قضايا

اللغات وأسنان المشط

اللغات من حيث المبدأ كأسنان المشط . لا صغير بينها ولا كبير، بل هي وسيلة للتخاطب والتفاهم بين أبناء المجتمع اللغوي الواحد. حتّى إذا عظمت الأمة الناطقة بهذه اللغة أو تلك واتسعت بدأ لسانها يطول ولغتها تسود وترتفع وتترفّع على سواها من الألسن واللغات.

ليست الإنكليزية سيدة إلا بقدر ما ساد الإنكليز العالم. ولا الفرنسية كذلك إلا بعد أن صالت فرنسا وجالت ومدت نفوذها وبسطت جناحيها في مشارق الأرض ومغاربها. وكان هذا شأن العربية إبّان عصر الدولة العربية.

أمّا النبع الذي صدرت منه اللغات الأوربية وتلقت منه سيل مفرداتها وتراكيبها وبلاغتها فهما لغتان: اليونانية واللاتينيّة.

ولكم سمعنا أنّ في اللغة الأسبانية أو الإيطالية الكثير من الكلمات الإنكليزيّة !! بينما العكس هو الصحيح، لأنّ الإسبانية والإيطالية أقرب إلى النبع من الإنكليزية، فهما بنتان شرعيتان من بنات اللاتينية، بينما الإنكليزية جرمانية غريبة.

فليس من الدقيق إذن أن نقول إنّ هذه المفردة جاءت عن الإنكليزيّة أو عن الفرنسيّة. صحيح أنّ هناك مفردات هي من إبداع هاتين اللغتين، كحال مفردات أخرى من خلق لغات أخرى. فكلمات إنكليزية الاختراع هي ما يعرف بالـ anglicismo مثل (الفوتبول والشوبنغ والفوتنغ والمول) وأخرى من صنع الفرنسية هي الـ galicismo كمفردات (الكاباريه والشاليه والكراج والمكياج والدوسيه). كما هو الحال مع الإيطالية Italianismo كمفردات (البيانو البيتزا أو الكابوجينو أو الفرقاطة) أو الأمريكيّة Americanismo كمفردات (الكاوتشوك والشوكولاته والكاكاو والطماطة).

أمّا معظم كلمات جميع هذه اللغات فمصدرها كما قلنا هو اليونانية القديمة واللاتينية. وهذا هو ما يجعل الكلمة الواحدة تظهر في جميع هذه اللغات تقريبا، لأنّ مصدرها مشترك ونبعها واحد.

أمّا العلم المسؤول عن بحث أصول هذه المفردات و" تأثيلها " كما يقول البحّاثة المغامر المرحوم عبد الحق فاضل، فهو علم الإيتيمولوجي Etimología أو علم أصول الكلمات. وهو العلم الذي يدلنا، بناءً على قواعد صوتية وصرفية ومعنوية، على أنّ الحمض النووي لهذه الكلمة يشير إلى أنّها من أصل لاتيني أو يوناني أو عربي أو فارسي أو تركي ألخ.

وهكذا نرى أنّ sugar الإنكليزية و sucre الفرنسية و azúcar الأسبانية و açúcar البرتغالية و zucchero الإيطالية هي من كلمة " سكّر " العربية.

وأنّ كلمة estación الإسبانية و station الفرنسية و estação البرتغالية و station الإنكليزية هي من اللاتينية STATIO.

وليست مفردات الفيديو أو الراديو أو التلفزيون أو الكومبيوتر أو التلفون أو سواها من الإنكليزية في شيْ. بل هي كلمات لاتينية خالصة. فكلمة Vídeo هي الفعل video " أنا أرى " ، وكلمة " راديو " هي اللاتينية radius التي تعني " أشعة الضوء "، وكلمة Tele-visión يعني " الرؤية من بعيد "، وكلمة Telé-fono تعني " الصوت البعيد "، وComputer هي الفعل computare " يحسب " المستعمل في هذا المعنى بالإيطالية.

وبعد. فالإنكليزية والفرنسية من هذا المنظور لغات متلقية لا تفضلان سواهما في شيء، لكنّها السياسة والاقتصاد، وليست الثقافة، هما ما سيّداهما على لغات الأرض حتى كدنا ننسى القانون الذي يحكم الحياة وهو نفسه الذي يحكم اللغات.

 

  د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم