آراء

كاظم الموسوي: طوفان الأقصى وطوفان الغضب الشعبي

سجّلت مفاجأة «طوفان الأقصى» يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدوداً كاشفة لما سبقها وما سيأتي بعدها. أبرزها هزيمة ما كان مطروحاً عن قوة الجيش الذي لا يقهر وقدراته الخرافية، وعن أجهزة المخابرات ومؤسساتها، وعن الانهيار في خطط حصار غزة، بمليونَيها والثلاثمئة ألف إنسان فيها، وجدران الحجز والحجر للمساحة المحددة في قطاع غزة، الثلاثمئة وستين كيلومتراً مربعاً وبامتداد طولي واحد وأربعين كيلومتراً، وعرض بين خمسة وخمسة عشر كيلومتراً، وبالاختراق الكبير لكل ذلك بما فيه أسلوب «الطوفان» وممارسته وهجومه براً وبحراً وجواً. وهو ما أذهل، ليس إدارة الاحتلال المحلية وحسب، بل إدارات الإمبريالية الغربية ورأسها الولايات المتحدة الأميركية، ورد فعلها المباشر انعكس على مختلف المستويات والأصعدة، إعلامياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وغيرها. وقيامها بالتعبئة الكاملة والشاملة، من تجييش وسائلها الإعلامية خصوصاً، والناطقة بالعربية منها، إلى التحشيد العسكري بمختلف الأنواع، عدة وإعداداً، من حاملات طائرات إلى قواعد صواريخ وقوات خاصة، وتسمين أغلب القواعد العسكرية المزروعة في المنطقة ومحيطها أيضاً.

بعد 75 سنة من النكبة والحصار والظلم والاضطهاد والنزوح واللجوء والسجن والقمع والإرهاب والتمييز العنصري وتفشي الفاشية في التحكم والاستبداد، تقدّمت فصائل المقاومة الإسلامية الفلسطينية وحلفاؤها وأذلّت كل ذلك الكيان الاستيطاني الوحشي، المدجج بكل ما تعنيه الكلمة، بكل أنواع الأسلحة والأجهزة والدعم والمساندة التي لا تقدّر نسبها ولا تحصى أرقامها ولا تعدّ أصنافها، عدداً وكمية وموازنة وقدرات. كل هذا تعرّى صباح ذلك اليوم الفاصل، وأعطى لصبر المقاومة الفلسطينية واستعداداتها وتحضيراتها، واستراتيجيتها وتكتيكها، أسباب النجاح والفوز وتحقيق الهدف لها وفي أعمالها، في خوض معركة محسومة ومسندة من محور ضامن، لا يتردّد فيها ولا يخاف من تهديدات وخطط الإمبريالية وإمبراطوريتها وقاعدتها الاستراتيجية، ولا يهاب تبعاتها وعدوانها المتواصل. بل عزمت وحققت وأنجزت، فكسبت ما كسبت وهان عندها خطر العدو والعدوان وركبت مركب النصر والتضحيات على طريق تحرير فلسطين، من الفاء إلى النون، وعاصمتها القدس الشريف، والأقصى عنوان طوفانها الهادر.

برزت وحشية العدوان وفاشية العدو مباشرة، في إعلان الحرب والرد بالنار وبالأسلحة المحرّمة، مسنوداً من آلة الحرب الإمبريالية، من حاملات الطائرات والبوارج التي مخرت عباب البحار إلى شواطئ فلسطين والمنطقة وإلى جسور الإمداد المتواصلة عبر السفن والطائرات وإلى المساهمة الفعالة والمكثفة من عناصر النخب العسكرية والوحدات الخاصة والمتدربين على الذبح والإبادة والقتل الجماعي. وكشفت هذه الأساليب الوحشية خسّة ضمائر الزعماء الغربيين وازدواجية معايير سياساتهم وكيلهم الكيل بأكثر من مكيال، فتنافسوا في الخداع والتضليل والكذب والنفاق، في خطبهم وإدارة وسائل إعلامهم واتخاذهم لقرارات تحظر التظاهر وحرية التعبير، وإصدار قوانين تعاقب كل من يؤيد حقوق الشعب الفلسطيني ويرفع علم فلسطين ويدين الحرب والعدوان على الفلسطينيين، متناقضين في إدعاءاتهم عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديموقراطية واحترام القانون.

أمام كل هذا، «طوفان الأقصى» وردّ الفعل الفاشي الصهيوغربي، اندلع طوفان غضب شعبي عارم، حمل رايات الانتصار للإنسانية والعدالة والحريات واحترام حياة الإنسان وكرامته وقيمه المشروعة. وعبّر عن احتجاج واضح ضد سياسات حكوماته ونهج الازدواجية والنفاق الغربي، خصوصاً، فامتلأت شوارع عواصم الدول ومدنها الرئيسية، التي شاركت في العدوان الوحشي، بالمتظاهرين الذين رفعوا شعار «الحرية لفلسطين» مصحوباً بعلم فلسطين، وطالبوا بوقف الحرب والعدوان فوراً. ورغم أن وزارات داخلية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأستراليا وكندا والسويد والنمسا وتابعيها المشتركين معها، أصدرت قرارات منع التظاهر ووضعت عقوبات على المتظاهرين وأوقفت عدداً من المشاركين ورافعي «علم فلسطين» ومارست أعمال إرهاب واقتحام لبعض بيوت لناشطين من الفلسطينيين والعرب الآخرين وحتى من الأحرار الأجانب، إلا أن التظاهرات المحتشدة فاجأت تلك الحكومات وأرعبتها بأعدادها الغفيرة؛ مئات الآلاف أو بالملايين، وتنشيط روح التضامن الإنساني العالمي وتحمّل كل تلك الإجراءات وظروف المناخ أو الأساليب البوليسية والمضايقات والتضييق العنيف.

لقد شاركت الجماهير الشعبية في التظاهرات في بلدان أخرى، كإسبانيا وإيرلندا كما في اسكتلندا وهولندا وبلجيكا وماليزيا وتركيا وإيران وكذلك في مدن عربية، كواجب عروبي، ومهمة عقائدية وقومية، في المغرب وتونس والجزائر ومصر واليمن والأردن والعراق والكويت والبحرين وعمان وسوريا ولبنان وموريتانيا وليبيا وغيرها، كما جرت وقفات لأعضاء نقابات ومنظمات مهنية وطنية وإقليمية، كنقابات العمال والمحامين والصحافيين وغيرها وطلاب الجامعات والمعاهد في العديد من المدن العربية والأجنبية. وفي المحصلة، حدث طوفان غضب شعبي عارم. طوفان يتوازى مع «طوفان الأقصى» ويسنده ويتماهى معه، ويكسب مدده ومداه، ويتقدّم عبر شوارع العواصم والمدن الأخرى في أنحاء العالم بمواقف إنسانية عامة وردود فعل تاريخية تثبت قوة الرأي العام وشجاعته في الدفاع عن الحقوق المشروعة وعن كرامة الإنسان والقيم الإنسانية المعهودة وفضح التناقضات وازدواجية المعايير وتجميل الانتهاكات للقانون الدولي والاختراقات للمواثيق والأعراف الدولية، وحتى الدساتير لأغلب الدول المشاركة في العدوان الإمبريالي، وتعرية جرائم الحرب وتزوير الحقائق والانحياز الأعمى لجرائم الحرب والاحتلال الاستيطاني ضد الإنسانية.

طوفان الغضب الشعبي العالمي يتواصل مع تصاعد جرائم الحرب الصهيونية ويكشف المشاركين فيها بكل أصنافهم وإسهامهم والمتخادمين معهم في المنطقة، وهو ما لم يكن متوقعاً قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ويثبت أن العدوان الصهيوغربي على الشعب الفلسطيني، الذي يأخذ من قطاع غزة، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ذريعة وهدفاً رئيسياً للإمعان في العدوان الوحشي وفي التركيز على التدمير الشامل والإبادة البشرية الجماعية وتخريب البنى التحتية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة والمخابز وأبراج السكن المدني، من دون أيّ مراعاة لقانون أو حقوق أو نظم أو قواعد حرب أو اشتباك أو أخلاق عامة.

دفعت هذه الجرائم الفاشية عدداً من النواب الأوروبيين في البرلمان الأوروبي أو برلمانات بلدانهم، مثل إيرلندا أو إيطاليا أو إسبانيا، إلى المطالبة بمحاكمة العدوان ومجرميه الإسرائيليين وداعميهم وكل من يساندهم، وإيقاف الحرب فوراً، ورفع الحصار المستمر والمتصاعد بوحشية، وتوفير كل مستلزمات العيش الكريم، من طاقة وكهرباء وماء ودواء وغذاء وإعادة إعمار وبناء، دون انتظار أو تأخير، قبل اتساع المقاومة وخروج المنطقة كلها عن السيطرة.

جرائم الحرب الصهيوغربية تمادت أكثر من ادعاءات الإدارات المشاركة في تصعيدها وتجاوزت كل حدود أو قواعد أو قوانين، بشكل أكبر من سابقاتها، وهي موثّقة بالصوت والصورة، وأمام أنظار العالم كله، حكومات وقيادات سياسية، دولية وإقليمية، ومنظمات دولية، كأنها ارتدت نظارات سوداء عمّا يحصل ويجري من توحشٍ فاشيّ لا يمكن إنكاره أو تبريره أو التستّر عليه. حيث ستكون بالتأكيد وصمة عار وصفحة سوداء في التاريخ، للقيادات السياسية من أصحاب القرار وحكومات الدول التي تلطخت وجوهها بدماء أطفال ونساء وشيوخ غزة، والمنظمات المتناسية لبرامجها ومواثيقها وشعاراتها.

***

كاظم الموسوي

في المثقف اليوم