قضايا

لبسنا قشرة الحداثة والروح جاهلية

ما نزال مجتمعات تقليدية رغم كل مظاهر الحضارة المستوردة والمدنية السطحية. من هنا تأتي أهمية مسألة مراجعة اصولنا المعرفية وجذور البنية التقليدية لثقافتنا الدينية والدنيوية، لا بهدف التكرار او الإعادة او اجترار ما لم يعد صالح بغية إرضاء الحال وتمويه الواقع، بل لغاية نقد تلك الجذور تواصلا وانقطاعا في الوقت ذاته، إذ لا انقطاع بلا تواصل نقدي مبدع وخلاق يراعي ظروف العصر وشروط الواقع ومتطلبات الإنسان المعاصر . اما التواصل لغاية التواصل وحدها فهو التقليد الذي نهيان عنه شرعا وعقلا، ومغبون من تساوى يوماه. ما زلنا كاهل الكهف ايقاض نيام... ما زلنا نتنفس الغزالي ونعيش مع ابن تيمية رغم السياق التاريخي والفارق الزمني .. رغم التقدم العلمي والثورات المعرفي والمنهجية ما زلنا نطمح بقراءات رشدية نرتجي منها الحلول ونستجدي منها المقدمات الفقهية.. وكل العالم من حولنا قد رشد ونحن لا رشد لنا.. نفكر مأجورين ونقاتل بعضنا بالنيابة . لذلك تبدو العودة إلى مراجعة التراث ضرورة ملحة لبحث جذور الأزمة الحضارية التي نعانيها وليس لمجرد إعادة التأويل والتاؤيل المضاعف الذي ترتب عليه هدر الإمكانيات واضاعة الوقت وتضييع الحقيقة... ترتب عليه إعادة إنتاج الغزالي وابن تيمية في نسخ مكررة تحاكي نفس الصور والمواقف حتى ملنا الزمان وازاحنا تيار النص الحداثي إلى ما بعد الهامش..

ألا يشير هذا إلى أن المجتمع التقليدي يسعى دائما إلى إعادة إنتاج ذاته القديمة، اي يعيد إنتاج بناه الإيديولوجية الثابتة؟!

نعم. لو نظرنا إلى بنية ثوراتنا العربية واحزابنا الإسلامية وتكتلاتنا السياسية فمن السهل أن نكتشف انها بنية قبلية تقليدية ، مع أنها تفترض أن تكون مؤسسات مجتمعية معاصرة، ويفترض بالتالي أن تكون نزعتها إنسانية حداثية، وأن تكون آليات اتخاذ القرار فيها آليات قيمية ديمقراطية أصيلة. والواقع أن سيطرة البنية الدكتاتورية التحزبية والحزبية وخضوع إستراتيجيات اتخاذ القرار لرغبة الزعيم او القاءد او الملك او الرئيس تكشف أن الحداثة والمعاصرة مجرد قشرة خارجية تعجز تماما عن اخفاء البنية التقليدية .

 

أ. م.د. سامي محمود ابراهيم

قسم الفلسفة. كلية الآداب. جامعة الموصل. العراق

 

 

في المثقف اليوم