الاقتصاد الطفيلي عديم القيمة المُضافة، كشراء سندات الخزينة الأمريكية والأسهم وقطاعات السياحة والاتصالات والرياضة، وجميعنا رأى مصير تلك الاستثمارات في خضم الأزمة الأوكرانية حين جُمدت وصُودر بعضها في وضح النهار. ما لم تتجه هذه الوفورات المالية الحالية في تقديري إلى بناء الإنسان أولًا والاستثمار به ثانيًا، والاشتغال على الاقتصادات الإنتاجية الضامنة للسيادة كالزراعة والصناعة، فسنبقى كمن يزرع في البحر.

ما زالت أقطار الخليج العربية اليوم مسرحًا للمتناقضات رغم مرور عقود من النشأة والتنمية والتجارب الحلوة والمرة، فما زالت الفجوة كبيرة في الدخول والرواتب بين أبناء هذه الأقطار؛ الأمر الذي يستحيل معه عقد اتفاقيات مُريحة وندية ومتكافئة، وكذلك انحسار القوة الشرائية في بعض الأقطار مقابل التبذير والإسراف والبذخ في غيرها، يضاف إلى ذلك وجود ملايين من العمالة الوافدة يشغل العديد منهم وظائف ويمارسون أعمالًا يُمكن أن يقوم بها المواطن، وفي المقابل تكدس ملايين المواطنين الخليجيين على قوائم الانتظار لفرص العمل في بلدانهم، وهذا دليل غياب التخطيط الاقتصادي الموحد بين أقطار الخليج في توحيد أجواء الظروف المعيشية، وغياب سياسات التشغيل والعمل في القطاعين العام والخاص فيها.

إضافة إلى غياب التفكير بحماية هذه الثروات بوجود قوة عسكرية خليجية تحمي الثروات والسيادة معًا، فما زلنا نبحث عمن نستقوي به شرقًا وغربًا في كل أزمة ومحنة وكأنه قدر محتوم علينا.

آن الأوان في تقديري وقبل فوات الأوان ومغادرة المُمكنات لنا وإلى الأبد، أن نفكر جديًّا في تكتل خليجي اقتصادي يستوعب وفوراتنا المالية ويخلق اقتصادات حقيقية بعيدة عن الريع ومظاهر الاقتصاد الطفيلي، ويوحد ظروف معيشتنا وإنفاقنا، ويدمج أبناءنا ومخرجات تعليمنا في سوق العمل؛ فلدينا من المقدرات الطبيعية والبشرية ما يجعلنا في أوضاع مثالية، بقليل من التخطيط والكثير من الإرادة.

يجب ألا نخجل من مواجهة ومكاشفة أنفسنا أولًا إذا أردنا أن نواجه ونكاشف الآخرين، ونخطو نحو المستقبل بقوة وثبات.

***

أ. علي بن مسعود المعشني

في المثقف اليوم