قضايا

التحولات الثقافية في المجتمع الجزائري

فوزية هباشيلطالما انشغل علم الاجتماع بموضوع الثقافة كأسلوب للعيش، ودائما ما كان بحثه في التحولات الثقافية مرتبط بمحاولة دراسة مجمل المجالات الخاصة بالواقع الاجتماعي، وفي مقدمتها الحقل الثقافي المحلي، لما له من أهمية كبيرة ولما يمثله كمفتاح وكمساهم رئيسي في تطور المجتمع وطبيعة إنتاج وإعادة انتاج ثقافته المحلية.

يقدم دوركايم فكرة مهمة حول عدم وجود الاختيار الفردي والنزعة الفردية في المجتمعات التقليدية، لكن وكنتيجة معاكسة المجتمع الجزائري عايش وبسرعة كبيرة تحولات عدة في نسقه الثقافي العام، حيث لم يعد الفرد الجزائري قادر على احترام مجموع الممارسات والمبادئ الخاصة بالثقافة التقليدية، وهذا ما نستطيع ملاحظته يوميا في السياق الاجتماعي العام وكذا الحياة اليومية الخاصة بالمجتمع الجزائري حيث أصبحت المعرفة العلمية والتكنولوجية مرتكزا أساسيا في بناء تصورات جديدة وممارسات مدعومة بإديولوجيات قومية ودينية، دعمت حركات حشود غفيرة من الجزائريين في عدة فترات زمنية حساسة (تسعينات القرن الماضي)، وكحتمية وجودية تضطر مختلف الفئات في المجتمع إلى اعادة التفكير في طبيعة أنماطهم الحياتية الخاصة، مما يعني بأن كل شريحة اجتماعية تتحرك يوميا بين عدة قطاعات حياتية وهي ملزمة بالتعامل معها حسب متطلبات روح العصر.

يعتقد غيدنز بأن المجتمعات المعاصرة هي بالفعل ما بعد حداثية قبل الأوان، فالتحولات الثقافية وغيرها من التغيرات الواضحة في المجتمعات المعاصرة هي السمة المميزة فعلا لمجتمعات مرحلة ما بعد التقاليد، ولكنها تطورت في صورة راديكالية باعتبارها حداثة انعكاسية في حقبة الحداثة المتأخرة .

ترتبط التحولات الثقافية التي تحدث كثيرا بفكرة الانتشار فعملية التبادل الثقافي وسعي المجتمعات العالم ثالثية عامة إلى تقليد الغرب في الكثير من الأمور، دائما ما استطدمت بمشكلة الاستعاب أو التناقض الثقافي، ف بيير بورديو خلال دراسته السوسيو-أنثربولوجية للجزائر قدم العدديد من الافكار التي ممكن أن تساعد أي باحث خلال رحلة دراسته لفكرة الثقافة وانتشارها مع كل ما هو تقليدي، والتي تعتبر الوسيلة أو الأداة التي تحيا بها ثقافة معينة مع الوقت، وتنقل مضمون الثقافة من جيل إلى آخر داخل المجتمع محل الدراسة، فهو يعتقد في دراسته التي نشرت عام 1962:" the Algerians"، أن الجزائر من الواضح جليا عليها ولأي باحث حاول دراستها بان حالتها الثقافية وبمعزل عن المغرب العربي الكبير، لا تشكل وحدة ثقافية واحدة، فهي تحوي فسيفساء سوسيو- ثقافية كبيرة جدا، فالصدام بين الحضارة الأصلية والغربية كبير ومظاهره عدة خصوصا تلك العمليات الثقافية التي تشكل الهوية . هذه النقطة توجب علينا التدقيق عليها، فالاتجاه الظاهراتي الذي اعتمده بيير بورديو كان يسعى إلى فهم عملية التبادل الثقافي وعملية الاستعاب، فعملية التكيف والتعديلات التي حدثت إلى الآن داخل المجتمع الجزائري كانت كلها تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية عدة، الداخلية المتمثلة في القيم لتقليدية التي تستوجب التغير وانتقالها بعامل التكيف من جيل إلى آخر، في إطار أنتاج وإعادة أنتاج نفس الجوهر الثقافي الاسلامي، والخارجية الحاصة بمحتوى الانتشار الثقافي الغربي.

للثقافة أهمية كبيرة في إعادة بناء الدولة الوطنية الخارجة حديثا من الاستعمار الذي حاول نكرانها والتخلص بشتى الطرق والوسائل منها وضمن هذا السياق، يمكن التأكيد على أن المجال الثقافي مطبوع بعدة خصائص تجعل منه عرضة للتحولات وبالتالي عرضة للتأثير الذي يخلفه المكان والزمان في إنتاج عنصر من العناصر الثقافية أو إعادة إنتاجها بشكل وبمضمون يتماشى مع حالة العصر. فقد وقعت القطيعة مع عناصر عدة من الثقافة التقليدية الجزائرية مباشرة بعد استقلالها ودخول المجتمع مرحلة جديدة من الانتعاش والتجديد الثقافي، حيث فسح المجال أمام أشكال مرشدة أحيانا وعشوائية أحيانا أخرى من المظاهر الثقافية أهمها كانت الثقافة الدينية، فمجموع المظاهر والعادات الدينية التي كان يمارسها الجزائريون إبان الفترة الاستعمارية وبعد انسحابه بسنين قليلة، كانت تعبر عن المعرفة السطحية للدين الاسلام من طرف أغلبية الجزائريين، وهذا طبعا كان بسبب السياسة الاستعمارية الهادفة دائما إلى طمس وكذا تهديم المؤسسات التي كان يدعمها العرف والدين والسلطة التقليدية، فمنذ فترة زمنية ليست ببعيدة كانت الكثير من المناطق في الجزائر، خصوصا المناطق الريفية والجبلية، يخصصون مزارات، مقابر وأماكن مقدسة بالنسبة للتمثل الشعبي المحلي، من أجل التبرك، واستخدام تلك الاماكن وأصحابها كوسائط روحية بينهم وبين الله، وبالرغم من انحصار هذه العادة الا انها لازالت منتشرة في البعض من المناطق الداخلية والجنوبية ك ولاية أدرار وتندوف، الأمر الذي يستدعي تخصيص دراسات انثربولوجية لها مستقبلا.

مع تغير الوقت ودخول المجتمع في المعمعة العولماتية والحداثية تغيرت مجموع التصورات والتمثلات اتجاه هذا الموضوع، حيث خضعت الثقافية الدينية الى عملية تنويرية وتجديدية بما يتناسب والتصور الصحيح للثقافة الدينية الاسلامية العربية، فمن خلال تجاهل ومحاولة تغيير القواعد الثقافية التي كانت تقوم عليها النزعة التقليدية الجزائرية، حدثت هناك عمليات لتبني بدائل جديدة تستوجب تحليل واعادة تحليلها نظرا لما ستقدمه من فهم عام وتفسير منطقي لأهم التحولات الثقافية التي تحدث في الجزائر.

الأمر يتعلق أكثر بإنتاج ثقافي مختلف وجديد، لقد كنا متفقين حول التغيرات الخاصة بالمكانة والدور داخل المجتمع وفي كل مستوياته الخاصة خلال المراحل الأولى للاستقلال، لكننا الآن نختلف حول قوة الأسباب والنتائج التي بدأت في تغيير البنية الثقافية الخاصة بالفرد الجزائري الذي يسمح بتعريض نفسه إلى تحولات جوهرية متاحة للملاحظة، مما يؤدي مع الوقت إلى التشكيل المتجدد والهادئ للثقافة الجزائرية.

 

الباحثة: هباشي فوزية

...............................

المصادر والمراجع المعتمدة:

1. تيم إدواردز، النظرية الثقافية وجهات نظر كلاسيكية ومعاصرة، ترجمة: محمود أحمد عبد الله، (المركز القومي للترجمة، القاهرة، 12012).

2.      Bourdieu,P, sociologie de l’Algérie,( paris, 1958, presses universitaires de France).

3.      Bourdieu,P,the Algerians,( 1962, Boston, beacon press).

 

 

في المثقف اليوم