قضايا

الجامعات المستحدثة.. ما لها وما عليها (3): مفارقات الاستحداث

سلام جمعة المالكيالسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي المحترم.. السادة مسؤولو المؤسسات الاكاديمية المحترمون...تم التطرق في الجزئين السابقين للأساسيات المفترضة في التخطيط والشروع في استحداث جامعات جديدة استنادا للحدود الدنيا المعمول بها عالميا وواقع حال التجربة غير السارّة في العراق، أضافة لاستعراض متطلبات ومواصفات الملاكات التدريسية المناط بها قيادة تلك الجامعات المستحدثة وما يفترض ان يكون عليه اسلوب التعامل مع تلك الشريحة باعتبارها العنصر الاهم والابرز في نجاح او فشل العملية برمّتها مع اشارة مختصرة "مشّفرة" لواقع حال أقل ما يمكن وصفه أنه "غير صحّي" ولا يبشّر بمستقبل واعد....

أستعرض في هذا الجزء بعض مفارقات تدعو لإعادة فتح ملفات استحداث الجامعات في العراق الذي تم في سنة 2014، كلّا او جزءا والتوجه لإلغاء تلك الجامعات والحاقها بالجامعات الاكثر استقرارا.... لما سنرى من دواعٍ وثغرات...

لم تكن سنة 2014 سنة عادية، رغم انه لا يمكن وصف اي سنة من سنوات هذا البلد المسكين بالاعتيادية منذ عشرات السنين،.. غير ان تلك السنة قد تميزت بمنعطفات خطرة جدا أبرزها الظهور المفاجئ لداعش كقوة محتلة لا تقهر، استولت على ثلث مساحة البلد!!!، وظهور موجة هائلة من التهجير والنزوح الاضطراري للكثير من المواطنين بينهم طلبة واساتذة وموظفين.. رافق ذلك الامتناع غير المفهوم "علنا على الاقل" عن التصويت على الموازنة الاتحادية العامة للبلد مما ترك المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في حال من التخبط والحيرة فيما يتعلق بالتصرفات المالية والتخطيط لها... هذا اذا لم ننس انها كانت سنة انتخابية عاصفة شهدت ما شهدت من صراعات ومناكفات بين مختلف الفرقاء للاستيلاء على اكثر ما يمكن من موارد السلطة والسيطرة... يمكن عندها تصوّر حال التوتر واختلال البوصلة المتوقع من تظافر كل تلك الظروف في اي بلد مستقر... فكيف لو كانت ذلك البلد هو العراق!!!!؟؟؟

وسط كل ما ذكر أعلاه يتم، فجأة، الاعلان عن تأسيس 14 جامعة في مختلف مناطق العراق تحت مسمى "الجامعات المستحدثة" وعنوان "جامعات تخصصية"!!! في بلد يكاد قطاع الصناعة "العام والخاص" فيه ان يكون ميتا، والقطاع الزراعي يئن تحت وطأة الاهمال والعطش والقطاع الصحي في أردأ حال....فمن الذي شخّص الحاجة للتخصصات والاعداد المطلوبة واين هي دراسات الجدوى؟؟  ومع انه غير مفهوم هذا الاصرار على ان تكون جامعات وليست كليّات.. وهذه سنعود اليها لاحقا لأهميتها في كشف واحدة من ابرز اسباب عدم التوفيق في هذه الخطوة،... فان المتعارف عليه عالميا ان استحداث جامعات او كليّات، ان يكون البلد ومؤسساته الانتاجية خاصة على درجة عالية من الاستقرار والنمو بما يستدعي ضخ دماء وطاقات جديدة للانطلاق العمودي في تلك المؤسسات الانتاجية نحو آفاق اكثر تخصصية اضافة للسيطرة على معدلات البطالة وتحسين ناتج الدخل القومي....فهل يقترب هذا من واقع العراق في تلك السنة او الفترة تحديدا؟؟؟ تلك واحدة....

أيضا...يقفز لواجهة الحوار تساؤل احمر قانٍ، عن سر حملة الشروع بإنشاء 14 جامعة "اكرر جامعة وليس كليّة" مع ما تتطلبه من نفقات تأسيس ضمن فقرة الاصفار التسعة في وقت كان البلد فيه على حافة هاوية تهدد كيانه كدولة وانهيار اقتصادي شامل بسبب شبه توقف الانتاج النفطي والتصدير في المنطقة الشمالية وملايين المهجرين والنازحين ونفقات هائلة للقطاع العسكري وووو وكل ذلك بالتزامن مع انهيار اسعار النفط "المورد الوحيد لميزانية البلد"...هذا اذا لم نتطرق للتضخم الاضافي في اعداد موظفي الدرجات الخاصة من كبار مسؤولي تلك الجامعات وتشكيلاتها، ومعظمهم، واقعا، من ذوي الدرجات الادنى التي "قد" لا تقترب من الدرجة الاولي قبل التنصيب...نعم لو كان اولئك المسؤولين الجدد من ذوي الخبرات والدرجات العلمية المتقدمة ومن الحائزين على مكانة علمية عالمية تمثل اضافة ودفعا للمؤسسات المستحدثة...لو!!!..

أيضا وأيضا، وبلحاظ شبه انعدام اي تخطيط حقيقي لتلك العملية المفاجئة وكون قرار الانشاء لم يكن اكثر من توقيع على ورق والذي برز من خلال الحيرة الكبيرة للقيادات المكلفة بإنشاء تلك الجامعات في ايجاد مقرات ولو وقتية لتلك المؤسسات "فشلت بعضها في ذلك ايضا مما ادى لاختفائها".. والتفكير الطويل "الذي تجاوز السنة مع بعضها" بعد ذلك التأريخ في ماهية وعناوين التخصصات التي يمكن على أساس عناوينها القول بوجود حقيقي لتلك ال"جامعات المستحدثة"، نصل لنتيجة منطقية مفادها تفنيد المسوّغات المعلنة عن حاجة سوق العمل لان القبول بتلك المقولة لا يعني سوى القبول بأسلوب "تحضير العلف قبل الحصان"!!! وهي سياسة ادارة مقلوبة ولا ينتج عنها سوى هدر وضياع للموارد المالية والبشرية واشاعة العشوائية "هذا توصيف حسن النيّة ...واقعا"...يتبع...

 

  أ. د. سلام جمعه المالكي

 

في المثقف اليوم