قضايا

الجامعات المستحدثة.. ما لها وما عليها (4): القيادات الجامعية!

سلام جمعة المالكيمما يبعث الامل والروح في قلب كل كاتب ذو رسالة وقضية، ان يرى او يستشعر، في الاقل، صدى او تفاعلا مع ما يكتبه... وقد ازعم انني أستشعر في احداث وتغيرات العديد من دوائر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي واجتماعات الادارة الجديدة مع الجهات المسؤولة في مختلف المؤسسات والدوائر الاكاديمية هذه الايام، بعض انعكاسات ما كتبته في الاجزاء السابقة المتعلقة بشكل خاص بملف الجامعات المستحدثة، وهذا ما ستتم الاشارة اليه ادناه، من خلال فتح ملف شائك ولا يخلو من المخاطر لكل من يجرؤ على محاولة الولوج اليه دون التسلح بما تستوجبه تلك المحاولة من دروع ومصدّات....غير أن البحث لا يتكامل دون فتح ملف القيادات الجامعية للجامعات المستحدثة... فحسبي الله ونعم الوكيل...

ان استحداث اصغر وحدة في أي مؤسسة يستوجب ان يتم تسليمها لايادٍ متمكنة، خبيرة وذات باعٍ "لا اقل من عشرات السنين" في مجال او مجالات عمل تلك الوحدة، وبشكل خاص لو لم يكن لتلك الوحدة وجود معنوي او مادي قبل تأريخه...فكيف الحال لو كان ذلك الاستحداث لجامعةٍ يٌفترض بها ان تضم كلياتٍ وأقسامٍ...و كيف لو كان ذلك الاستحداث سيقرر أو ينحت مصائر مئاتٍ من شبابٍ سيكونون أساس قيادة العهود القادمة؟ وان متابعة بسيطة لكل تجارب الاستحداث على المستويات الاقليمية والعالمية للأقسام والكليات (أعود للتأكيد أن تجربة استحداث جامعات منذ البدء يليها التفكير في انشاء كليات وأقسام تجربة عراقية بامتياز!!!)، سنجد ان اختيار القيادات الجامعية ابتداءا من أصغر تشكيل وصولا لرئاسات الجامعات يعتمد أساسا على الخبرات العالية وأيكال الامور لحملة أعلى الالقاب العلمية من ذوي السمعة العريضة والتجربة الواسعة... بل وربما يكون اختيار عناصر أقرب للمتقاعدين بشكل وقتي لحين اكتساب الجيل اللاحق للخبرة المطلوبة، هو الوسيلة الانجع لضمان عدم تجيير تلك القيادات موارد الاستحداث وامتيازاته لمصالحهم الشخصية اشباعا لعقد نقص سواء فيما يتعلق بالالقاب العلمية او الوجاهة او للصعود على اكتاف مؤسساتهم.... وقد يقول قائل بضرورة فسح المجال للطاقات الشابة او المتوسطة التي لم يتح لها المجال للتعبير عن نفسها وابراز امكاناتها.. وذاك كلام جميل ولا يخلو من الصحة...نعم لو كان فسح ذلك المجال في كليات او جامعات قائمة بذاتها ولها منظوماتها العاملة وأنظمتها المؤسساتية الناتجة عن تراكم الخبرات والتجارب، مما قد يسهم في ضخ دماء وافكار جديدة ولكنه ايضا يردع العثرات او الهنّات المتوقعة من نقص خبرة القيادات الجديدة التي سوف تجد من يجبرها ويعيدها لجادّة الصواب عكس الحال لو استفردت تلك القيادات الجديدة ببيئة فاقدة أصلا لأي خبرة متراكمة أو مرجعية خبراتية تتولى تقديم المشورة والتصويب، بما يجعل لتلك العثرات انعكاسات سلبية خطيرة، قد لا يمكن العودة عنها، ويكون الطلبة الجامعيون هم المجني عليهم بالدرجة الاولى ناهيكم عن الملاكات التدريسية والفنية والموارد المالية !!!

لقد حمل التصريح الاخير لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول توجيهات السيد الوزير بدعم الجامعات المستحدثة وتيسير اعارة وتنسيب الملاكات التدريسية حسب التخصصات، اشارة قوية وشبه صريحة لوجود انتدابات عشوائية سابقة للملاكات التدريسية في تلك الجامعات دون ان يكون التخصص أساسا لنلك الانتدابات... وهو ما أشرت اليه سابقا في جزء سابق من هذه الدراسة... غير ان الاشارة الاكثر أهمية بالنسبة لهذا المبحث هو ورود مصطلح "الجامعات الام"، وهو لعمري أمر غاية في الاهمية وكان من الاولى ان يتم استخدامه منذ بدء الشروع في تلك الجامعات...أي ان يخرج التأسيس باديء ذي بدء من عباءات الجامعات الام الاكثر عراقة وخبرة واستقرارا وان تظل عجلة القيادة بيد تلك الجامعات فترة مناسبة حتى اكتساب ادارات يتم تأهيلها في تلك الاثناء، الخبرة المناسبة أو الاستقرار القيادي المناسب لأن تتولى مسؤولية كبيرة لا يسهل تسييرها دون تلك الرعاية.

ان مراجعة للمكاسب والايجابيات التي كان يمكن جنيها من استحداث اقسام او كليات بدلا عن الشروع في جامعات، ووضع تلك الاستحداثات تحت رعاية وادارة وقتية للجامعات الام، ستتجلى واضحة في الاقتصاد الكبير في النفقات المالية الناجمة عن تنصيب ادارات عليا بما تتطلبه من استحداث درجات وظيفية خاصة لافراد من درجات وظيفية ادنى بكثير، وتبعات ذلك الاستحداث من حمايات وسوّاق ونفقات يعلمها الجميع لا موجب لها "في المراحل الاولى في الاقل"، وتركيز الموارد المالية بالذات، في الاحتياجات الحقيقية للكليات بدلا عن توجيهها نحو ايجاد مقرات جديدة فخمة فاخرة لتلك القيادات الجديدة وتوابعها. أيضا، سيكون تركيز القيادات الجامعية المؤقتة منصبّا "تحت قيد التكليف اصلا" بإيجاد وتطوير وتدريب قيادات مستقبلية من الملاكات التدريسية والفنية والادارية في تلك الكليات المستحدثة بغرض تسليمها القيادة في وقت لاحق دون ان يدور في خاطر تلك القيادات المؤقتة الانشغال بانجازات وهمية او منافسة تلك القيادات المستقبلية او تعويق تطورها وظهورها، بحكم كونها "القيادات المؤقتة" من حملة اعلى الالقاب العلمية والدرجات الوظيفية وممن تشهد لهم المحافل الاكاديمية بالوجاهة. كما ان تحقق المكسبين المذكورين آنفا سيجعل من تلك الكليات "او الجامعات" المستحدثة نماذج ايجابية تمثل جذبا للطاقات الجديدة او التي لم تجد لها مكانا في المؤسسات التقليدية وبالتالي فإنها بما لديها من آفاق توسع محتملة ستكون عاملا من عوامل خفض مستويات البطالة ضمن الوسط الماهر او المتقدم، اضافة الى انها ستمثل عاملا مهما من عوامل اشعال المنافسة مع المؤسسات التقليدية.

السيد الوزير المحترم... السادة مسؤولو المؤسسات الاكاديمية المحترمون.. ان عدم الشروع في الخطوات الصحيحة في الماضي لا يمنع ان يتم التفكير في اصلاح ما يتم تشخيصه من الهنّات او العيوب، خاصة مع النفس الهائل والرغبة الواضحة في التغيير واعادة ضخ الاوكسجين النقي في رئة التعليم العالي في العراق التي تكاد تختنق واستشعر العالم كله ذلك من خلال الغياب المذّل للمؤسسات الاكاديمية في قوائم التصنيف الرصينة على مستوى العالم مع مفارقة امتلاك العراق العديد من الكفاءات والخبرات على مستوى الافراد......الله الله فيما وضعه الله تعالى تحت اياديكم من سلطات وامكانات زائلة في يوم من الايام وستُسألون عنها ... عسى ان لا يطول وقوفكم حينها....

.....

يتبع

أ. د. سلام جمعه المالكي

 

في المثقف اليوم