قضايا
قوالب اللغة العراقية المحكية (17): صيغة (شفعل)
صيغة (شفعل) في اللغة العراقية المحكيّة: تنتشر في اللغة العراقية أفعال رباعية أصلها ثلاثي عربي ودخل عليها حرف الشين لتصبح أفعالاً رباعية نستعملها كثيرا في لغتنا العراقية المحكية دون أن نعرف أصلها وكيف تركبت بهذه الطريقة الغريبة.
لقد توصلنا لحل هذه الظاهرة بالتتبع والمقارنة مع اللغة العراقية الأم:الأكدية.
ننقل لكم من كتاب (اللسان الأكادي ) النص التالي (1):
٢( ﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﻔﻌل ﺍﻟﻤﺯﻴﺩ ﺒﺎﻟﺸﻴﻥ š) ﺍﻟﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﺴﺒﺒية
: ﺇﻥ ﻤﻴﺯﺓ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺼﻴﻐﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ ( ﺸـ ) ، ﻭﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﺍﻟﺴﺒب ﻓﻲ ﺤﺩﻭﺙ ﺍﻟﻔﻌل ﺍﻟﺫﻱ ﺘﺸﻴﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺼﻴﻐﺔ ﺍﻷﺴﺎﺴﻴﺔ
كما ننقل لكم التالي كأمثلة على ما جاء أعلاه
• أكالوم akālum:بمعنى يأكل في الصيغة الأساسية، صيغته السببية هي شومكولوم šumkulum: جعله يأكل
• مقاتوم maqātum: بمعنى يسقط في الصيغة الأساسية، صيغته السببية هي شومقوتوم šumqutum: يجعله يسقط
إنتهى النص
إن العربية والآرامية بفرعيها السرياني والمندائي وكذلك اللغة العبرية لم ترث هذه الصيغة أي أن اللغات الرافدينية الأساسية لا تستعمل هذه الصيغة الصرفية إلا أن اللغة العراقية بنت الأكدية في الأرض والتأريخ المشترك ورثت مجموعة جميلة ومتميزة من الأفعال الرباعية حيث دخل حرف الشين على الأصول الثلاثية فحولها إلى رباعية متعلق معناها بالمعنى الأصلي للفعل الثلاثي وهي صيغة صرفية أكدية مائة بالمائة.
لقد دخلت الشين في اللغة العراقية المحكية على أفعال ثلاثية عربية فصيحة وحولتها إلى صيغة ظرفية مشابهة تماما للإستخدام الأكدي أساسا ثم إستقلت وإستخدمت كأفعال منفصلة دون أن تضيع علاقتها القوية الواضحة بالفعل الأصلي (2):
1. شعبث: من عبث: ومعنى شعبث جعله يعبث وهو تماما الإستخدام القواعدي الأكدي
2. شنتر: من نتر ومعنى شنتر أيضا جعله ينتر
3. شرشح: من رشح أي جعله يرشح
4. شربك: من ربك: نفس التصريف وشربك معناها العامي جعل الأشياء ترتبك!
5. شكبن ومنها شكبان:من كبن: إنظر مادة كبن في لسان العرب: وكَبَنَ هدِيَّتَه عنَّا يَكْبِنُها كَبْناً: كفَّها وصَرَفَها؛
6. شخبط: من خبط: مرة أخرى يتطابق التصريف والمعنى
7. شقلب:من قلب قلبت لاحقا إلى ﭽقلب لسهولة لفظ ال ﭽ مع القاف التي تليها
8. شروش: من راش يروش
9. شعفر:من عفر
10. شنبع المنقلبة إلى ﭽنبع: من نبع وتعني عبّ الماء
11. شنبخ: من نبخ:إنظر مادة نبخ في لسان العرب: نبخ (لسان العرب)
رجل نابِخَة: جَبَّار؛ قال ساعدة الهذلي: تُخْشَى عليه من الأَمْلاكِ نَابِخَةٌ من النَّوابِخِ، مثلُ الحادِرِ الرَّزِم ويروى نَابِجَةٌ (* قوله «نابجة إلخ» كذا في الأصل، وهو المناسب لقوله من النبجة إلخ.
وشنبخ العامية تعني تكبر والكثيرون يتصورون خطً أنها مزيدة من شبخ !
12. شنكل: من نكل:وشنكل العامية بمعنى جعله مقيدا أو مربوطا أو مقفولاً ومنها ﭽﻧﮕل و ﭽﻧﮕال وأظن أن shakle الإنكليزية منها
إنظر باب نكل في لسان العرب ومنه:
والنِّكْلُ، بالكسر: القيد الشديد من أَي شيء كان، والجمع أَنْكال.
وفي التنزيل العزيز: إِنَّ لدينا أَنْكالاً وجَحِيماً؛ قيل: هي قيود من نارٍ.
وفي الحديث: يؤتى بقوم في النُّكُول، بمعنى القُيود، الواحد نِكْل ويجمع أَيضاً على أَنْكال، وسميت القيود أَنْكالاً لأَنها يُنْكَل بها أَي يُمنع.
13. شوشر: من وشر وشوشر تعني الثرثرة
14. شلتغ ومنها شلتاغ: من لتغ بمعنى ضرب
15. شخنب:من خنب والخنّاب من الرجال:الأحمق ومن المعروف أن شخنب ومنها مشخنب في العامية تعني الإنسان المؤذي سيئ الخلق وغير السوي
16. شمخر:من مخر وفي لسان العرب: مَخَرَتِ السفينةُ الماءَ: شقَّتْه بِصَدْرها وجَرَتْ ومن المعروف أن شمخر العامية تعني التكبر والتعالي
17. شرمخ ومنها شرموخ وهو الفرع الذي يحوي التمر والذي يتطلب استعمال القوة لنزعه ثم انسحبت على استخدام الأظفار للأذى وكذلك نقول شرمختني البزونة.
الأصل هو من رمخ والرمخ هو الخلال أضاف العراقيون له الشين الأكدية
رمخ (لسان العرب)
شمر: هو السَّدا والسَّداءُ، ممدود، بلغة أَهل المدينة، وهو السَّيَابُ بلغة وادي القُرَى، وهو الرُّمْخ بلغة طيئ، واحدته رُمْخَةٌ، والخَلالُ بلغة أَهل البصرة؛ قال الطائي: تحت أَفانينِ وَدِيٍّ مُرْمِخ والرِّمْخُ: الشجر المجتمع.
والرِّمَخُ والرُّمَخُ. البَلَحُ، واحدته رِمَخَة، لغة طائية؛ ومنه أَرْمَخَ النخلُ وهو ما سقط من البُسْرِ أَخْضَرَ فَنَضِج. ابن الأَعرابي:
18. شندخ: من ندخ وشندخ وجمعها شناديخ إنظر باب ندخ في لسان العرب
ندخ (لسان العرب)
رجل مُنَدَّخٌ: لا يبالي ما قال من الفحش ولا ما قيل له.
وتنَدَّخَ الرجل: تشبَّع بما ليس عنده، والله أَعلم.
19. شخط: من خطّ والإستعمال معروف في اللغة العراقية ومنه إشتققنا (شخّاطة وشخّاط) وكذلك مشخوط وتعني معتوه وإسطوانة مشخوطة أي معادة كثيراً.
20. شحط: من حط ومنه يشحط وشحّاطة
حطط (لسان العرب): الوَضْعُ، حطَّه يَحُطُّه حَطّاً فانْحَطَّ. والحَطُّ: وضْع الأَحْمالِ عن الدَّوابِّ
ومن الواضح أن هذا دليل آخر على أصالة اللغة العراقية المحكيّة وإستقلاليتها عن العربية لأن هذا الإستخدام مستل مباشرة من الأكدية وليس له شبيه مطلقا في العربية الفصحى.
والآن يحق لنا أن نتسائل كيف ومتى إستطاع العراقيون إستخدام قاعدة نحوية صرفية بحتة من لغة منقرضة منذ ألفي عام هي اللغة الأكدية ومزاوجتها مع أفعال من العربية الفصحى الحديثة نسبيا مقارنة بالأكدية لخلق أفعال جديدة غير موجودة وغير مستخدمة في العربية الفصحى بشكل مطلق؟
السؤال فعلاً منطقي ومحير خصوصا وأن الفرضية المدرسية تقول أن اللغة العراقية المحكية صورة منحطة من صور العربية الفصحى وعلى أساس أنها لغة العوام غير المتعلمين من الناس فإذا كان الأمر كذلك فكيف تسنى لجهلة أن يفعلوا ذلك؟
ولكن قبل أن نتعجل الإستنتاج دعونا نتتبع الأفعال الثلاثية أعلاه ونرى إن كانت لها إصول أكدية.
حققت فعلاً واحدا فقط من الأفعال فوجدته أكديا بامتياز وبهذا تكون اللغة العراقية قد نقلت فعلا أكديا مع قاعدته الصرفية بإضافة الشين له وجعلُه شعبث!
في حين أن العربية الفصحى ورثت عبث لكنها لم ترث القاعدة الصرفية المهمة!
1. عبث (من القاموس الآشوري) (3):
أترك للقارئ اللبيب حرية التفكير والإستنتاج ولنا عودة للموضوع لتحليل باقي الأفعال
مع التحيات
فهيم عيسى السليم
..............
المصادر
1) اللسان الأكادي : المؤلف أ.د.عيد مرعي الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2012 ص 78
2) لسان العرب: لتتبع معاني الأفعال الثلاثية الواردة في النص كل في بابه
3) https://oi.uchicago.edu/sites/oi.uchicago.edu/files/uploads/shared/docs/cad_a1.pdf