قضايا

أَلقَطِيعَةُ مَعَ اللهِ مَصدرُ كُلّ قَطِيعَة

تحدّثَ المفكرون عن قطيعة معرفيّة بين القديم والجديد، وبين التراث والحاضر، وتحدثّوا عن كل انواع القطيعة... وتناسَوا القطيعةَ الاهمَّ، والتي هي مصدر لكل قطيعة وهي قطيعة الانسان مع خالقه . فالحضارةُ الحَديثةُ بعدما أَعلنت موتَ الالهِ على لسانِ نيتشه؛ اوقعت الانسانَ في اضطرابٍ روحيٍّ، وقلقٍ نفسيٍّ، واِرباكٍ وَحَيرَةٍ .

أَلقَطِيعَةُ المَعرِفيّة

التَساؤُلُ حول كيفيةِ تقدم العلوم، هل تتقدم بطريقة الوصل والتراكم المعرفي، الذي ذهب اليه (اوغست كومت) والمدرسة الوضعيّة المنطقيّة، ام بطريقة القطيعةِ والفصل الذي ذهب اليه فيلسوفُ القطيعة المعرفيّة (غاستون باشلار)، الذي يرى ان تأريخَ العلم عبارة عن قطائع معرفية تنفصل في لحظتها المعرفة الجديدة كليّاً عن المعرفةِ القديمة؛ فلايوجد تواصل وتراكم معرفيٌّ بين فيزياء نيوتن وفيزياء اينشتين، بل بينهما قطيعة ابستمولوجية (معرفية) .

القطيعةُ مع التُراث

مفهوم القطيعة المعرفية الذي قال به (باشلار) في مجال العلوم التطبيقيّة، نقله ميشال فوكو الى حقول العلوم الانسانيّة . وجاء المفكرون العرب، ونقلوا هذا المفهوم الاوربيَّ المنشأَ ليطبقوه على التراث. ومن الذين نادَوا بالقطيعةِ مع تراثنا العربيّ الاسلاميّ المُفَكِّرُ اللبنانيُّ (حسين مروّة) في كتابه: (النزعاتُ الماديّةُ في الاسلام)، والمفكر المصري حسن حنفي، في كتابه: (التُراثُ والتجديدُ) وكتابه: ( منَ العقيدةِ الى الثورةِ)، والمُفَكّر الجزائري محمد اركون في كتابه: (تأريخيّةُ الفكرِ الاسلاميِّ )، والدكتور محمد عابد الجابري في كتابه: (نحنُ والتُراث)، ومشروعه الموسوعي: ( نقدُ العقلِ العربيِّ) .

الصلةُ باللهِ والقطيعةُ معهُ

في زحمةِ الانشغالِ بالحديث عن هذهِ القطائعِ المُختلفة، نَسِيَ الجميعُ الحديث عن القطيعة الاهم في حياة الانسان، والتي تتركُ اثارَها المُدَمِّرَة في حياة الانسان، والتي تُحيلها الى قلقٍ واضطرابٍ وتعاسةٍ .

الله تعالى يتحدثُ في كتابه عن الاثارِ المُدَمِّرَةِ لقطعِ صلةِ الانسانِ بخالقهِ، يقول الله تعالى (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)). المعارج: (الاية: 19-

وقوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) العاديات: الاية: 6 . والصلة التي كانت للنبي يونس (ع) مع ربِّهِ من خلال التسبيح، هي التي جعلته يطمئن الى رحمة الله وقدرته على خلاصه، يقول الله تعالى حكاية عن نبيه يونس (ع):

(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ). الصافات: الايات:143و 144.

الكفر بالله، والشركُ بهِ، ونسيانُهُ، عوامل لقطعِ صلةِ الانسانِ بخالقه، التي تكون سبباً لاضطراب ِ الانسانِ، وحيرتهِ وتخبطهِ، وقلقهِ ؛ لانَّ الانسانَ وجود ربطيٌّ، بل هوَ عينُ الربطِ حسب تعبيرِ الفيلسوف الاسلاميِّ (صدر الدين الشيرازي) . والقران الكريم يذكر في كثير من اياته هذه الاثار للكفر والشرك والنسيان.

(فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) . المائدة: 12.

(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) ال عمران:56.

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ). البقرة: الاية: 22.

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). الحشر: الاية:19.

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ). الانعام: الاية: 44.

وخاتمةُ القولِ: ان الصلة بالله هي سببٌ لكل صلة، والقطيعةُ مع الله هي سببٌ لكل قطيعة الصلة مع الله تعمق صلاتنا بكل الكائنات، وتجعلنا نشعر بصلات قرابة بيننا وبين كل كائناتِ هذا الوجود.يجب ان نُعَمِّقَ صلَتَنا بخالق الوجود، ولانقطع الصلة بهِ.

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم