آراء

مصطَفَى غَلْمَان: "غزة" تفضح العقل الغربي

إذا ولد الرجال أحرارًا، فلن يشكلوا أي تصور للخير والشر، طالما بقوا أحرارًا. "باروخ سبينوزا"

في الفنون، كما في الثقافة والسياسة، يمكن للاضطهاد أن يجتاز حدود النقد والتأويل، ويصبح الصديق عدوا، والمؤنس بديلا عن الشيطان الكامن في الظل. هكذا، تتسارع أحداث النظرية الأمريكوصهونية (معي أو ضدي)، تماشيا مع سياسة الغرب الآن، تجاه مذابح غزة وإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره قسريا تجاه الموت الزؤام، حيث يتحول منطق الديمقراطية، إلى القيم المعكوسة، وتتداعى بإزاء ذلك، كل القياسات الإنسانية والكونية، في الحرية والمساواة والعيش الكريم.. ومقاومة الاحتلال؟.

انضم الفنان والناشط الصيني المعارض آي ويوي، المعروف بدعمه للقضية الفلسطينية، إلى قافلة المنبوذين في الفضاء الأوربي، مباشرة بعد الإفصاح عن رأيه في الحرب الراهنة على قطاع غزة، حيث تم إلغاء معرضه بليسون في العاصمة البريطانية لندن.

وعلى الرغم من خفة التعليق على الأحداث العدوانية المذكورة، واشتمال تصويره للصراع، كونه يجسد (شعبين وأرضين)، دون الإشارة حتى إلى فوارق الوضعيات وظروف الاحتلال واختلالات السياسة في النمطين المتناقضين، متمثلا بالقول، أنه "لا يوجد مكان للنقاش الذي يمكن وصفه بأنه معاد للسامية أو معادٍ للإسلام"، ومتجاوزا في عمق الحديث عن المآلات، أسباب وخلفيات العنف الدموي ومثاراته في الجيوسياسية الغربية والصهيونية، مشخصا بعض هذا الانزلاق، بالذهاب إلى أن "الشعور بالذنب تجاه اضطهاد الشعب اليهودي" قد انتقل إلى العالم العربي. مع أن الشعور باليأس تجاه ذلك، مرده الإذعان والتصديق القطعي للسردية التاريخية الغير بريئة، والمتماشية مع "الأسطورة"، و"القلق الوجودي النفسي".

يخالف آي ويوي، عبث الحرب الغربية الصهيونية على غزة، ويكبح أساساتها بقوة القيمة الحقوقية للعقل، وليس بالتدليل على حجم الخسارة، في مرماها السياسي الضيق. ويوجه فوق كل ذلك، سهام الانتقاد للبروبجندا المهولة، التي أطلقتها الآلة المدسوسة، والمدعومة بالمال والعتاد والثقافة .. ويقول، إن "الجالية اليهودية لها تأثير قوي في وسائل الإعلام والمالية والثقافة في الولايات المتحدة، وإن الدعم العسكري السنوي الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل بقيمة 3 مليارات دولار (2.45 مليار جنيه استرليني) يعني أن البلدين لديهما مصير مشترك".

ويحتمي المعارض الصيني المنتصر للحقوق الفلسطينية المشروعة، بحياديته الطقسية المكسوة بروح الفنان وصفاء السجية، مبادرا إلى تحقيق نوع من الإنصاف والعدالة، على نحو من الموضوعية، "دون إصدار أحكام أخلاقية أو اتهامات أو تقييم للأفعال البشرية"، لكنه، لم ينج من الاستخفاف والاقصاء ؟.

هو يعلم ذلك بالتأكيد، ولا يحتمل أي فرضية إيجابية تجاه رأيه، لدرجة أنه فضل أ يقول الحقيقة تعبيرا مفصحا، ودون تردد: "عند مناقشة الصواب أو الخطأ، لا بد أنني مخطئ. لقد اعتبرت دائمًا حرية التعبير قيمة تستحق النضال من أجلها والاهتمام بها، حتى لو جلبت لي مصائب مختلفة"، مستطردا "يجب بشكل خاص تشجيع الآراء غير الصحيحة. إذا كانت حرية التعبير مقتصرة على نفس النوع من الآراء، فإنها تصبح سجناً للتعبير. حرية التعبير تتعلق بأصوات مختلفة، أصوات مختلفة عن أصواتنا".

لا مناص، أن إلغاء ثلاثة معارض أخرى للفنان الصيني آي ويوي، في معرض ليسون في نيويورك وجاليري ماكس هيتزلر في باريس وبرلين، سيكون له وقع كبير على صورة الغرب المقنعة، حيث تنبت الديمقراطية في حقول الادعاء والتوجيه الإيديولوجي وقهر الإنسان، وهو ما ترجمه الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، في إحدى حواراته الأخيرة، حيث قال "الأمر ربما لا يكون سهلا، "ففي الواقع ليس الجميع ضد الحرب، وهناك أوقات يجرفنا فيها التيار، ويطلب منا أن نختار جانبا ونتخذ موقفا، أنا أتخذ موقفا من قلق الإنسان"، مؤكدا في السياق ذاته، أنه "لم تتعرض الإنسانية قط لمثل هذا القدر من المخاطر، لأنه إذا انتشرت الحرب على نطاق واسع واستخدمت الأسلحة النووية وغيرها، فإننا لا نعرف إلى أين نتجه، لأي تراجع، أو لأي انحطاط".

أليست الكراهية، مثارا ملحا لفوضى العالم الآن، وسط حشود متنطعة من البشرية، تريد لهذه الحربية الشنيعة، أن تكون مستقبلا لفكرة الاستحواذ القاسي، تحت رحمة الخوف والإمعان في دحض قيم التسامح والتشارك والإبداع؟؟.

***

د. مصطَفَى غَلْمَان

في المثقف اليوم