قضايا

سناء أبو شرار: القانون والتغيرات الاجتماعية

هل يغير القانون الواقع؟

أم أن الواقع يعدل القانون؟

هناك ثلاث عوامل أساسية في أي مجتمع: الدين، القانون والواقع الاجتماعي، وهذه العوامل الثلاثة يمكن أن تكون مترابطة فيحصل الانسجام والتكامل النفسي والاجتماعي في المجتمع وذلك لانسجام أفراد المجتمع مع بعضهم البعض دينياً وقانونياً وواقعياً. ولكن تختلف المعادلة وتختل وتصبح بحاجة إلى الإضافة أو الحذف المتواصلين بحال اختلال أحد هذه العوامل.

فمجتمع يحترم فقط القانون دون مبادئ دينية سوف يحتاج إلى المزيد من القوانين وإلى القوة الرادعة لقهر نوازع الشر. ومجتمع لا يحترم القانون ولا يتمسك بالقيم الدينية هو مجتمع يعيش في واقع الجريمة والعنف وانعدام الضمير الأخلاقي الفردي أو الجماعي.

هناك مجتمعات اختارت سيطرة القانون وأن القانون هو الذي يغير المجتمع ويقوم بعملية تطويره، وأصبح لديها أكوام هائلة من القوانين الزاجرة التي تردع أو ترصد أي تصرف مخالف للمجتمع أو للدولة أو للأفراد، ولكن المشكلة بهذه المجتمعات هو أنه بمجرد أن تحدث أي فوضى شعبية بها يفقد القانون أي سيطرة وتتحول تلك المجتمعات إلى بيئة بدائية لم تعرف ولا تعترف أبداً بما يُسمى بالقانون.

وهناك مجتمعات محكومة بالواقع الاجتماعي ويقف القانون عاجزاً عن تغير العديد من الظواهر الاجتماعية لشدة تجذرها في ذلك المجتمع حتى ولو نتج عنها جرائم قتل أو تشريد الأسر، وهنا يقف القانون عاجزاً عن التغيير وعن مقاومة ذلك الواقع الحديدي الصدئ.

وهناك مجتمعات اختارت الأحكام الدينية ولكنها تصطدم أيضاً بنوازع الشر الموجودة بأي مجتمع والتي لا يكبحها أو يحد من خطورتها إلا القوة الجبرية للقانون.

القانون أداة تغيير هامة للمجتمعات، بل هو أقصر الطرق لإحداث هذا التغيير ولكن الخطورة هي أنه إن لم يكن هناك نضج اجتماعي وديني وثقافي لهذا التغيير فسوف يكون تطبيقه مقتصر على قاعات المحاكم، فتعقيد الذات البشرية يكمن جزء منه برفض المفروض والتمرد على الأحكام. هناك حالة واحد حيث تستجيب الذات الإنسانية للقانون ويكون المجتمع مطواع للقانون وهي انسجام الدين والقانون والمجتمع معاً، فأي خلل أو تشرذم بهذه المعادلة سوف يكون هناك تناقض أو رفض أو تحدي، وسوف تكون علاقة الأفراد محكومة بنصوص القانون وليس بالضمير الجماعي والقيم الأخلاقية.

من الحكمة أن تكون مؤسسات تشريع القانون لديها من الخبرات النفسية والدينية والاجتماعية الكافية والتي تُسهم في تشريع القانون وألا يكون المشرع شخص قانوني منفصل عن التغيرات الاجتماعية والصراعات والانتماءات الدينية.

القانون ليس قوة قاهرة فقط بل هو منظم للمجتمعات ومطور لها وإلا سيكون عامل من عوامل هشاشتها، القانون لابد أن يتحلى بروح الحكمة قبل الإصرار على العقوبة. ونحن جميعاً نتاج لعملية قانونية منذ ولادتنا حتى مماتنا؛ ومن هنا تنبع ضرورة انسجام القانون مع الدين ومع الواقع الاجتماعي لتحقيق التطور المُستديم للمجتمع.

***

د. سناء أبو شرار

في المثقف اليوم