قضايا

المنقلب والمتحول من الكلمات

qusay askarترددت كثيرا وانا أشرع في كتابة هذا المقال الذي يمكن ان يكون بحثا مطولا وسبب ترددي يرجع الى تلك الذكرى التي تعود بي الى اربع سنوات قضيتها في جامعة البصرة امتدت من عام ١٩٧٠ الى عام ١٩٧٤ يوم كان أساتيذ قسم اللغة العربية يدرسوننا البحث وطرق التأليف فيه وقتها كنت مغرما بالنحو والاعراب والصرف وهممت ان اختار البحث في اللغة فتحدث معي استاذي الدكتور حسن البياتي  ناصحا أن علي ان اختار موضوعا أدبيا لان انجرافي مع اللغة وهي من المواضيع الجافة التي لا خيال فيها  سيحدد كثيرا من موهبتي الشعرية والأدبية في الوقت نفسه أيد كلامه استاذي الدكتور زاهد العزي ثم قبل يوم او يومين كان لي حديث على الهاتف مع أستاذنا الناقد المعروف الدكتور عبد الرضا علي فذكرت له الكلمات المنقلبة والمتحولة ودار بيننا نقاش حول المسالة فتذكرت بعض الكلمات التي جمعتها حينذاك لأكتب فيها وهي وفق التصور ادناه:

 

اولا: انقلاب المعنى لسبب سياسي

وهو ما طرأ على كلمة اسرائيل وصهيون اسرائيل اسم نبي مقدس عند المسلمين والعرب على الخصوص  وكثير منا يسمون مواليدهم موسى وسلمان وسليمان وداوود غير ان العربي تحاشى التسمية بتلك الكلمة وكلمة صهيون بعد قيام اسرائيل .

استعمار كذلك انقلبت من معنى جميل الى مفهوم قبيح قال تعالى" هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا " اي جعلكم تعمرونها وهي من العمار والاستعمار مثل الفرنسي يعمر الاراضي التي يحتلها لمصلحته لكن على العموم تحول مفهوم الكلمة في اذهاننا من الإيجاب الى السلب.

 

ثانيا: الانقلاب التركيبي:

مما يستحب عند العرب ان يسمي احدهم مولوده اسما مركبا من كلمة عبد بإضافتها الى لفظ الجلالة مثل عبد الله عبد المعين عبد الباسط  عبد الْقَيُّوم عبد المعطي عبد المحيي  لكن مما يكره كراهة شديدة ان نسمي شخصا ب عبد المميت على الرغم من كون المميت اسما من اسماء الله الحسنى.

 

ثالثا: الانقلاب العنصري القومي او الطائفي

في مصر وبعض الدول العربية حين يخدع شخص ما شخصا ما يقول انه استكرده ويسال شخص شخصا يحاول الغش معه  انت تستكردني ، هذا المصطلح الخاص بالسخرية اشتق  من كلمة أكراد والأكراد قوم محترمون وقومية مسالمة واعية لكن عقلية بعض الناس اشتقت ربما عن غير وعي تلك الكلمة من اسم هذه القومية لتقلب المعنى الى معنى اخر، يمكن ان نضيف كلمة أعجمي في استعمالها المعاصر فالاعجم وفق تعريف القواميس اللغوية هو الانسان  الذي لايفصح والحيوان ، وورود الكلمة الان في كلامنا يتضمن معنى من معاني العنصرية  والتعصب.

ومثل ذلك ما نجده في السباب المألوف عند بعض سكان الدول العربية والمشهور بتعبير يا ابن الرفضي  والروافض هم في الأساس مجموعة من الصحابة رفضوا خلافة ابي بكر "رض"وفضلوا عليه علي بن ابي طالب"ع" فسموا بالرافضة او الشيعة ولا يعني رفضهم خلافة ابي بكر التمرد عليها فالروافض هم صحابة  فضلاء منهم سلمان والمقداد وأبو ذَر رضوان الله عليهم انخرطوا في خدمة الدولة والفتوحات لكن معنى الكلمة في اذهان الناس تحول الى مدلول سلبي.

 

رابعا: الانقلاب الجمالي

شيطان في اللغة العربية تعني القبح والشر والسيء لكن تلك الكلمة تصبح منبعا من منابع الجمال حين ترتبط بالشعر فتتحول الى معنى جمالي حيث كان العرب يظنون ان لكل شاعر شيطانا يلهمه الشعر وقد استمر هذا الاعتقاد الى العصر الراهن يقول الجواهري:

ناديت شيطاني فأحسن جابة    وهي المعاصي سيد الأرباب

ومن الانقلاب الجمالي مانجده في بعض الأسماء التي تخص الرموز الوثنية التي حاربتها الديانات التوحيدية الثلاثة حيث  قبل الناس تبنيها مثل كلمة عشتار وبعلبك وآشور وعطارد وغيرها .ومن ذلك مانجده عادة  عند العرب حين يسمون بالقبيح والنَجس طردا للعين والحسد وتحسبا لطول العمر مثل كلمة معاوية وهي الكلبة التي تعوي لتجذب الكلاب غرض سفادها وقت الإخصاب لكنها انقلبت الى اسم يسمى به كثير من الناس لسبب لا مجال  للدخول في تفصيلاته الان.

ومن الانقلاب  الجمالي مانجده في كلمة نصارى فلم يعد احد يستخدمها والمشهور كلمة مسيحي او مسيحيين مع الإشارة الى ان نصراني منسوبة الى قرية الناصرة كما ورد في لسان العرب"

نَصَرى ونَصْرَى وناصِرَة ونَصُورِيَّة (* قوله« ونصورية» هكذا في الأصل ومتن القاموس بتشديد الياء، وقال بتخفيف الياء): قرية بالشام، والنَّصارَى مَنْسُوبُون إِليها؛

الا ان الذوق المعاصر يتحاشى كلمة نصراني والشائع مسيحي.

 

خامسا: الانقلاب السياسي

كان اللون الأحمر في العصر الجاهلي ذَا مدلولات معينة منها انه اختص بمضر جد النبي محمد "ص" الأعلى ومنها انه كان لباس ساعي البريد وهو لون الراية عند بغايا مكة "البغايا المقدسات" فأية بغي تكون مشغولة مع زبون ترفع على بيتها راية حمراء لتعلم الآخرين انها  مع احد ما غير ان هذا اللون اتخذ معنى جديدا في القرن العشرين  بخاصة بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام ١٩١٧ اذ حين نخاطب شخصا بكونه احمر فذلك يدل على انه شيوعي او يحمل افكارا شيوعية.

 

سادسا: لانقلاب الايجادي:

وهو ان تَخَلَّق معنى جديدا في ذهن السامع لكلمة اما لم يسمع بها او انه سمع بها ووعاها بمفهوم اخر كقوله تعالى" و إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن ، أنسجد لما تأمرنا و زادهم نفورا " (الفرقان: 60) يرى بعض المفسرين ان العرب كانوا يعرفون مسيلمة باسم رحمن اليمامة لذلك لم يكن في بال اي منهم ان الكلمة تخص الله تعالى وذهب بعض المفسرين الى ان العرب لم يسمع بهذه الكلمة من قبل، فجاء التنزيل  ليوجد معنى جديدا للكلمة او ليغير معنى معينا  انصرفت اليه اذهان العرب ، وفي لهجتنا العامية العراقية كثير من الكلمات التي تجري على هذه الشاكلة والتي تحتاج الى وقفة وتامل.

 

سابعا: الانقلاب النفسي:

قد تدل كلمة ما على الخير او الجمال  مثل كلمة صدقة وجمعها صدقات وهي مشتقة من الصدق وفي الصدقات نصوص قرآنية والصدقة تعني استقطاع جزء من مال الشخص يذهب للفقرا ء لكن في أوروبا الان وبعض الدول الاسلامية تبدو الكلمة غير مقبولة من الناحية النفسية لذلك نجد هناك مكاتب تسمت ب"مكاتب المساعدات"او"مكاتب الضمان" وفي بريطانيا هناك مكاتب الصدقات charity وهي مؤسسات غير حكومية لكن حين تقدم الدولة مساعدات مالية دائمة ثابتة للعاطلين عن العمل فإن المكاتب تكون تحت عنوان نظام المساعدة"benefit"اما الدنمارك فلا تستخدم إطلاقا مؤسساتها كلمة صدقات "velgørenhed"بل نظام المساعدة "bestandshjælp".

 

ثامنا: الانقلاب التركيبي التحويلي:

هناك الكثير من الكلمات التي  تحمل اكثر من معنى  مثل كلمة عبد التي تعرفها القواميس اللغوية ومنها لسان العرب بان العبد يعني المملوك ، وياتي المعنى عبد من العبادة بالمرتبة الثانية ' ومن معانيها ايضا المستعملة في الشعر الجاهلي العبد بمعنى الخادم يقول المقنع الكندي:

وإني لعبد الضيف مادام نازلا   وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا

وهناك قول من مجزوء الرجز للنبي "ص":

انا النبي لا تكذب  انا ابن عبد المطلب

فكلمة عبد بإضافتها الى اسم الله : عبد الله تعني مملوكا لله لكنها اذا أضيفت الى غير الله فتعني الخادم اذ اعتاد المسلمون ان يسموا عبد الرسول وَعَبَد النبي وَعَبَد علي وَ عبد محمد وعبد الحسين وعبد الحسن ذلك ما يثير حنق المتزمتين من سلفيين ووهابيين وغيرهم ولو كان في تلك الإضافة شرك لما افتخر النبي "ص" بجده عبد المطلب ولنفرض ان الكلمة تعني العبودية وهي الملكية فالاسلام لم يحرم الرّق نعم انه لم يشجع على الرّق لكنه لم يمنعه في كل عصوره فقد كان هناك  من الخلفاء الراشدين والصحابة ممن له إماء وجوار ورقيق .

 

تاسعا: الانقلاب بالاختصار

كلمة إليك عربية فصحى مركبة من الى وكاف المخاطب في لبنان يتم حذف الألف (الهمزة)وتلفظ ليك بفتح اللام وسكون الياء والكاف وهي كلمة مقبولة مستساغة مألوفة وفي العراق يتم حذف الهمزة والياء فيقولون لك بفتح اللام وسكون الكاف وهي كلمة احتقار وذم قد تؤدي الى شجار وعنف ومعارك اي انهاانقلبت بالاختصار الى معنى مناقض لما هي عليه في الاساس.

 

عاشرا: تحول الكلمة بغير انقلاب:

لعل كلمة ما توضع أساسا لمعنى معين فتتحول الى معنى اخر مثل كلمة آنسة التي تعني في العصر الجاهلي والعصور التي تلته الفتاة التي يستأنس الى حديثها او تؤنس الآخرين بكلامها ثم أصبحت  تعني في اذهاننا الفتاة غير المتزوجة اذ صارت الكلمة لقبا نجده يثبت في السجلات الرسمية عند بعض الدول ، الجدير ذكره ان المعادل لكلمة آنسة في اللغة العربية عند الفرنسيين وهو مدموزيل صدر قرار رسمي بمنعه كونه يعد اهانة للمرأة .

ومن الكلمات المتحولة  كلمة صامد وصمد ، ورد في القران الكريم "الله الصمد" اي المقصود الذي يقصده الناس في العبادة  لكننا بدانا نمنح الكلمة معنى اخر هو الثبات وهناك مؤسسات عربية تحمل عنوان صامد بمعنى ثابت وأغان تمجد الصمود بمعنى الثبات.

ومن الكلمات التي تحولت الى معنى اخر مع احتفاظها بمعناها الأصلي كلمة " نظام" في وصف حكومة ما في بلد ما نقول النظام المصري والنظام السوداني والنظام الحاكم في تايلند وهو مصطلح جديد تحولت ضمنه الكلمة الى معنى جديد في ظروف معينة مع احتفاظها بمعناها الأصلي.

على أية حال البحث طويل وهو من مخلفات ايام الدرس في جامعة البصرة وهناك قائمة بكلمات كثيرة يمكن ان تؤلف قاموسا صغيرا عنوانه المنقلب والمتحول من الكلمات يجري ترتيب الكلمات فيه حسب تسلسل حروف الهجاء.

الاعلام الواردة في المقدمة حسب الترتيب الأبجدي:

الدكتور حسن البياتي،أستاذ العروض وادب الفترة المظلمة خريج جامعة موسكو ، عضوبارز  في الحزب الشيوعي العراقي التقيته عام ١٩٧٩ في البصرة خلال حملة السلطة على الشيوعيين واليساريين فكشف لي عن ظهره وأراني بعض اثار التعذيب فقلت له اني سأغادر فالبلد اصبح لا يُطاق واذكر انه قال لي الان حدثت ثورة في ايران اذا كان الجماعة البعثيون جادين في تحرير فلسطين فها هي ايران ستسند ظهرهم ليحرروا اذا" ،فقد بصره في اليمن بسبب حادث ، التقيته في منزله في لندن قبل سنوات فقال لي ان الحكومة قررت تعيين شخص يأتي الى البيت لكي يقرا له وَمِمَّاذكره لي انه يستمع الى مجموعتي رحلة الشمس والقمر ورواية نهر جاسم وذكر ان القاريء من مصر ولكون اسم  ابن بطلة الرواية  عبد "بفتح العين وكسر الباء وسكون الدال" وفق اللهجة العراقية لكن القاريء المصري يلفظها عبدو ، وقد ذكرته بنصيحته لي في الابتعاد عن البحث اللغوي فاجاب ها نحن ربحناك اديبا.

 

الدكتور زاهد العزي:

خريج يوغسلافيا كان يؤمن ان يكون للطالب رأيه الخاص ويرفض ان ينسخ طلابه آراءه وأفكاره درسنا الادبين الجاهلي والأموي وقد دفعتنا طريقته تلك الموصوفة بالديمقراطية التي كان يرمي من خلالها بناء شخصية الطالب  دفعتنا الى نصطدم مع بعض الأساتذة المتزمتين الذين يريدون من الطالب ان يكون تابعا لآرائهم فقط . في العام ١٩٧٦ اصدر أمرا بتعييني مصححا لغويا في المجلة التي يصدرها المركز الثقافي في جامعة البصرة نصحني بالابتعاد عن اللغة لانه يتوقع ان يسمع بي يوما ما أديبا لامعا وعلي ان اختار اذا احببت ان اكمل دراستي موضوعا في الادب لا اللغة. اخر حديث لي معه كان عام ١٩٩٣ حيث  علمت منه انه يحاضر في احدى جامعات السويد.

 

الدكتور عبد الرضا علي

شيخ النقاد العراقيين الاستاذ الفاضل ابو رافد موسوعي وناقد شهير اضاف الى مدرسة النقد الادبي العراقية إضافات منهجية مهمة وجدد تجديدًا واضحا ملموسا في المنهج النقدي لدى الدكتور علي جواد الطاهر ولولا د عبد الرضا لبقي النقد متوقفا عند منهج الطاهر حيث درس د عبد الرضا  شعر نازك الملائكة وتعمق في البحث في أدبها ولموضوعيته ونظرته العلمية لم يقتصر في دراسته على الأدباء العراقيين فقط بل تناولت دراساته كثيرا من الشعراء والاُدباء العرب.اود ان اذكر مادمت بصدد الحديث عنه انني تقريبا اهاتفه كل يوم او بين يوم ويوم فيجري بيننا حديث عن الادب  والشعر كان اخر حديث قبل يومين عن  كتاب مهم عن الجواهري للناقد العراقي  الدكتور سعيد الزبيدي الاستاذ في جامعة مسقط / عمان عنوانه معجم الفاظ الجواهري، وإشارته اطال الله في عمره الى قاموس الدكتور الزبيدي هي التي ذكرتني بموضوع انقلاب الكلمات وتحولها.

اطال الله في عمر استاذنا الدكتور عبد الرضا علي وأساتذتنا الكرام الذي وضعونا في الطريق الصحيح.

 

قُصي الشيخ عسكر

 

في المثقف اليوم