آراء

محمد الموسوي: العراق وافاق المستقبل

يتسائل العراقيون ومنذ حوالي ربع قرن بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 حيث سقط الدكتاتور الذي تسبب حكمه في استشهاد اكثر من مليون شاب عراقي في حروبه العبثية عن افاق مستقبل العراق وها نحن الان فقدنا عقدين من الزمان ادت بتراجع العراق على جميع الاصعدة الى مستوى غير معقول من التخلف والفشل واصبحت المحافظات الجنوبية بشكل خاص في حالة يرثى لها !

ان هيمنة القوى الدينية من فئة الاسلام السياسي على مقاليد الحكم ليس بامكانها الا ان تؤدي بالعراق الى الخراب والدمار كما تثبت تجارب الدول المتقدمة حيث لم تنهض الا بعد الخلاص من هيمنة الكنيسة في عصر النهضة السحيق حيث حققت تلك الدول تقدما على جميع الاصعدة وقدمت للبشرية انجازات علمية وتكنولوجية لا تحصى  ويسير العالم اليوم بوتائر سريعة جدا تؤدي الى توسيع الهوة بين بلداننا "النامية او النايمة" وبين العالم المتقدم .

ان انتفاضة اكتوبر 2019 كانت بارقة الامل للعراق والعراقيين وارعبت قوى الظلام المسيطرة على الحكم كما اثبتت ان شباب العراق الواعي رغم كافة المصاعب هو امل المستقبل الواعد وتمكنت الانتفاضة من تحقيق الكثير في مسارها حيث نجحت في ارسال حكومة المجرم عادل عبد المهدي الى مزبلة التاريخ وارغموا البرلمان على تغيير قانون الانتخابات كما ان شعاراتها وعلى رأسها شعار "نريد وطن" عبرت عن وعي ونضوج عالي وحاول ازلام السلطة اغداق الوعود الكاذبة لتخليص حكمها الذي اوشك على السقوط .

لقد لملم ازلام السلطة اوضاعهم ويسيطرون حاليا ومن جديد  وبنفس اساليبهم البالية على كافة مقاليد الحكم ولم يتعلموا شيئا من تجربتهم السابقة ويتصورون مخطئين ان بامكانهم ارجاع عقارب الساعة الى الوراء ومحو افكار واثار الانتفاضة وهو المستحيل من عقول وافئدة العراقيين حيث في هذا الوضع الشاذ قد اعادوا قانون الانتخابات القديم وكذلك اعادوا حلقة الفساد الساقطة "مجالس المحافظات" الى العمل بعد عشرة سنوات من اختفائها لتكون حلقة فساد وسرقة على صعيد المحافظات اذ لايكفيهم كما يبدو "اللغف" والنهب المتواصل على الصعيد المركزي في الوزارات ومكتب رئيس الوزراء.

تشكلت الحكومة الحالية قبل اكثر من عام لتمثل جماعات الاطار التي خسرت الانتخابات واستحوذت بالرغم من ذلك وبشكل غير عادل على مقاعد برلمانية ليست من استحقاقها وطرحت الحكومة برنامجا مليئا بالوعود وفي مقدمتها محاربة الفساد " الذي انعكس في اطلاق سراح نور زهير صاحب سرقة القرن!" واجراء انتخابات برلمانية مبكرة تنصلت عنه لاحقا وبدل ان تركز الحكومة على برامج تنموية حقيقية نجدها مشغولة بخدمات بلدية صغيرة لغرض الدعاية والاعلان عبر ابواق من المرتزقة مهمتها تلميع صورة اي حاكم .

كيف يمكن للحكومة الحالية تقديم القتلة المسئولين عن قتل اكثر من الف شهيد في انتفاضة اكتوبر 2019 وهي في الحقيقة تمثل تلك المليشيات المجرمة كما ان الحاكم الفعلي المتنفذ هم مسلحين يستلمون رواتبهم من الدولة ولكن يخضعون في قراراتهم للاجنبي وقد ارتفعت في الاونة الاخيرة اصوات تطالب باخراج القوات الامريكية حرصا على سيادة البلد المنتهكة وليس هناك اي وطني لا يتمنى تحرير بلاده واخراج كافة القوى الاجنبية وينبغي ان ندرك بان قرار مغادرة الامريكان هو بيدهم وقد صرحوا مرات عديدة اصرارهم على البقاء وطالما هي قوات جاءت عام 2014 من جديد بدعوة من الحكومة العراقية فان اخراجها لن يتم الا عبر مفاوضات شاقة ليس للحكومة الحالية المراوغة والتي تكذب على الشعب قدرة حقيقية او حتى قد لا تكون لديها نية حقيقية على ادارة مثل هذه المفاوضات كما ان السؤال الاخر هو ماذا بشان القوات الاجنبية الاخرى كالقوات التركية او "الخبراء الايرانيين" .

ان الحاكم الفعلي في العراق حاليا هي المليشيات المسلحة والتي يصف احد قادتها رئيس الوزراء بمدير عام عندهم اي ان المليشيات تصول وتجول في الوطن وتنتهج سياسات تخدم مصالح دول الجوار على الضد من مصلحة الوطن وقد عادت اليوم الى عمليات الاغتيالات السياسية والتهديدات بقوة السلاح المنفلت والتي لا تعكس اي استتباب للامن عكس ما تدعيه الحكومة واما البرلمان العراقي في عاجز وفاشل عن اصدار اية قوانين تذكر عدى القوانين التي تصب في خانة قمع الاراء كما يجري حاليا في محاولات تمشية قانون المعلوماتية الذي يستهدف فرض المزيد من القيود على الحريات العامة .

ان الاوضاع الاقتصادية السيـة لاغلبية المواطنين والغلاء الفاحش الذي يزيد في افقار الناس في نجد بسبب الفساد المستشري طبقة من السراق والحرامية متخمة بسرقة المليارات من قوت الشعب والذي يعاني محروما من الخدمات الاساسية الضرورية كالكهرباء التي هي عصب الحياة في هذا العصر اضافة الى انحدار مستوى التعليم بكافة مراحله لمديات مخيفة وكذلك الوضع الصحي الذي انهار فيه عمليا قطاع الصحة الحكومية والتي يعتمد عليها كافة الطبقات المسحوقة .

ان حرب اسرائيل وجرائم الابادة التي ترتكبها بحق سكان غزة وخاضة المدنيين العزل وفي مقدمتهم النساء والاطفال قد سلطت الاضواء على الازمات التي تعاني منها منطقة الشرق الاوسط ومنها اوضاع العراق ومشاكله التي عجزت حكومات المحاصصة والطائفية الفاسدة المتسلطة على الحكم والتي لا تمثل في احسن الاحوال اكثر من 20% من المواطنين الذين فقدوا الثقة بهذه الزمر الفاشلة والتي ليس لها هدف سوى مصالحها الشخصية ومواصلتها لسرقة ثروات الشعب والتي ادت وتؤدي الى المزيد من افقاره .

ان مستقبل العراق ونموه وتقدمه مرهون بالخلاص من الحكم الطائفي المحاصصاتي الفاشل الحالي وهو سيتحقق على ايدي ابناء وبنات العراق التبتوا بتضحياتهم الهائلة في اكتوبر 2019 بانهم قادرين على تخليص العراق وانتشاله من وضعه المزري الحالي ولاشك فان الانتفاضاة القادمة عندما تحصل فستكون قد تعلمت الدروس والعبر من الانتفاضة السابقة وسيكون النصر حليفها لامحالة .

***

محمد الموسوي

 

في المثقف اليوم