قضايا
قوالب اللغة العراقية (13): التعمية والإبهام في اللغة العراقية المحكية
حزّرتني أمي وأنا صغير قائلة:
شنهو الما شِباه الفَحَل ورﮔﺔ (نسله)
وشنهو المدّعي البولاد ورﮔﺔ (وأرقى أي أحسن)
وشنهو اللي نبت من غير ورﮔﺔ (ورق الشجر)
ومدّدِ إفروعه ووكِسَر فيّه
وطبعاً لم أكن أفقه الإجابة فكانت تجيب:
البغل يا الماشباه الفحل ورﮔﺔ (أي أن البغل لا يشبه أباه الحصان)
الرمك يالمدّعي البولاد ورﮔﺔ (والرمك هو حديد نعل الحصان)
لفْطِر اللي نبت من غير ورﮔﺔ (الفطر الذي ينبت بلا أوراق)
ومدد إفروعه ووكسر فيّه
أتيت بهذه الحزورة القديمة من اللغة العراقية المحكية مدخلاً لظاهرة الإبهام والغموض والتعمية والإشارات الخفية في الكلام العراقي المشابه كما يقول البعض بشكل أو بآخر للبلاغة في العربية .
أنا أدعي أنها ليست كذلك كون القصد منها ليس التجويد ورفع مستوى الكلام أو الشعر حسب وإنما إمتد ذلك للكلام العادي وكأن الغرض هو وجود (آخر) لا يُراد له أن يفهم ما يقال توجساً وخيفة منه وإتقاءً لشره أو عقابه.
إن التقية معروفة دينياً ولها متطلباتها المذهبية: كما في تفسير الآية
أنَّ الله - تعالى - نَهى المؤمنين عن مُوالاة الكفار ومداهنتهم ومُباطنتهم، إلاَّ أنْ يكون الكُفَّار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كُفَّار يخافهم، فيُداريهم باللِّسان وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان؛ دفعًا عن نفسه، من غير أن يستحِلَّ دمًا حرامًا، أو مالاً حرامًا، أو يُظْهِر الكفار على عورة المسلمين، والتقيَّة لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النيَّة(1)
كما أن التقية لدى الشيعة وسيلة من وسائل حماية الحركة الدينية أو السياسية أو الاجتماعية في مسألة وجودها في بُعدها الشامل، من خلال بعض المفردات الصغيرة على المستوى الثقافي أو السياسي، وذلك بالإيحاء للآخرين بأن الجماعة، أو الفرد، قد تتكلم بشيء غير ما تتبناه حقيقةً، أو بما لا تؤمن به في حركتها في الواقع، من أجل التخفيف من الضغط القاسي، أو الخطر الكبير، فهي وسيلة طبيعية فطرية عملية من وسائل حماية الإنسان لنفسه، أو حماية الجماعة لخطها، عندما يدور الأمر بين أن يموت وبين أن يتكلم ببعض الكلمات التي لا يؤمن بها، أو يتخذ بعض المواقف التي لا يتبناها، أو تقف الجماعة بين أن تسقط حركتها وبين أن تظهر بما لا تلتزمه من موقف أو موقع أو شخص. (2)
فهل أننا نقصد التوقي وإتقاء شر حين نقول كلاماً مبهماً غير مفهوم إلا ضمن الجماعة؟
لقد إستوقفني كثيراً موضوع التعمية وعدم الوضوح والإشارات الخفية والمتناقضة وغير المفهومة أو ذات العمق في المعنى في كلام العراقيين ولا بد من القول أن اللغة العراقية تزخر وبشكل يسترعي الإنتباه بالكلمات والجمل والأشعاروالإستعارات والأمثال والكلمات المفردة التي تندرج ضمن مفهوم التقية وكأن القائل يدرك الخطرمن أن هناك من يسمعه ويعاقبه إذا أدرك ما يقول لذا يلجأ للتعمية وفي الحقيقة أن نسيجاً من اللغة العراقية غير المفهومة لغير المتحدثين الأصليين بها قد نما وإنتشر وإزدهر ولازال بين متحدثي اللغة العراقية خصوصاً وأن قرون القهر والظلم والدكتاتورية وقطع الأعناق وتكميم الأفواه كانت طويلة ومزمنة .
إن هذه الظاهرة جديرة بالبحث والتتبع كونها واحدة من المفردات المهمة لقوالب اللغة العراقية وهي في نفس الوقت تكشف وجهاً من أوجه الشخصية العراقية ذات التعقيدات المعروفة.
مفاصل البحث
في هذا المجال يندرج الآتي:
1. اﻟﺣﺳﭽﺔ
2. الأمثال العامية
3. الأبوذية والموال
4. تحريف العربي الفصيح إلى معنى مغاير تماماً أو مزدوج
5. إستخدام حروف خارج الأبجدية العربية كاﻟﮔاف الأكدية الآرامية واﻟﭽيم الفارسية واﻟﭙﻲ اللاتينية
6. قلب الحروف
7. إستنباط كلمات لاوجود لها في أي لغة أو لهجة لتعني شيئاً محددا للجماعة .
8. إضافة حروف إلى أفعال فصيحة لأغراض إستخدامات جديدة مفهومة ضمن الجماعة فقط
أرجو أن أكون واضحاً في ثلاث قضايا قبل الإسترسال في تفاصيل النقاط أعلاه:
الأولى: نذكّر مرة أخرى أن للغة العراقية هنا هي لغة وسط وجنوب العراق ، لغة الوادي الخصيب ، لغة وادي الرافدين
الثانية:سآتي بأمثلة وجيزة جداً لطول الموضوع لكن الدراسة الشاملة لا شك ستحتوي على نماذج أكثر وأوسع
الثالثة: أنا لا أربط ربطاً مباشراً بين التقية الدينية والتقية اللغوية بحكم إحتلال نفس الرقعة الجغرافية لنفس المجموعة البشرية ولا أحاول أن أستنتج ذلك بشكل متعجل وأترك تقدير ذلك للقارئ المتفحص وكجزء من الإستنتاجات النهائية لنظرية نشوء وتطور اللغة العراقية التي أبحث بها منذ سنين.
1. اﻟﺣِﺳﭽﺔ: الحاء مكسورة والسين ساكنة والجيم أعجمية تعنى اللغة العراقية ومن يتحدث الحسچة اصطلاحا هو من يجيد التكلم بلغة عراقية بليغة
وفي تفسير آخر لمعنى اﻟﺣﺳﭽﺔ هي المعنى الباطن الذي يخاطب فيه الكاتب أو الشاعر وليس المعنى الظاهروفي تفسير آخر لمعنى اﻟﺣﺳﭽﺔ هي منظومة معارف شعبية وطريقة لقول المعاني المضمرة في الكلام ذي البعد البلاغي الذي لا يدرك بسهولة والمتعارف عليه في بيئة محددة ومنشأه هي بيئة الفرات الأوسط (3) .
من الواضح هنا إنتشار هذا النوع من الكلام في كلام العامة وشعرائهم على الأخص الأوضح وتطوره بمختلف الإتجاهات .ألا أن زعيم اﻟﺣﺳﭽﺔ العراقية الحديثة بلا منازع هو مظفر النواب إذ وظف بشكل رائع في قصائده الغزلية في ظاهرها آراءً سياسية خطيرة لا يمكن أن تقال إلا بهذه الطريقة العذبة وأحيلكم إلى قصيدة واحدة فقط كنموذج ﻟﻟﺣﺳﭽﺔ في شعر مظفر النواب(فارﮔيت إنت السفينة) حيث أن الظاهر في القصيدة هو مخاطبة حبيب أو شخص مفرد لكن الباطن هو مخاطبة الحزب الذي تركه النواب في مرحلة معينة كما هو معروف
فارگيت انته السفينه وآنه جايبلك بحر
خفت.. مايكفيك عشگ الناس
توصّل فرح گلبك
گعديت الثلج من نومه الثجيل
وسلسلتلك سلسبيل
جبت سلطان الحلم
شفتك مثل ممسوح بغياب الشمس
فارگت حلم الناس ومليت السفينه والسفر
اشلون گلبك طاوعك
ماتگف عالجيدوم
وجهك گمر وانجوم
تنطينه كل لحظه اتجاه الريح
نشتاگ الگمر
يصعد حسن وجهك گمر
مابچيتك
آنه بچتني السفينه
امنين ماطگ الرذاذ اتفك گلبهه
اتريد تبحر
تدري نوبات السفن لو ضاگ خاطرهه
ابجبن سفانهه تسورب وحدهه؟
تدري نوبات المحبه
اتمل طبع محبوبهه
ويغفه على اچتاف السهر؟
ما بچيتك
مدري منهو ابصدري يبجي؟
مدري منهو يشگك ابگلبي كواغد؟
مدري منهو ايريد يرحل؟
مدري منهو يجرني بيدر للمطر؟
مابجيتك.. درت عيني للبحر
ابجي المسافات الهمتهه اوياك
مابجيتك.. مابجيتك
آنه مليت السفينه
وسيستهه اشراع اسبگ الريح
مابجيتك
آنه جايبلك من دموعي بحر
و اﻟﺣﺳﭽﺔ العراقية ليست سهلة على الكثيرين كونها تعتمد السليقة والذكاء والبراعة والسرعة بالرد وتعتبر واحدة من أدوات الكلام الراقية في لغتنا العراقية.
2. الأمثال العامية: تزخر العامية العراقية بأمثال ظاهرها يختلف عن باطنها كونها مرتبطة بحادث أو واقعة غير مفهومة لمن هم خارج الجماعة وإليكم بعضها:
الباب التجيك منه الريح سدها واستريح
بالوجه مرايه وبالكفا سلاية
حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب
تحزم للواوي بحزام سبع
خاشوكه خاشوكه تنترس البستوكه
مفتح باللبن
نايم ورجليه بالشمس
عصفور كفل زرزور والثنين طياره
شايف وعايف
تنبلْ أبو رطبة
من لحم ثورك
من الواضح أن هذه الأمثال يختلف معناها الظاهر عن الباطن وفي بعضها تورية واضحة أو غير مفهومة لمن لا يعرف الواقعة أو القصة خلف المثل.
3. تشتهر الأبوذية العراقية الجنوبية بكونها أم الغموض والإبهام والبلاغة اللغوية إلا لمن يفقه تماماً المعاني العامية المضمرة المخفية .
وتعرف الويكيبيديا الأبوذية كما يلي
الابوذية هو أحد أنواع الشعر الشعبي ويتكوّن من أربعة أشطر تسمّى البيت. الثلاث الأولى تنتهي بلفظ واحد أو متقارب جداً والشطر الرابع لا بدّ أن ينتهي بكلمة نهايتها ية ويسمّى الرباط ولا بدّ للفظ المشترك في الأشطر الثلاث أن يكون في كلّ شطر يعطي معنى غير الشطرين لآخرين وبذلك يكون لفظا واحداً بثلاث معاني.
أرى أن الأبوذية تمثل قمة الإبهام البلاغي المقصود في اللغة العراقية حتى أن أغلب الأهالي من سكان وادي الرافدين لا يستطيعون تفسير واحد أو أكثر من المعاني الثلاث الواردة فيها وإليكم بعض الأبوذيات التي إخترناها من المبهمة لنريكم صعوبة التفسير
ﺑﭽيت وزادن إجروحي ولاماي (آلامي)
على الماصح إلي و ياهم ولا ماي(توالم أي إنسجام)
لاهو دم دمع عيني ولاماي(ولاماء)
ﻟﭽن روحي تذوب وتكت هيه
والأبوذية الأخرى
بتاج الفرح ولــفي توّجاني / التاج
وحسن ردلي شبابي توه جاني / جاءني الآن
من اثمار المحــبة توجاني / جنى الان
ﮔلبي الشبع ضيم مـن الأذية
والأبوذية الأخرى
روحي بسكم ونياحه سلوهه(من التسلية)
أحباب اللي يودوها سلوهه(أصابوها بالسل)
سلمى لو ظفرتوهه سلوها(إسألوها)
بيا مذهب تحل إدماي هيّه
والأبوذية الأخرى
عالبديري يخوتي شفت بطين (بطتين)
وهواهن حطلي بالكلب بطّين(شقين)
عليش تلعوس الجفين بالطين (الطين)
تدوفبهن وأنا النيران بيّه
والأبوذية الشهيرة
ترف دمّك يلالي بروس وجناك
عُمَر بيت اللذي ربّاك وجناك
لون عندي ثمن لشريك وجناك
ذخر بالبيت تبعد كل أذية
ونحيلكم إلى المئات من الأبوذيات المكتوبة والمغناة والتي تبين بشكل لا يقبل الدحض أنها ﺣﺳﭽﺔ شعر الشعب العراقي .
4. تحريف الفصيح: هذا الموضوع يستحق أن يفرد له فصل مستقل من فصول قوالب اللغة العراقية المحكيّة ونحن هنا نركز على صورة واحدة من صور التعمية والإبهام في لدى العراقيين.
إن صور التحريف عن العربية تشتمل على الحالات التالية:
• إستحداث صيغة جديدة من كلمة فصحى دون تقيد بصيغ العربية الثابتة أو إستخدامها بشكل مختلف وبمعنى مختلف عن الفصحى وهناك مئات من هذه الكلمات تزداد مع مرور الزمن وقد ينقرض بعضها لسبب أو لآخر لتحل محلها كلمات مستحدثة جديدة وكمثال على ذلك ندرج
- إفرار (الفصحى فار من الخدمة)
- لغوي (من لغا يلغو الفصحى لكن إسم الفاعل الفصيح ليس لغوي)
- عيب بمعنى النفي فنقول إنت عيب تريد
- تشريب (رغم أن تشرّب يتشرّبُ فصحى لكن المصدر تشريب غير مسموع في كلام العرب)
- حواسم
- راشدي (من رشد يرشد لكن الضرب على الوجه بباطن الكف لغرض الإرشاد عراقية بامتياز!
- زنود الست (كلاهما عربيتان لكن التركيبة عراقية لتعني نوعاً من الحلوى!)
- سكوتي (إسم الفاعل من سكت ساكت ونقول كثير السكوت إنما اللغة العراقية دجّنت المصدر سكوت وأضافت له ياء النسب وأنتجت الإسم الرائع سْكوتي الذي هو أبلغ بكثير من ساكت لأن سْكوتي تعني أنه يمارس السكوت كعادة وهذا ما لا يتوفر بأي إسم فاعل في الفصحى! ومثل هذا كثير فهناك عْنودي و شْكوكي وهي ليست تصغيراً كما في شكوري ورزوقي ونلاحظ أن الكلمات تبدأ بساكن وهذا مستحيل في الفصحى
- نسيواني:معروفة المعنى الملتصق بالرجل والحاجة أنتجت هذا التعبير المتميز فنسائي ونسوي الفصحى فاسدتان لهذا الإستعمال لأنهما تنسحبان على كل ما يخص النساء والتصغير إلى إلى نسيواني بدلاً عن نسواني تشير إلى التحقير لمثل هكذا إنسان.
- شَغلة: واسعة الإستخدام في العامية إبتداءً من (لاتسوينّه شغلة إلى شغلة عوجة وهكذا)
- غادي ومعناها هناك
- فطير:معناها العامي مستحدَث
- مسقّط
- وَرّق
- ناوش: العراقية معناها سلم شيئاً في حين أن العربية تعني معنى آخر مختلفاً تماماً
وهناك مئات الكلمات العربية أو المحورة من العربية وبمعاني مستحدثة.
• إستخدام الكلمة العربية كما هي بشكلها ومعناها العربي مرة وبشكلها ومعناها العراقي المختلف مرة أخرى وكمثال على ذلك ندرج
- قتل التي تعني القتل وتستبدل القاف عادة بالكاف(كتل) لتعني ضرب
- لزم: وتعني أمسك بالعامية
- لفح: وتعني في العامية نشل وسرق في حين أن لفحته النار تعني أحرقته
- خطف بمعناها الفصيح ومصدرها الخطْف وخطف لونه العامية المستحدثة.
- خَرَج التي تعني في العامية صرف النقود ومنها خرجيّة
- سَمَر التي تعني في العامية دق المسمار
- بَسط التي تعني في العامية ضرب
- خبز التي تعني بالعامية ضرب ضرباً مبرحاً
- لحق وتنطق ﻟﺣﮓ ولها معنيان الأول مطابق للفصيح والثاني بمعنى جُنَّ وتطلق على الفاكهة أيضاً حين تنضج
- كمش: وتعني في العراقية أمسك
- شمر: وتعني في العراقية رمى
- جاب: تعني في العراقية جلب
- طلب: التي تستخدم بين العراقيين (يِطلُب – طالُب) بمعنى دائن وهو عكس المعنى العربي تماماً.
وغير ذلك كثير.
5. إستخدام حروف خارج الأبجدية العربية:
• من المعروف أن العامية العراقية إحتفظت بحرف اﻟﮔاف الأكدي وهناك آلاف الكلمات العربية المحورة وأهمها تحوير القاف العربية إلى اﻟﮔاف مثل ﮔام وﮔال وﮔاد وغير ذلك كثير واحيلكم إلى الجزء السابع من قوالب اللغة العراقية المحكية (حرف اﻟﮔﺍف في اللغة العراقية ) للتوسع في موضوع إستعمال حرف اﻟﮔاف.
• اﻟﭙﻲ اللاتينية ترد في العامية العراقية وبانتشار محدود مثل
ﭙردة
ﭙردغ
ﭙرﭽم
ﭙرط
ﺳﭙّر
• إستخدام حرف اﻟﭽيم في العامية العراقية شائع ومتداول وهناك مئات الكلمات المتداولة في العامية مشتملة على حرف اﻟﭽيم كما في الأمثلة التالية:
ﻠﭽﻊ: الطعام الذي إحترق قليلاً وقريبة من لسع الفصحى
ﻠﭽم: الجرح أي آذاه بالمس أو المسك غير المسؤول
ﻠﭽﻰ لاﭽﻲ أي متوافق مثل رهم راهم العامية
ﻨﭽر: شجع وتقال للشجاع المقدام
ﻫﭻّ: مثل رزّل العامية قسى بالكلام وعتب عتاباً شديدا
داوﭺ: حاول
ذﻴﭻ: إسم الإشارة المؤنث فمن هذا إشتقت العامية هذاك وهذﻴﭻ التي خففت إلى ذاك و ذﻴﭻ
وتستخدم أيضاً بدلاً عن تلك الفصحى
ﻋﻘﭻ: لوى
وغير ذلك كثير ويستطيع القارئ العودة إلى الجزء العاشر من قوالب اللغة العراقية للتوسع في الموضوع.
6. قلب الحروف
• قلب الهمزة مثل جعر بدلأ عن جأر و وسف وحسف بدلاً عن أسف ومنها وسفة وحسافة و وذّن بدلاً عن أذّن وواضح أن اللسان العراقي يفضل الحروف الشفوية على الحلقية
• قلب الجيم ياءً كما في جرّب التي تتحول إلى يرّب وجرباء إلى يرباء وتقول الأبوذية
صديجك لو تريد ابضيج يربه (جربه)
شلون الشاة وي الذيب يربه (يتربى)
لاتربط صحيحه حول يربه (جرباء)
خوفك عالصحيحه تْيَرَبْ هيه
ونقول
دياية بلداً عن دجاجة
7. إستنباط كلمات لاوجود لها في أي لغة أو لهجة لتعني شيئاً محددا للجماعة
هذا الموضوع مثير جداً ومتشعب لوجود مئات الكلمات والأفعال المستحدثة خصوصاً إذا علمنا أن اللغة العراقية لم ولن تتوقف عن إستنباط وإستحداث كلمات وتعابير وصيغ جديدة ولا يهم المصدر لأن العراقيين وهم أهل اللغة وروادها الأوائل وهم أحفاد السومريين والأكديين وهم مخترعو الكتابة لديهم قدرة مذهلة على تجديد لهجتهم دون إلتفات لقواعد لغوية ودون الحاجة لتحوير الكلمة الجديدة لتطابق صيغة صرفية معينة.
المثير دائماً هو البداية أي من أين تنبع الكلمة الجديدة؟
من المعروف أن اللغة هي وسيلة إتصال بين البشر فمتى ما وجدت حاجة للتعبير ولا يجد المتحدث الكلمة المناسبة يضطر لاستخدام وسائل أخرى وهنا يقفز العراقي مستحدثاً تعبيراً جديداً ينتشر بسرعة وسهولة خصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً بحالة ساخنة مطلوب التعبير عنها.
- على مود
- باوع
- حاتة
- دشداشة
- بلشة
- لبلبي
- لوﭽﺔ
- ليطة
- ممّة
- وندخ
- زعبل
- ﭽوال ﭽوالات
- ﭽولة
- ﻳﻟﮓ
- أﻳﭽﺔ
- خنطل
- طنكر
ومن الواضح أن أغلب هذه الكلمات مستغلقة على غير العراقيين وربما حتى على العراقيين من مناطق خارج وادي الرافدين أو على عراقيي الخارج لسبب بسيط وهو أن الإستحداث هو عملية شبه يومية تأتي نتيجة طبيعية وإفرازاً لحاجة عراقية محلية قائمة.
8. إضافة حروف إلى أفعال فصيحة لأغراض إستخدامات جديدة مفهومة ضمن الجماعة
تنتشر هذه الخاصية في العامية العراقية لإنتاج أفعال جديدة لا يفهمها العربي لأنها أفعال جديدة غير موجودة في قاموس الفصحى وسأكتفي هنا بإيراد مثل واحد هو إضافة حرف الشين إلى الثلاثي(فعل) للوصول إلى صيغة (شفعل) الموجودة في الأكدية أم اللغات السامية مثل
شقلب من قلب
شنتر من نتر
شخبط من خبط
شعبث من عبث
شربك من ربك
شعفر من عفر
هذا في أول الأفعال وهناك نماذج على إضافة حروف وسط الفعل أو آخره للتعمية ولإنتاج أفعال جديدة بمعاني جديدة مثل
حرمن من حرم
زحلف من زحف
سحسل من سحل
صخرج من صخر
شربت من شرب
ضربط من ضرب
حرجم من حرج
سردح من سرح
وعربش من عرش
خربص وخربج من خرب
وغير ذلك كثير
إن هذه الكلمات والأفعال التي تعد بالآلاف والتي تتزايد مع مرور الوقت تؤذن عاجلاً أم عاجلاً إلى تحول لغة جنوب وادي الرافدين المحكية إلى لغة مستقلة عن العربية يدعمها تاريخ طويل متنامي من الموروث الشعبي الأصيل كالغناء والشعر والأهم من كل ذلك طريقة تفكير مختلفة تتبع وسيلة تعبير لغوية لا تنتسب إلى العربية خصوصاً إذا كتبت وبدأ تداولها مكتوبة.
إن الإبهام والتعمية وغير المباشر من الكلام يمثل نسبة عالية جداً من كلام أهل جنوب ووسط العراق كما أوردنا في الأمثلة آنفة الذكر أملين أن نتوسع في البحث في هذا المجال.
فهيم عيسى السليم
.................
المصادر
1. مقال الدكتور باسم عامر على الرابط http://www.saaid.net/bahoth/152.htm
2. مقال الإمام الصادق والتقية على الرابط http://arabic.bayynat.org.lb/ahlalbeit/imam_sadek_takia.htm )
3. أنظر النص الكامل حول اﻟﺣِﺳﭽﺔ http://www.alforat.org/alforat138654/)