قضايا

المرأة العراقية في الأزمات

عامرة البلداويأن من يعول عليهن في أحداث التغيير وأتخاذ المواقف الصعبة هن النخبة من النساء السياسيات والقائدات التنفيذيات واللواتي على رأس مواقع صنع القرار في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، الا ان الأزمات التي مر بها العراق صنعت واقعا مختلفا، أن من برزت في الواجهة مجموعة نساء مغمورات يقبعن في زوايا المجتمع منسيات ولايمكن ان يتصور اي دور لهن . لقد صنعت الأزمة منهن نساء قياديات حيث اتخذن المواقف الأصعب والأجرأ والتي لايتوقع منهن أتخاذها في حين تراجعت المرأة البرلمانية والوزيرة والسياسية في قيادات الأحزاب، حيث لم يرتقين الى ماوصلت اليه تلك النماذج من النساء

مالذي جعل (أم قصي) أمرأة بسيطة تعيش مع أسرتها في ناحية العلم في محافظة صلاح الدين تخاطر بحياتها لتنقذ (25) جنديا شابا فروا من قاعدة سبايكر حيث هاجمتهم عصابات داعش الأرهابية وقتلت 1700 شاب منهم ونجا عدد قليل بأعجوبة، لم تكن هذه المرأة البسيطة تحلم بسلطة او مال عندما قررت ان تخفي هؤلاء الشباب في بيتها (15) يوما وهي تعيش في منطقة ترتفع فيها التحديات الأمنية والجواسيس والمرشدين الى الضحايا من أجل حفنة من المال، ثم تساعدهم في الهرب حتى وصولهم الى ديارهم وعوائلهم في المحافظات الجنوبية،  كان هذا الحدث في عام 2015 حيث أصبحت قصة بطولة هذه المرأة حدثا عالميا وأستحقت الحصول على لقب (أشجع نساء العالم)

مالذي جعل بنت الشيخ المدللة التي بوسعها العيش في رغد وترف بعيدا عن المخاطر وهي مستشارة لمحافظ صلاح الدين ويمكنها ان تؤدي ادوارا اكثر أمانا من خلال موقعها، بل ويمكنها الأكتفاء ببطولات أخوتها وأفراد عائلتها الذين حاربوا القاعدة و داعش وقدموا الشهداء فتفخر بهذا الأرث وتنال التكريم والتفخيم، في تلك الفترة في أواخر حزيران 2014 كانت هجمة داعش كبيرة وقد أستهدفت قبيلة الجبور وهم عائلة (الشهيدة أمية جبارة) وقتلت المئات منهم ودفنتهم في مقابر جماعية، ولذا فأن فكرة حمل السلاح لهذه المرأة ليس قرارا ترفيا، او من أجل ان يصورها مرافقيها حاملة للسلاح وينشرون الصور لتنال الشهرة او ربما لتفوز في الأنتخابات، بل ان مجرد فكرة حمل السلاح في تلك المرحلة الخطرة تعني القرار بمواجهة الموت المحتم .. تمكنت أمية ببندقيتها من قتل ثلاثة من مسلحي داعش قبل أن ترديها طلقة قناص داعشية لتسقط شهيدة، هل فعلا كان ذلك الموقف ثأرا لأبيها الذي استشهد وهو يقاتل القاعدة عام 2004، وهي بنت العشيرة المدللة يكفيها اخوانها حمل هذا العبء، أنما هو الموقف الأستثنائي والخصوصية التي تتمتع بها المرأة العراقية بأتخاذ أصعب المواقف في وقت الأزمة والتحدي والمخاطر

مالذي دفع أعلامية شابة غير مشهورة ولم تسلط عليها الأضواء لتنتهج نهجا مختلفا غير مألوفا بالأنخراط في صفوف المراسلين الحربيين لتغطي مايحدث في ساحة المعارك مع داعش اعلاميا وتكون قريبة من الحدث حيث استشهدت نتيجة انفجار عبوة ناسفة، تلك هي الأعلامية (رنا العجيلي) التي لعبت دورا مختلفا وكان بأمكانها الأكتفاء بتغطية المعارك عن بعد او العمل في مجال أعلامي آخر أكثر أمنا وسلامة لها

واذا كانت نماذج النساء سالفة الذكر أخترن مواقفهن دون ضغوطات شخصية سوى ضغط الواجب والشعور بالمسؤولية، فأن أرهابيو داعش استهدفوا النساء من مكونات مختلفة بالسبي والأختطاف والقتل والبيع في سوق النخاسة والزواج قسرا او الأغتصاب وكان لذلك تأثيرات مختلفة في مجتمعات تلك المكونات وقد ظهر أعلاميا ان اليزيديات هن الأكثر استهدافا والأكثر تضررا بينما لم تستطع اي جهة حكومية او غير حكومية من أستقصاء العدد الحقيقي من النساء المختطفات او الأسيرات لدى داعش من مختلف المكونات الى يومنا هذا . ومهما يكن فأن أي ضمير حي لايمكنه تقبل ماحصل، وفي الوقت الذي بدت فيه المؤسسات الحكومية عاجزة عن فعل شيء، فأن عددا من اليزيديات اللواتي تعرضن لأعتداءات داعش وتم تخليصهن ونجاتهن أستطعن نقل معاناتهن الى المجتمع الدولي، وخاصة مجلس حقوق الأنسان التابع للأمم المتحدة، لقد قمن بتعريف العالم ببشاعة ماتعرضن له وكان توثيق معاناتهن جزء من اهدافهن في أتخاذ موقف شجاع بأن يمنعن تكرار ماحصل لهن . واحدة من أكثر الشابات اليزيديات ظهورا وتحديا كما انها من أكثرهن حصولا على الدعم والتشجيع لتقوم بدورها هي (ناديا مراد)، ومن المعلوم ان من أصعب الأمور التي يمكن ان تواجهها أمرأة هو التعرض للأغتصاب فضلا عن ربما حصول الحمل والولادة من خلال هذا الفعل، وقد يقف المرء متحيرا في التعامل مع هذا الوضع المعقد فضلا عن صعوبة تحمل ردود أفعال المجتمع والأسرة حيث تعاني الضحايا من عزلهن مجتمعيا، فأذا قررت اي أمرأة من بين هؤلاء ان تتحمل الأعلان عن معاناتها من اجل فضح هذه المجموعات الأرهابية المارقة عن الدين والخلق والأنسانية فهي تكون قد أتخذت القرار الأكثر حرجا وصعوبة، وقد تحولت (ناديا مراد) الى سفيرة للسلام

لقد تعرضت ناحية (آمرلي) في قضاء طوزخورماتو لحصار الى أكثر من 3 أشهر انقطعت العوائل فيها عن العالم الخارجي ولم يصلهم الماء والكهرباء ونفدت مؤنهم وعتاد اسلحتهم ، تعرضوا الى امكانية الأبادة الجماعية ألا ان سكان آمرلي قرروا ان يقاوموا وان لايستسلموا او يغادروا مدينتهم، لقد لعبت المرأة في تلك العوائل دورا بطوليا ..لم يولولن ويضعفن مقاومة المقاتلين، بل قمن بما يمكنهن ان يبقين الناس صامدين وأحياء ..حملن السلاح تارة ووقفن على تنور الخبز تارة أخرى وصمدن ببطولة لايمكن توقعها وكن على مستوى التحدي

مالذي تتميز به المرأة العراقية ليكون لها هذا الدور والصمود بل هذا الأبداع والمبادرة في الأزمات، وماهي الخصوصية التي قد لاتتوفر في نساء دول اخرى والتي تتلخص بتحول الأدوار دون اتفاق مسبق، وهل يمكن ان يتحول الأنسان من البخل الى عطاء كامل، هل يمكن ان يتحول من الجبن الى الشجاعة الفائقة، ولعلنا نستطيع تفسير ذلك ببعض مايميز العراق بالآتي:-

1- النشأة: على الرغم من الأعلام المفتوح ووسائل التواصل الأجتماعي وغيرها من وسائل الغزو الثقافي وتأثيراتها في التفكك الأسري وضعف التواصل بين الأجيال الا ان الأسرة العراقية مازالت اسرة متماسكة وأن دور افراد الأسرة وحمايتهم وترابطهم سينعكس على النساء ويمنحهن الخصائص الفريدة للأسرة العراقية لاسيما الألتزام الديني والأخلاقي

2- البيئة: ان المناخ الصحراوي وبيئة المجتمع التي تنزع الى القبلية وقوة العشيرة كل هذه العوامل منحت المرأة القوة والصبر والجلد وتحمل الظروف الصعبة وغير الأعتيادية ..بل ان تلك البيئة ماهي الا مختبرا للقوة الذي غربل القدرات النسوية وقام بتصفيتها وأزال الضعيف والمتنحي من خصائصها مما ابرز قوتها التي تنطلق كلما تم استفزازها بأزمة او ظرف صعب

3- الوراثة: يبقى عنصر الوراثة مؤثرا في النساء والرجال، وان تلك الجينات تحمل الصفات لقرون وتمتد عبر النساء الى اوسع رقعة في المجتمع، وربما لنساء العراق امتداد وراثي أكسبهن الفصاحة والقوة والشجاعة والتحدي والصبر في الأزمات من زينب عقيلة بني هاشم عليها السلام التي تربت وعاشت سنوات من عمرها الشريف في كوفة العراق.

 

عامرة البلداوي

 

 

في المثقف اليوم