قضايا

طبائع الأفكار والعقول!!(2)

صادق السامرائيوالنفس طاقة وتنطبق عليها قوانين الطاقة، وأن الحالة النفسية لأي مخلوق مرهونة بفكرة ذات قدرة على التسيّد والتملك الذاتي، وما نسميه بالأنا والأنا العليا والإد، ما هي إلا مستويات تصارعية ما بين طبقات فكروية حالّة في الأدمغة ومتراكمة في أوعيتها، وتتناسب قوتها مع ما يعززها ويراكمها وينميها، فقوة ألف لتر في وعاء أكبر من قوة عشرة لتر في وعاء.

وقد لا تحتوي النفس على أفكار بمستويات ثلاثة، لكنها الاصناف الرئيسية التي تمكنا من تحديدها، بينما الواقع الوعيوي يشير إلى أن النفس مجال كهرومغناطيسي لأفكار لا تعد ولا تحصى،

ولهذا فأنها لا تتطابق أو تتشابه، وإنما هي كبصمات الأصابع التي لا يمكنها التطابق في شخصين.

فالطاقة تلد أفكارا، أو تنعكس في فكرة تسعى لكينونة مادية أو طاقوية، وتتسبب في حث مجالها الكهرومغناطيسي الذي يمكن القول بأنه النفس.

وعليه فأن العقود القادمات ستشهد إنقلابات وتطورات نوعية حادة في علوم الدماغ، وستصل إلى أعماق العُصيبات وستتمكن من تنميتها وتأهيل الأدمغة لإعادة ترتيب إرتباطاتها العُصيبية، وتحقيق التفاعلات المطلوبة التي تساهم في الحفاظ على أبجدية الحياة.

فالدماغ فيه خلايا يمكنها أن تلد دماغها أو أي جزء يتلف أو يُصاب بمرض وعَرض، شأنه شأن باقي الأعضاء الموجودة في الجسم.

ومن الملاحظات المتكررة أن النباتات تسعى للحياة وتقاوم الموت، ولهذا عندما تقطع جزءً منها وتغرسه في التراب فأنه ينمو ليكون شجرة كالتي قُطع منها، وكذلك البذور، وهذه الإرادة الصيروراتية يمكنها أن تنطبق على الخلايا الدماغية، إذا تعلمنا أو إكتشفنا الخلايا ذات القدرة التوالدية والخلقية.

فيبدو أن في كل مخلوق مهما كان نوعه إرادة تكوّنية تقاوم الإنقراض، وتسعى للتعبير عن ملامحها ودورها ورسالتها المحكومة بسلطة الدوران.

إن المهتمين بالنباتات يعرفون كيف أن في الغصن المقطوع من النبتة أو الشجرة قدرة لا محدودة على صناعة الحياة، وإستحضار صورة الشجرة التي كان فيها أو النبتة التي قُطِع منها.

وقبل بضعة سنوات وجدتني أقف واجما أمام طوابير من العقول الشابة المتخرجة حديثا، وهي تسعى للتخصص بعلوم الدماغ وتبحث في ماهيته وأسرار ما فيه، ومَن يتأملها يدرك بأنها ستكشف الغطاء عن حجب توارثتها الأجيال.

(6)

ترى هل تنطبق هذه القاعدة أو القانون النباتي الصيروراتي على الأفكار؟!

بمعنى أن الفكرة كالثمرة الساقطة من شجرة كونية كبرى، ويمكنها أن تتحقق إذا وجدت الوعاء البيئي المناسب وتصنع شجرة أصلها وترتقي بوعائها إلى قِوى أخرى ذات مروج مكتظة بالفِكر والصور والخيالات الواعدة.

وهل أن الأفكار آلات جديدة يمكن تسخيرها للقيام بالأعمال الصعبة، فطاقات الأفكار ذات قدرات كونية كبرى ومطلقة، وهذا ربما يفسر بناء الشواهق الخارقة في الأزمان الساحقة، كالأهرامات والأبراج والزقورات والنصب العالية كما في الكرنك، وربما أن طاقة الأفكار وما تتمكن منه نطلق عليه بالخوارق وغيرها من التسميات.

ويبدو أن الحالة التنافرية القائمة ما بين الأفكار تؤسس لفلكية كونية ذات تفاعلات تكوّنية.

فالفكرة مثل الأرض لها طاقات جذب إنضمامية كابسة قادرة على التصنيع والتنويع والتسرمد في ذاتها المُدرَكة بالمجال الكهرومغناطيسي، ومتى ما فقدت الفكرة هذا المجال الحاني الحامي الراعي فأنها تحقق موتها .

والفكرة ذات قدرات دفاعية وعدوانية وإنتحارية أي أن الأفكار تنتحر!!

(7)

والأفكار تتدامج والطاقة المتحررة من السلوك الإندماجي للأفكار تكون مدوية ومتوالدة، وهذا ما تحققه العقائد، وحالما تسعى للإنفلاق أو التفلّق فأنها تحرر طاقات مضادة لوجودها، وبهذا فأنها تفقد قدرات التدامج وتسقط في مهاوي التغالق والتماحق.

وهكذا نرى سلوك الأحزاب المنغلقة أو المنشقة التي تتحول إلى صيرورات طاقوية إستنزافية وتمترسات إستضعافية إندحارية إنتحارية، مجردة من القيمة الحضارية والدور المؤثر في صناعة المسيرة الأفضل.

والأفكار تتدحرج على السطوح ولكي يتم القبض عليها لابد لها من التأخدد أي الوقوع في أخدود، وهذا يفسر أخاديد القشرة الدماغية، ففيها يتم إصطياد أو قنص الأفكار، ولو أن الدماغ تسطح لفقد قدرات التفاعل مع الأفكار التي يزدحم بها فضاء الوجود الكوني، ولا يُعرف هل يمكننا قياس النشاطات الكهرومغناطيسية في أخاديد الأدمغة وقدراتها على الجذب أو الإصطياد الفكروي.

(8)

إن الغوص في مجاهيل الدماغ يأخذنا إلى مجاهيل الكون البعيد، وكلما إزدادت معارفنا بالكون كلما إقتربنا من فهم الدماغ وما يدور في عوالمه الظلماء.

فليس من العبث أن يكون الدماغ في ظلمة، لأن الكون معظمه ظلام دامس، وهذا يعني أن الظلام لابد أن يكون طاقة، ونحن ما زلنا بعيدين عن إدراك طاقات الظلام.

لكن وضع الدماغ في غرفة ظلماء يشير إلى أنه في محيط طاقوي عظيم، يمده بالقدرات اللازمة لإستحضار الأفكار من ظلمات عليائها أو توفير البيئة المناسبة لتفاعلاتها، وإنباتها ونموها والتعبير الرمزي والمادي عنها.

أي أن الفكرة تأتي من فضاءاتها الظلماء إلى صناديق صيرورتها الظلماء في جماجم الأحياء، وهذا يعني أن الفكرة تنتقل من كونها الأظلم الأكبر إلى كون أظلم آخر أصغر، وهذا يمنحها طاقة هائلة للتعبير عن ذاتها وجوهر ما فيها.

فالفكرة بحاجة لوعاء مغلق تتخلق فيه وتتبرعم وتتوالد، وتندمج وتنفلق وفقا للحالة التي تمكنها منها العُصيبات التواصلية بدوائرها، وحلقاتها النشطة التعبيرات والتخاطبات والتكونات المتجددة لعناصر ما تحتويه، وآليات إطلاقها بجسيماتها الطاقوية التي تمدها بنسغ التبرهن والتصدح والوضوح.

والخلاصة هذه خواطر أولية متفرقة عن طبائع الأفكار والعقول، بحاجة إلى مزيد من الإفاضة والتعمق والبحث، والإستظهار العلمي للكينونات الطاقوية للأفكار وآليات تفاعلها مع الأدمغة، وهي إقترابات فيزياء - نفسية، تهدف إلى وعي جوهر الأفكار وكنه العقول.

ويبقى السؤال الغريب العجيب الذي مفاده هل أن الأفكار كائنات حية؟!

وهل أنها جسيمات موجية لا بد من التوصل لقياسها وقوانينها ومعادلاتها التفاعلية؟!

ستجيب على هذه الأسئلة وغيرها الأجيال المتبحرة في علوم الدماغ، وسيكون جوابها حاضرا في القرن الحادي والعشرين حتما!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم