آراء

عبد الجبار العبيدي: بين الحقيقة والخُرافة في دولة الاسلام (2)

دولة عربية نشأت منذ القرن الأول الهجري وفق القاعدة الدينية الاجبارية وضرب الشورى لحصر السلطة والمال بأيدي القادة دون الناس، فكانت الخلافة الأسلامية بلا شرعية وحتى ىسقوط الدولة عام 656 للهجرة.

 وحينما عارضت الجماعة الخلافة عمدت الى ضربهم بالسيف خلافا لعقيدة الرأي والرأي الأخرالتي نصت عليها العقيدة الاسلامية، وضرب الخصائص الفكرية للمجتمع العربي حتى سمي عصر قبل الاسلام بالجاهلية، ولا ندري كيف سمي بهذا الاسم، وهم في مناهجهم المدرسية يدرسوننا المعلقات الشعرية والأدب العربي الذي سموه بالادب الجاهلي، الا هذا يعتبر تناقضا بين الحقيقة والتطبيق؟ لكنهم قيدونا بنصوص التقديس،  فضعفت الحاجة التي قررها الاسلام، وهي القدرة والعلم والصلاح مما ادى الى قيام سلطة العائلة والفرد الخارجة عن التشريع.

ابتداءً، أبعَدوا فلسفة الرأي في صنع الفكر، مما ادى الى تفسير النص بما يتناسب مع الحاجات السياسية المؤقتة بعد اهمال معارضة الرأي عند المشاركين من الانسان الاخر واثره في تكوينه الذهني، وأحلوا محلها فلسفة العقيدة على مقاساتهم، بعد ان اوجدوا مناخا لبروز مفكرين سياسيين وضعوا انفسهم في خدمة السلطة، من هنا ظهرت فلسفة نظريات التبرير لترجيح الطاعة للامام الفقيه، حتى اصبح الحاكم الظالم وفق التنظيبر الجديد أفضل من أنعدامه؟ من هنا انحرفت عقيدة القرآن حتى اصبح السلطان يصل الى السلطة بالاستيلاء والقوة الغاشمة؟ هذا العنصر المهم الذي أغفلته مناهجنا الدراسية وبقينا عنده آميين،  وراحت مناهجهم الدراسية والفقهية تشيد لنا ببطولات الفتوح واحتلال البلدان وسبي اهلها دون تفريق، فلاهم اصلحوا وطن،  ولاهم بنوا فلسفة ولا احترموا انسانية الانسان سوى التهريج في حكم الدين.

من هنا ظهرت نظرية الحياد في قضايا الدين والمصير، والحياد بلا شرعية دوما يؤدي الى السكوت عن الحق وتقوية جبهة الباطل التي ينظم اليها كل متردد وضعيف. هذا التوجه ولد لنا نظرية جديدة اخرى هي نظرية ضياع الحق بالتقادم بعد السكوت حتى ضاعت الحقوق بحجة تجنب الفتنة بين الناس والحاكمين، دون ان تدرك السلطة ان طريق العدل والمبادىء هي وحدها تضمن للمجتمع التوازن والثقة وتحقيق الحقوق.

من هنا انهزم العدل والحق امام قوة الباطل المسنود من السلطة، فتشكت المذاهب الفقهية التي تستند الى الرأي لا القانون وشعبية النص في التنفيذ.فاصبح الوقوف مع الحاكم الفاسد لكونه يملك سلطة قانون،  فتحولت الخلافة الى ملك عضوض كما في عهد الامويين ومن بعدهم العباسيين.

أما فتوحات الغرب منذ عصر الرومان لبلدان بقوة السيف كانت دراسة الفكر الحضاري القديم ساريا في ظل القانون رغم انهم وضعوه تحت سيطرة اباطرة الروم، فأحتفظوا على كل ما قامت به الانسانية من تجارب الماضي ولا زالت قوانينهم تدرس في جامعاتنا اليوم، في وقت اغلقت دولة الاسلام هذا التوجه الرصين وعدوه كفرا ضد توجهات الدين، فحاولوا الغاء الفلسفة وابتكارات الاوربيين بنظريات الماوردي (450 هج) التي تجيز انتخاب الامام حتى ولو برجل واحد. ونظرية ابن تيمية التي تدعو الى عدم فصل الدين عن الدولة سيعني الفوضى،، ونظريات الغزالي في نظرياته "الغاية تبرر الوسيلة، والضرورات تبيح المحضورات"لتبرير انتخاب الخليفة الظالم والتي تتعارض مع النص المقدس في الدين، وربما كانت هذه هي نقاط الضعف التي مكنت الاوربيين من غزو بلاد المسلمين، حتى أصبحنا مصطلحاً بين الأمم سموه هزيمة المسلمين.

النظريات تقول لا تفاوت بين اجناس البشر في الخصائص البدنية والعقلية سوى الاختلافات الظاهرية في الطول والعرض واللون بينما التركيبات البدنية واحدة والقدرات الذهنية واحدة وهذا ما اثبته العلم الحديث والقرآن أكد على هذا التوجه"انا خلقناكم من نفسٍ واحدةٍ".كل شعب من الشعوب اذا أزيلت من امامه العقبات يتقدم في كل ميادين النشاط الانساني اسوداً كان ام أبيضا، متديناً أم كان علمانيا،  الجنس الاسود في افريقيا مثالا.

ولا ندري أي اسلام هذا الذي يعبدون، اسلام داعش ام القاعدة ام طالبان التي اهملت نصف المجتمع (المرأة) واستعبدتها للجنس والتي عدوها هي والحمار والكلب الاسود في ميزان واحددة. أم مرجعيات الدين التي وظفت اموال المواطنين لها بحجة الخمس (نظرية لله خمسه) وحرمت منه كل المستحقين،  لتبني لها ناطحات السحاب في لندن وباريس المملوكة من مرجعيات الدين،  كما عملت في سرقة اموال الاوقاف دون محاسبة السارقين، بحجة اموال الدولة ملك سائب للحاكمين،  فهل بهؤلاء نبني دولة القانون؟

تبقى الطفولة التي أهملت من بين كل اجناس البشر فضاعت حقوق الطالب في المدرسة وابناء المطلقين في الصحة والعناية مما ادى الى الفصل بين الخيال والحقيقة، أنظر كيف يُخدم الطالب في مدارس الاوربيين (الكفار كما يدعون)، وبين مدارسنا الرثة التي لا تليق حتى بحيوان اهوار الخائبين، هنا يتخوفون من ادراك الحقيقة ليبقى الملك لهم، .فحين يزداد خيال الطفل اتساعا وتأخذ عواطفه في العمق ينتبه للعلم الحديث، هذا الذي يؤلمهم تطبيقه. او معالجة الاخطاء المنهجية وضرورة دراستها والابتعادعن اي منها يؤذي الطفل ويقلص من قدراته الجسمية والعقلية.فمنعوا التوبيخ له والضرب في المدرسة امام الاخرين وطرق معاقبته اذا اساء، بينما نحن العرب والمسلمين لم نلتفت في مناهجنا المدرسية الى هذه الخاصية فبيقيا نضربه اذا قصر في واجباته المدرسية ونعنفه لاتفه الاسباب فضلت عقدة الخوف والنقص تلازمه فنشأ معقدا لا يملك نمو الذهن الصقيل،  وملكة الابتكاروهذا ما تريده مؤسسة الدين، حبيس التربية الاحادية، حتى بقيت المدرسة كتاتيب بلا منهج ولا تدريب.

وظلت ظاهرة العنف والاهمال وتردي المنهج المدرسي والنظر للطفل على انه لعبة تُحرك كيفما يريدون مشكلة المشاكل في ايقاف تقدمه الفكري والمعنوي، وبقينا نخرج غير المسلم من دروس الدين، ولا ندري لماذا لا ندرس الاديان الثلاثة وهي دين واحد جاءت من رب العالمين، والقرآن يقول لمحمد: "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والأنجيل "آل عمران 48"، بينما بقيت ظاهرة الواقعية المادية هي التي تسيطر على فكر الطفل الاوربي،  التي أدت الى معرفته بفلسفة الحياة منذ الولادة وحتى النشأة وابعدته عن الفكر الديني المقيد للتفكير،  وفصلت الاراء الدينية المتزمتة عن فكره المتحرر فتحول نحو البحث والبرهان، الصحيح.لذا تراه منذ الصغر نبيهاً على حقوقه لايقبل ان يضرُ بها احد.

وتبقى البيئة الجغرافية لها الاثر الكبيرفي نشأته الحضارية ياخذ مادته منها لكنها ليست عائقا بفضل تطور العلوم، فكان مستعدا لان ياخذ منها كل جديد،  ولانه يعيش في بيئة باردة فقد مكنته من العمل والانشاء والابتكار والتطلع الى كل جديد.لكن الارادة البشرية تبقى هي الارادة حتى في المناخ الحار، والا كيف استطاع سكان جزر المحيط الهادي من نيوزيلند الى جزر الهاواي ان يثبتوا جدارتهم في تعمير هذه البلدان ويعبروا اليها بسفن لم تكن مؤهلة تماما لتنقلات الانسان.وكذلك صحراء العرب وما انجزوا فيها للانسان.

وظل العلماء والباحثين الحضاريين الى اليوم يركزون على التربية والنشأة الاولى والعقل،  ليستطيع الانسان التغلب على الظروف غير المواتية بدلا من الرضوخ اليها وتركها تشكله كيف شاءت، وبقينا نحن نركز على العاطفة والدين والغيبيات واهمال العقل.فرق بين انسان الخمول وانسان النشاط كما نرى بين انسان السودان اليوم المتخاصم على السلطة،  وانسان جنوب افريقيا الذي دخل معركة الحياة وانتصر والفرق بينهم كبير،  يعود لهمة وثقافة القيادة عند الطرفين.وحتى ابن خلدون لم يبتكر نظرية البيئة من عنده، بل هي التي ذاعت عند الاغريق كظاهرة من ظواهر الفكر الهيليني القديم. ولم ياتوا بها الا بعد العمل المضني والجهد بمنطقية الواقع الصحيح.

 وعندما قام المرحوم الحبيب بورقيبة في تونس من تحرير المرأة والغاء الزواج المزدوج اقامت عليه الدنيا مؤسسة الدين الدنيا وأقعدتها باعتباره ناكرا للتشريع، هذا هو مجتمعنا الخاطىء في التطبيق. ليبقي العربي والمسلم يهرول خلف المغانم في السلطة والمال والجنس ولا غير.

نحن نكتب للقارىء النبيه ان لا تفاضل بين اجناس البشر ولا علاقة للون والبشرة بينهم كل الثورات الاصلاحية اشتركت فيها الشعوب وكان هدفها الاول وضع دساتير الحرية والحقوق لا دساتير الشرعية التي تتفاخر بها مؤسسة الدين وهي اول الناكرين لحقوق الاخرين، كما في الثورات العربية اليوم.الشعوب اخرجت عبقريات مثل زرادشت وبوذاوا والعبقريات السياسية عند اليونان والرومان وفي حضارات الفراعنة والسومرين، وهي التي صنعت لنا كل عظيم في حياة الشعوب. لذا علينا ان نقيم الامور تقيما بميزان الاحصاء الذي لا يخطأ.ومهما يكن من أمر مادمنا نهرول خلف أئمة المذهب الفقهية المتزمتة من السُنة والشيعة وغيرهم واحاديثهم الموضوعة من أئمة الحديث الوهميين،  حتى نسبوا لأئمتهم الغيب، ,القرآن يقول:"لو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير، الاعراف 188، ".

سنبقى في خطر التوجيه الذي يؤدي الى انعدام صحوة التفكير حتى استبد بنا الضعف وحلت الغنيمة بديلا للحق،  والمداورة بديلا للمبادىء والتبعية للاجنبي بحجة الدين والمذهب بديلا للمشاركة، كما نحن اليوم.

احترموا شجاعة من يقول الحقيقة اوبعضها لنخترق دعاة الاديان المزيفة التي اماتت كل تطلعات الانسان في اوطاننا المقهورة منهم. فالتاريخ في ظاهرة لا يزيد عن الاخبار، أما في باطنه فهو الاحداث.

***

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم