قضايا

العقل والإعتقاد!!

صادق السامرائييبدو أن إقحام العقل بالإعتقاد وكأنه إنحراف إدراكي وإضطراب سلوكي تترتب عليه نتائج ذات تداعيات وخيمة وأليمة.

فهل أن الإعتقاد يتصل بالعقل؟!

لو تأملنا الإعتقادات والمعتقدات بأنواعها لتبين لنا أنها تشترك بكونها ذات صلة متنوعة بالغيب، ووفقا لما تستحضره من وعي لذلك الغيب وما ينجم عنه من آليات طقوسية تساهم في تحقيق الطمأنينة والشعور بالأمان.

ولهذا فأن المعتقدات البشرية لا تعد ولا تحصى وهي في تزايد مع تنامي أعداد البشر، وهذه المعتقدات أيضا تشترك في أنها لا يمكن إخضاعها لسلطة العقل، بل العكس، اي أن على العقل أن يكون مملوكا لها ومجتهدا في إبتكار التبريرات لترسيخها، وتأمين قوتها ودورها الفاعل في حياة المعتقدين بها.

فلو أخضعنا أي معتقد لبرهان وسلطان العقل لإتضح بهتانه وإمعانه بما هو غيبي وبعيد المنال، لكنه راسخ في الأعماق على أنه كائن وموجود.

فعلى سبيل المثال لا يمكن الإقتاع العقلي لشخص يعتقد بالبقرة والفأرة والثعلب، أو يرى أن هذا الكائن ربه وهو الذي سيأخذه في عالم الغيوب إلى حيث يريد ويرغب، بل يستحيل هذا التفاعل والإقناع.

ذات مرة سألت صديقي الياباني ونحن نتجول في مدينة كايتو اليابانية عن كثرة المعابد وتوافد الناس إليها، وكل معبد يعتقد برؤية ما، فأجابني : إنها جزء من الفلكلور والسلوك اليومي الياباني، لكنها لا علاقة لها بما نرى ونتصور ونفكر، إنها مجرد وسائل للأمان الروحي وتمنحنا طاقة تواصل الحياة.

وفي كل بيت من بيوت اليابان هناك معبد صغير يتم التبارك به والصلاة أمامه عند كل صباح.

في حينها أخذت أتأمل كيف يتحقق الفصل بين العقل والمعتقد.

وبدى وكأن الإعتقاد إنتماء عاطفي نفسي سلوكي منقطع عن الإرادة العقلية، وأي تدخل للعقل بالإعتقاد يتسبب بإنهيارات سلوكية تفاعلية مريرة.

وعدت إلى أمم وشعوب كالهند والصين ودول آسيا الشرقية، أقلب صفحات إعتقاداتها وسلوكياتها، فإتضح ان السلوك الإعتقادي منقطع تماما عن العقل، فالعقل منهجه علمي سببي برهاني، وهو جاد ومجتهد في سبيله الإختراعي والإبتكاري، والإعتقاد حالة عاطفية جامدة متوارثة وكأنها مغروزة بالفطرة البشرية.

 ويبدو أن المجتمعات القوية قد أدركت هذه الحالة القائمة فيها، فحررت العقل وحررت الإعتقاد في ذات الوقت، فالإعتقاد بسلوكياته يمضي فيها، والعقل بقدراته فاعل فيها، ولا تقترب من الإعتقاد ولا تخضعه لسلطة العقل، وهذا يأخذنا إلى واقع المسلمين الذين إستنزفوا طاقاتهم العقلية في الدين.

وقد كتبوا وألفوا وإجتهدوا وتفاعلوا وتفرقوا وتمزقوا وتمذهبوا وأصبحوا فرقا وجماعات وطوائف،  لأنهم قد حشروا العقل في المعتقد والدين.

أي أن المسلمين ربما قد إرتكبوا خطيئة كبيرة بإعمالهم العقل بما هو ديني، وأضاعوا جهود الأجيال بما لا ينفعها، ولا يزال المسلمون لا يتعلمون ولا يستطيعون إخراج العقل من الدين.

فالمشكلة التي تواجه المسلمين هي عدم القدرة على فصل العقل عن الدين، وليس غير ذلك من الإقترابات والتوجهات والإدعاءات.

المسلمون مطالبون بترك الإعتقاد لمن يعتقده وأن يُعْمِلوا عقولهم بما يصلح لوجودهم المعاصر.

وعليهم أن يوظفوا العقول في  التفكير العلمي والبحث الجاد للوصول إلى حلول ذات قيمة نافعة لحاضرهم ومستقبلهم.

ولن يكون العرب والمسلمون إذا تواصلوا في الإمعان بحشر العقل بالدين وهدر الطاقات والقدرات بالمعتقدات، ومن الواضح لا توجد أمة أمعنت بهذا السلوك أكثر من أمة المسلمين.

فلن تجد عند أصحاب الديانات الأخرى مؤلفات وإجتهادات مثلما هو حاصل عند المسلمين.

وعليه فمن الأصوب أن يدرك المسلمون أن الإعتقاد إنتماء بالعاطفة والقلب، وهو إيمان راسخ مسبق لا يحتاج إلى إعمال عقل.

وإن حشر العقل في الدين لا يساهم بتعزيز الإيمان، وإنما لابد من إتباع المنطوق الواضح الصربح الذي تنص عليه الآية الكريمة التالية:

" ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون" البقرة  1، 2، 3

فهل سنحرر العقل من قبضة الدين، ونرحم ديننا بالإيمان لا بالعقل؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم