قضايا

(الأب) من الأكدية إلى اللغة العراقية

faheem esaalsaleemمن المعروف أن تعبير الأب والأبوة تعبير تشترك فيه أغلب اللغات العراقية القديمة الأكدية والآرامية بجميع فروعها وورث هذا التعبير العربية الفصحى بطبيعة الحال وكذلك اللغة المحكية العراقية.

وجدنا من خلال الدرسة والتحليل والمقارنة وجود تشابهات واضحة وفروقات متنوعة في طبيعة الإستخدام لهذه الكلمة ومشتقاتها كما وجدنا في العربية الفصحى وجود معنى آخر غريب عن السياق مشتق من الفعل أبّ يإبُّ وكأنه دخل إلى العربية من لغة أخرى قديمة غير أكدية و غير آرامية.

سنتسلسل بالموضوع إبتداء من الأقدم إلى الأحدث إنتهاءً باللغة العراقية التي أبدعت في الإستخدام وفاقت جميع اللغات القديمة والحديثة في تنوع الإستخدام وتلوينه بما يناسب منزلة الأبوة ورفعتها وكمالها.

A. الأكدية: من القاموس الآشوري لجامعة شيكاغو:

1. الأب الطبيعي أو بالتبني وكذلك كجزء من الرابطة العائلية (أبي أبي) و(أبي أمي) أي الجد و(أبي أمو) أي الجدود

2. أب كعنوان ولقب شرف

3. كجمع (آباء) بمعنى السلف كما نقول بالعربية تراث الآباء والأجداد

4. أب بمعنى شيخ

5. أب بمعنى صاحب العمل أو الرئيس أو الخبير أو المتمرس.

6. الجزء الأساس من المحراث

7. كما أن هناك إستخداما أكديا جديرا بالذكر وهو (بيت أبي) ( Bit Abi) أي بيت العائلة و(أبو بيتي) ((Abu biti

كما في أدناه:

1366 saleem1

B. من الآرامية:ومن معجم المفردات الآرامية القديمة للدكتور للدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذيب من مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية 2006 تحت باب (أب) ملاحظين أن الجمع فيه هاء مضافة إليه:

1366 saleem2

C. ومن المندائية وهي فرع من الآرامية وجدنا التالي في القاموس المندائي لمؤلفيه الشيخ خلف عبد ربه وخالد كامل عودة تحت باب (أب)

D. العربية: من لسان العرب إستقطعنا الجزء الخاص بمعنى الأب أي الوالد وكما يلي:

1366 saleem3

والأَبُ: أَصله أَبَوٌ، بالتحريك، لأَن جمعه آباءٌ مثل قَفاً وأَقفاء، ورَحىً وأَرْحاء، فالذاهب منه واوٌ لأَنك تقول في التثنية أَبَوانِ، وبعض العرب يقول أَبانِ على النَّقْص، وفي الإِضافة أَبَيْكَ، وإِذا جمعت بالواو والنون قلت أَبُونَ، وكذلك أَخُونَ وحَمُون وهَنُونَ؛ والأَبَوانِ: الأَبُ والأُمُّ. ابن سيده: الأَبُ الوالد، والجمع أَبُونَ وآباءٌ وأُبُوٌّ وأُبُوَّةٌ؛ عن اللحياني؛

وأَبَوْتَ وأَبَيْت: صِرْت أَباً.

وأَبَوْتُه إِباوَةً: صِرْتُ له أَباً؛

ويقال: ما له أَبٌ يأْبُوه أَي يَغْذوه ويُرَبِّيه،

وبَيْني وبين فلان أُبُوَّة، والأُبُوَّة أَيضاً: الآباءُ مثل العُمومةِ والخُؤولةِ؛

وتَأَبَّاه: اتَّخَذه أَباً، والاسم الأُبُوَّة؛

وفي الحديث: لله أَبُوكَ قال ابن الأَثير: إِذا أُضِيفَ الشيء إِلى عظيم شريفٍ اكْتَسى عِظَماً وشَرَفاً كما قيل بَيْتُ اللهِ وناقةُ اللهِ، فإِذا وُجدَ من الوَلَد ما يَحْسُن مَوْقِعُه ويُحْمَد قيل لله أَبُوكَ، في مَعْرض المَدْح والتَّعجب أَي أَبوك لله خالصاً حيث أَنْجَب بك وأَتى بمِثْلِك.

وأَبو المرأَة: زوجُها؛ عن ابن حبيب.

ومن المُكَنِّى بالأَب قولهم: أَبو الحَرِث كُنْيَةُ الأَسَدِ،

أَبو جَعْدَة كُنْية الذئب،

أَبو حصين كُنْيةُ الثَّعْلَب،

 أَبو ضَوْطَرى الأَحْمَقُ، أَبو حاجِب النار لا يُنْتَفَع بها،

 أَبو جُخادِب الجَراد،

وأَبو بَراقِش لطائر مُبَرْقَش،

 وأَبو قَلَمُونَ لثَوْب يَتَلَوَّن أَلْواناً،

 وأَبو قُبَيْسٍ جبَل بمكة،

 وأَبو دارِسٍ كُنْية الفَرْج من الدَّرْس وهو الحَيْض،

 وأَبو عَمْرَة كُنْية الجُوع؛ وقال: حَلَّ أَبو عَمْرَة وَسْطَ حُجْرَتي

 وأَبو مالِكٍ: كُنْية الهَرَم؛

كما يقال للمِطْعام أَبو الأَضْياف.

ومن الدراسة المقارنة نجد أن العربية الفصحى إستلت من الأكدية ثلاث إستعمالات رئيسة وهي

• الأب الطبيعي

• الأب كعنوان ولقب شرف

• الأب ككنية

كما أن العربية إشتقت فعلا من الإسم لكنه فعل مهجور في العربية الحديثة وتغلب الفعل ربّى يربي في الإستخدام اليومي.

E. اللغة المحكية العراقية:من الواضح تماما أن اللغة العراقية إستلت جميع المعاني والإستخدامات من الأكدية بل وزادت عليها بالإشتقاق الممتع والتناول المتفرد الأخاذ:

1. إستخدمت اللغة العراقية المعنى العام للكلمة إنما من الغريب أنها إستلت من الأكدية الإسم كما هو مع واوه وأبقت عليه عند الإضافة للمتكلم (أبوي) في حين أن جميع اللغات الأخرى أسقطت الواو الأصلية مما يؤكد أنها إستلها مباشرة من الأكدية .

ومن الطريف أن العامية جمعت أب على إبهات على غرارالآرامية و المندائية بنت الآرامية

2. الأب كعنوان ولقب وشرف: الإستخدام واضح في اللغة العراقية  فالكناية عن إسم أي إنسان بالقول (أبو فلان) هو التشريف والتلقيب السامي اللائق وقد شرّف العراقيون الجندي العراقي عندما أطلقوا عليه لقب (أبو خليل) وكذلك الشرطي العراقي (أبو اسماعيل)  ومن الجانب الآخر من الشتيمة أن تقول للآخر( شيب أبوك) أو (أنعل أبوك ) وما هو أسوء منهما الشتيمة التي تقول(خره بشيب أبوك) ونمدح فنقول أبو الهمة وأبو الهمايم وحين نريد أن نمدح شخصا ما ونعلي من شأنه نقول ( يبعد إبوي) وللندبة نصرخ يا يابة ويا بويا

3. الأب بمعنى شيخ: تنتشر في العراق تسمية العشائر بأسماء تبدأ ب (ألبو) والكلمة كما هو واضح مدغمة من كلمتين هما (آل) و(أبو) كناية عن اسماء شيوخها وتقديرا لهم ومن هذه العشائر

• ألبو محمد

• ألبو نمر

• ألبو عامر

• ألبو شبل

وغيرها كثير

4. أب بمعنى صاحب العمل أو الرئيس أو الخبير أو المتمرس: وهذا الإستخدام واسع ومتنوع في العامية بشكل منقطع النظير فنقول:

• أبو الشغل أي صاحب العمل ونقول هوّا أبو الحق أي صاحب الحق

• أبو الشغلة أي الخبير بها

• الإستخدام عام وشامل لممارس الشيئ وصاحبه فنقول الأستاذ أبو الفيزيا أو أبو الصمون أو أبو البيت أو أبو البوريات والعراقيون يلصقون كلمة (أبو) بكل شيئ تقريبا فنقول

- أبو الكل أي والد الجميع

- الحمزة أبو حزامين

- أبوﮔلب اﻟﭽبير

- فستق أبو ﮔشور

• الإستخدام كلقب ناجم عن تسمية لصاحب عمل مثل بيت أبو الجبن و بيت أبو الهيل أو بيت أبو الحب أو بيت أبو التمن أو بيت أبو شعير والألقاب مستخدمة وستبقى تستعمل.

5.  لم أجد في الإستخدام العراقي إستخداما لأب فيما يخص الخشبة الرئيسة للمحراث أو قادوم المحراث لكنني وجدت ما هو أطرف وأشمل حيث نطلق في العراق على كل ما هو في الرأس أو البداية أو المقدمة كلمة (أبّي)  المشتقة من أب فنقول (الماي مكطوع من الأبّي) ونقول (الأبّي الرئيسي) وكأن الأب هو الأصل وهو أساس كل شيئ وكإثبات آخر على ذلك فأننا ندخل (على) على (أبو) لتصبح عَلّبو بمعنى على أساس كقولنا (ما خلّاني أروح للشغل علبو ما كو سيارات).

6. حور العراقون لكثرة إستخدامهم الكلمة إلى إسم بصيغة (يا به) تدخل قبل الإستفهام عادة فنسأل

يابه أنت وين هل الأيام؟

يابه إنت مو كلت أجي أشو ما جيت؟

7. تدخل كلمة أبو بكل ألوانها في الأغاني العراقية الجنوبية وتأخذ مكانها العاطفي الأثير كونها الحضن الدافئ الحامي من عوادي الزمن

ما يكفي دمع العين يابويا

نار بدليلي نار يا بويا

مغرم ودور وين يابويا

بويا يا بويا يابويا  عيني يا بويا يا بويا

ويغني الآخر

أخ بويا عيوني آي يالمشى وما كال

مودعكم الله والكلب يا مالوم ياوليفي مالوم

كما تنطلق حنجرة المغني صادحة

راح التريده الروح يا عنيّد يا يابه

عيني ومي عيني يا عنيد يا يابه

 إلى آخر الأغنية

وكذلك

يا محمد بويه محمد

كلّي ليش تتعمد

وتغني المغنية

يا با يابه إشلون إعيون عندك يابا

كلبي بغرامك مفتون والله يابا

وغير ذلك كثير

8. من الكنايات العراقية وهي كثيرة ندرج لكم:

أبو ثرب: سمين

أبو درب: متمرس

أبو نخوة: معروفة لعامل الخير الذي ينتخي للآخرين

أبو الزعر: تقول أغنية الأطفال (أبو الزعر فوك التل بيده عود أويفتل) .. وأبو الزعر - هذا - طائر أصغر من العصفور كثير الوصوصة .

أبو دماغ: تطلق على كبير الرأس

أبو زلّة: نوع من الطيور المهاجرة إلى العراق

أبو زربة: معروفة

أبو زرﮔﺔ:تطلق على صاحب الوشم أي الدكات الزرقاء ويقول الشاعر في بيت رقيق

أبو زرﮔﺔ طلع من بين البيوت

يغافلني ويبوﮎ اﻟﻌﮔل بسكوت

أبو راسين: كناية عن صاحب الرأس الكبير

أبو عقلين: تطلق على من لا عقل له على غرار إطلاق صفة البصير على الأعمى

أبو صماخ: صاحب الرأس الكبير أيضاً

أبو البلاوي: أي صاحبها

أبو سبعة وسبعين: حيوان

أبو الجعل: حيوان مائي يشبه العنكبوت

أبو الجنيب: حيوان مائي

من الواضح فيما جاء أعلاه أن الأكدية واللغة المحكية العراقية هما الأوسع في إستخدام الكلمة بأشكالها ومعانيها المتعددة والعامية العراقية هي اللغة الوحيدة التي أضافت ياء المتكلم إلى (أبو) الأكدية لتنطقها (أبوي) في حين أن الآرامية والعربية حذفت الواو تخفيفا ولا أغالي إذا قلت أن العامية العراقية بزّت جميع أخواتها في سعة الإستخدام وتعدد أشكاله

 

فهيم عيسى السليم

أوكلاند أواخر أيار 2016

 

في المثقف اليوم