آراء

محمد المحروقي: بين ملائكية إسرائيل وإرهاب المقاومة.. بُنية التزييف

لا تخفى أحداث الحرب الدائرة اليوم بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على أحد، يمكننا أن نقول على مهل أن الأحداث التي بدأت في صباح السابع من أكتوبر أخذت منحنيات سياسية وإعلامية غير مسبوقة، ومع التدفق الإعلامي الضخم في تحليل وتغطية هذه الحرب من الجانب الغربي وبعض القنوات العربية، أصبحت الحقيقة جلية وواضحة، إسرائيل ملائكية كما ينبغي للإنسان المثالي أن يكون والمقاومة ما هي إلا مجموعات إرهابية تتغذى على القتل ولا قضية حقيقية تربطها بالواقع الذي تعيشه المنطقة، الفرضية التي أطرحها في الأسطر السابقة مستفزة، نعم هي كذلك بطبيعة الحال، وذلك لمن يعيش الواقع فعلا ولا يستفيض في نزع ذاته وروحه أخلاقيا من مبدأ التجذر الأخلاقي.

أليس الصراع في فلسطين المحتلة يدور حول التاريخ وما جرى قبله وما يُعمل من خلاله؟ تجرأت الأقلام أن تؤطر هذا الصراع في أحداث السابع من أكتوبر تحت كلمة الإرهاب وما هو إلا سقوط أخلاقي يدل على التهافت العقيم للكيان المحتل وأحضانه، والتقصي الغير موضوعي للقضية الفلسطينية وما دار في الماضي وما يجري في الحاضر التي عانت من ويلات التآمر الغربي منذ 1917 للميلاد، ما فاقم الأمر سوءا أن كتبت هذه الأقلام بما يعرف في السلك المعرفي بفلسفة الأخلاق والدخول في التنظير الأخلاقي للأشياء، أوهمت هذه الكتابات بأن المقاومة إرهابية وأنها اعتدت على إسرائيل الملائكية ولسان أقلامهم يقول هذه إسرائيل المسالمة التي لم تعتدي على البشر والأرض والشجر، هذه إسرائيل التي تحمل في طياتها خطط السلام والتنمية، وكما أسلفت فهذا الطرح غير موضوعي في هذا الباب، إذ أن التحليل للمنظور الأخلاقي لا ينطلق إلّا من جذر القضية نفسها فمنذ تطبيق الخطط الاستعمارية المتتالية من قبل الإدارات الغربية كوعد بلفور يأبى الغرب إلّا أن يرينا سياساته العنصرية واعتداءاته الغاشمة على المنطقة عموما وفلسطين المحتلة خصوصا.

تُحتم علينا الأحداث الحالية أن نتحدث عن الواضحات البديهيات وكأنما يخفى على جنود الصهاينة والمتصهينين العرب من المدونين والإعلاميين الواقع والصورة، تلعب إسرائيل وأذرعها الإعلامية من الشرق والغرب على توحيد صورة الفلسطيني الإرهابي، هذا هو النقل الإعلامي الدوغمائي الغربي للصورة الذي يؤثر علينا كعرب. تؤثر علينا مجريات القضية الفلسطينية كونها مكونا عربيا لا يمكن لأحد مهما شاء أو حاول أن يختزل ذلك من العرب الشرفاء المؤمنين بضرورة توحيد البقعة العربية في كل أحوالها وتحولاتها، ربما ستغير هذه الأحداث المتكررة من الوعي الشعبي العالمي، إذ أننا من استقراء تاريخي متكرر ليس علينا أن نعول على الحكومات فجُلها يجري بمجرى السياسات ذات المصالح النفعية والتي لا تنعكس على الشعوب بقدر ما تستفيد منها الأحزاب والكراسي السياسية.

دوما ما يكون النقاش حول الحقيقة محتدما بين البشر، إن المبدأ الأخلاقي المحكوم منطقيا هو المقياس الذي تدور عليه النقاشات وإذا ما استنبطنا فعلا أخلاقيا واحدا يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة فإن هذا الفعل هو المقاومة، هذه المقاومة هي طبيعة أخلاقية لشعب يتم قصفه وتهجيره واستيطان أراضيه، حتى مع الدعوات والاتفاقيات المزعومة كحدود 1967 ميلادي إلا أن الكيان المحتل يثبت للعالم أجمع بأن أهدافه ومساعيه في توسع دائم، لذا فإن الجدوى الوحيدة التي تعزز الوجود والحق الفلسطيني هي المقاومة لا غير، ومن واجبنا الأخلاقي والإنساني أن نقف بما نستطيع مع كل ما يدعم سبل المقاومة ويعزز قيمها ووجودها نحو بناء أرض حرة ذات مجتمع حر أبيّ كسابق عهده وعادته، لابد أن لا نستجدي العالم الغربي في القضايا الإنسانية العادلة بل لابد أن نتخذ موقفا يدفعها إلى احترام السيادة العربية في المنطقة وأقول هذا لأن الإدارات السياسية الغربية بنفاقها الأخلاقي ستبرر كل جريمة تشارك بها، هم يقتلون الفلسطينيين باسم المبادئ والقيم، حتى عند القصف الأمريكي للعراق وموت الملايين من المدنيين أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا بررت مادلين أولبرايت ذلك بالقول: "إن الثمن يستاهل"، وهذا المشهد لا يغيب عن الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعد متكررا في أغلب أحواله ويتضح هذا من المشاهد الوحشية التي نشهدها من المستشفيات سواء كان ذلك بالقصف أو إجبار المرضى والمصابين لمغادرة المستشفيات. 

إن الموقف الغربي السائد اتجاه منطقة الشرق الأوسط أصبح واضحا، هي سلطة مضللة لا أخلاقية يتبعها شرذمة من العرب تسعى إلى تغيير المناخات الفكرية المؤيدة للمقاومة ونبذ الاحتلال. هي مسارات توشحت برداء الرذيلة لأنها خالية من الأحكام الأخلاقية الفكرية هذه الأحكام ليست الأخلاق فقط، لكنها الأحكام التي تبني للبشر المسار التصحيحي للاعتقادات الموضوعية والبناء المعرفي المنطقي ذو المنهجية العلمية التي تستقي للإنسان حق الحياة، حق حب الحياة.

نحن أبناء جيل عربي متخم بالمآسي والكوارث التي تعصف علينا منذ قرون طويلة، اليوم لابد أن نطور مسار المقاومة الشاملة بمنهجية معرفية تضمن إحياء المبادئ والقيم العليا كوننا لسنا تحت مآلات القصف والتهجير إلى وقتنا الحالي بأقل تقدير، علينا أن نبني معرفة يحق فيها الحق ويطمس من خلالها الكذب والخداع الذي تمارسه الصهيونية وأذرعها منذ القرن الماضي إلى الآن، هذه المعرفة تكون قائمة على الوعي  والإدراك الإنساني بضرورة الكفاح بأشكاله المتعددة وصوره المؤثرة على الساحة الرقمية لصد البروباغندا الغربية المستعمرة وصد كل ما له علاقة بتزييف الحقيقة والميل نحو قبول الكيان المحتل، كذلك على الحكومات العربية أن تعيد النظر في ممارساتها التغيبية على أبناء الوطن العربي وتكف عن التطبيع العلني أو حتى التطبيع الناعم بمسمى البحث العلمي والثقافي لأن مآلاته على نفسها سيعود بنتائج وخيمة لن تمرره الذاكرة الشعبية العربية ولن يستسهلها تاريخ المستقبل.

***

محمد المحروقي – سلطنة عمان

 

في المثقف اليوم