قضايا

المرأة العراقية ليست ضحية التقاليد والأعراف!

كثيرا مايتردد بين عامة الناس ومثقفيهم الحديث حول ما تتعرض له المرأة في المجتمع العراقي من ظلم وإساءة لمكانتها الاجتماعية، فيكاد يتردد عند الجميع بأن ذلك من نتاج التقاليد والأعراف القديمة والمتوارثة.

وفي تعريف التقاليد والأعراف وجدت أنها تدل على ما توارثه الناس من عادات وسلوكيات وأخلاقيات وما عرفوه من الأديان في ديارهم ورضوا به.

ولأني لا أزال أتمسك بتقاليد أمي وجدتي في حسن إدارتهن البيت واعتنائهن بمظهرهن والطريقة الراقية في طعامهن وحلو كلامهن عن الجيران والأصدقاء لذلك لم أكن لأقتنع بأن مأساة المرأة العراقية في يومنا هذا من نتاج تلك التقاليد والأعراف، تصفحت الأنتريت فلفت نظري مقالاً للدكتور خزعل الماجدي الباحث في علم تاريخ الأديان: (نساء عظيمات من وادي الرافدين) كان ألقاها في السويد ـ الجمعية الأوربية للتنمية البشرية ـ فكان أن ذكر أهم أولائك العظيمات فذكر أن المرأة العراقية كانت زعيمة المجتمع الفلاحي لاعتقاد مافي جسدها من قوة خارقة تجعلها تنجب وتزرع فتمثلت المرأة بالآلهة الأم رمزاً للنماء، فقادت المرأة الجانب الديني والمجتمع المدني، وكانت الآلهة (ننخرساج) والعذراء (إنانا) من أجمل قصص الحب عند السومريين.

(عشتار) آلهة حملت صفات الحرب والقتال والحب معا عند الأكديين، (شبعاد) ملكة أور تمتعت بمركز رفيع جدا فاحتفى بها العراقيون في حياتها وموتها، (أنخيدو ـ آنا) أو الكاهنة زينة السماء، من أعظم شاعرات العالم القديم ابنة سرجون الأكدي، مكتوبة ومحفوظة نصوصها باللغة السومرية، (سمير أميس) الملكة الآشورية محبوبة العالم، (مازكوتو ـ نقية) زوجة الملك سنحاريب لعبت دورا كبيرا في السياسة وصناعة الملوك في الأمبراطورية الآشورية وفكرت بضم مصر إلى الأمبراطورية، (شيبتو) زوجة الملك زمريلم تميزت بالحكم وإدارة شؤون الدولة والفكر العسكري مع رومانسيتها واهتمامها بالرعية.

 سيدة الجنائن المعلقة (أميديا) زوجة نبو خذ نصر، (أورناشه، أورنينا) تميزت بالموسيقى في بلاد سومر. ثم ذكر دكتور خزعل نصوص شريعة حمورابي التي حفظت للمرأة حقها ومكانتها، واهتمام الآشوريين بلباس المرأة الحرة والمتزوجة لتمييزها عن غيرها بالحجاب.

وإن كانت المعلومات التي ذكرها قرأناها مراة عدة في كتب التاريخ إلا أنها جذبت انتباهي لأمر في نفسي فقلت أليست هن من موروثاتنا؟ فما التقاليد التي أهانت المرأة العراقية؟!

قرأت في التاريخ الحديث مامرت به المرأة العراقية من بؤس وشقاء تحت الاحتلالين العثماني والبريطاني للعراق، ثم بعد العزة والحرية التي عاشت بها المرأة بعد الثورات والتحرر حتى دخلت أصعب الميادين في العسكرية قائدة وفي المدنية كابتن طيار وفي السياسة وزيرة، أضف إلى كل ما تمتعت به المرأة العراقية من حرية ربما حرمت منها حتى نساء أوربا.

ولا زلت أتساءل ما التقاليد التي أهانت المرأة العراقية إذن!

لا تزال ذاكرتي تحفظ في طفولتي جدتي وصويحباتها يجلسن في مجلس واحد مع الرجال يتبادلن الأحاديث في كل مايخص المجتمع حولهن ـ مع أنهن في قرية غربي العراق ـ وكن يدخن السكائر ويقرأن ويكتبن في مدارس محو الأمية أوائل السبعينات ويحظين بمكانة رفيعة مع عملهن في المنزل، وكانت البنات الصغيرات في المدارس والشابات في المعاهد والأقسام الداخلية في جامعات بغداد، والمرأة تشتكي زوجها فينصفها شيوخ العشائر، والفن والشعر والثقافة هذه أجواء الريف العراقي غربا وشرقا وجنوبا وشمالا، فما بال التقاليد تلك ليست متخلفة؟!

من الذي جعل المرأة نصف المجتمع على أنها من تقاليدنا هي المجتمع كله فنحن لا نعرف البيوتات بأسماء الرجال بل من تقاليدنا أن نقول: هذا بيت أم أحمد وأم سعاد ووو وكل البيوتات باسماء العراقيات...

من تقاليدنا وأعرافنا أننا نتجمل بلأقراط وزينة الشعر في المدارس لأننا بنات، فما بال مدارسنا اليوم يملأها شحوب البنات!

هنا توقفت لأقارن بين فترتي اضطهاد المرأة العراقية بين حقبتي الاحتلال البريطاني والعثماني الذي قرأت عنه والاحتلال الأمريكي اليوم  وما تعرضت له من فكر إرهابي قولا وفعلا، وكيف أصبحت المرأة مجرد (كوتة) في برلمان زائف تتوسل فيه الوصول إلى مكانٍ لا يليق بها بعد أن كانت العراقية رئيسة أكبر اتحاد نسوي في العالم، فوجدت أن المرأة العراقية ليست ضحية التقاليد والأعراف العراقية كما يزعمون، بل هو:

(قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) سورة النمل

ذلك إنذار المرأة (الملكة بلقيس) واستشعارها الخطر: الغزاة إذا دخلوا قرية أفسدوها ـ أخلاقا وأعرافا ـ وجعلوا أعزة أهلها ـ نساءهم ـ أذلة.

ذلك التنبيه النسوي الذي نزلت به شرائع السماء في التوراة والإنجيل والقرآن: المرأة ضحية الغزاة  لينتبه الرجال لنداء بلقيس كي يحفظوا للمرأة العراقية أعرافها وتقاليدها الراقية التي توارثتها من جداتها من بنات سومر وأكد وكفاكم زج العراقيات في مساومات الساسة حفظا لكرامتهن.

 

د. تماضر مرشد آل جعفر - بغداد

 

 

في المثقف اليوم